الملف إشراف : مروة لطفى
للمرأة فى سوق العمل حكاية طويلة بدأتها منذ أيام الفراعنة حتى يومنا هذا، ورغم تراجع مسيرتها العملية فى بعض الأزمنة إلا أنها دوما كانت تناضل وتنتفض لتعود أكثر قوة ونجاحا وتفوقا لتثبت فى كل أزمة أن نساء مصر لم ولن يستسلمن يوما لأى من الهجمات المضادة التى حاولت تقليص دورهن فى المنزل وحرمانهن من حقهن فى العمل والمشاركة فى رسم مستقبل وطنهن.
منذ القدم كان للمرأة فى المجتمع المصرى دورا مهما باعتبارها شريكاً للرجل تتساوى معه فى الحقوق والواجبات، واتسمت مكانة المرأة فى مصر القديمة بالتقديس، فكانت الآلهة من النساء تقف جنبا إلى جنب مع الآلهة من الذكور مثل إيزيس التى كانت رمزا للوفاء والإخلاص، فكانت ماعت إلهة العدل، وحتحور إلهة الحب، وسخمت إلهة القوة، كما تقلدت المرأة فى مصر القديمة وظائف دينية كاهنة فى معبد آمون وغيره من المعابد، ولم يكن القضاء بعيدا عن المرأة فكانت نبت أم زوجة الملك تيتى الأول أول قاضية فى تاريخ مصر، كما كانت بسشيت كبيرة الطبيبات فى الأسرة الرابعة، بل وصل احترام المرأة وتكريمها فى مصر القديمة إلى توليها حكم البلاد مثل حتب أم الملك خوفو، زخنت ابنة الملك منكاورع، ونفرتيتى زوجة إخناتون، وحتشبسوت، كما لقبت المرأة بألقاب عظيمة مثل طاهرة اليدين فى القصر؛ سيدة الحب، سيدة الجمال، عظيمة البهجة، وقد سجل المؤرخ هيرودوت مكانة المرأة فى عهد مصر القديمة قائلا: «كانت المرأة تذهب إلى السوق وتمارس التجارة بحرية عكس ما درج عليه البشر »، كما جسدت الرسوم على جدران المقابر دور المرأة فى أعمال التجارة والحصاد وصناعة الزيوت المعطرة والمجوهرات والغزل وبيع المنتجات.
الحرملك
بعد الفراعنة توالت العصور لتشهد مسيرة المرأة فترات صعود وهبوط حتى وصل بها الحال لتكون مجرد جارية فى الحرملك عقب الغزو العثماني، لكن المصرية لم تعتد الخضوع والاستسلام فعادت لنضالها المعهود خلال سنوات الاحتلال الإنجليزى لمصر حتى نجحت بعض فتيات الطبقة الاجتماعية المثقفة والغنية فى تلقى العلوم المختلفة داخل المنزل، فظهر جيل من الفتيات أكثر وعيا كالكاتبة عائشة التيمورية صاحبة «نتائج الأحوال فى الأقوال والأفعال .»
عام الفصل
وكان عام 1899 فاصلا فى حياة المرأة المصرية وحركة تحررها، ففيه صدر كتاب «تحرير المرأة » لقاسم أمين الذى كان يرى أن الجهل لا يصون المرأة وإنما تربية العقل والأخلاق، ومن بعده أخذ نضالها شكلا جديداً، ففى عام 1907 حصلت نبوية موسى على البكالوريا، ثم عينت مديرة لمدرسة ابتدائية عام 1909 ، وخاضت معركة للمساواة فى الرواتب بين المرأة والرجل، فرغم حصولها على البكالوريا إلا أنها كانت تتقاضى نصف راتب المدرس الحاصل على شهادة مدرسة المعلمين العليا، وشكلت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت بالفعل فى مساواة المرأة بالرجل فى الرواتب، وساهمت فى توحيد المناهج للبنات والبنين باعتبار أن عقولهم واحدة وليسوا بحاجة للتمييز بينهم دراسيا.
عالم الصحافة
برز اسم جميلة حافظ فى عالم الصحافة فكانت أول امرأة مصرية تؤسس مجلة نسائية «الريحانة » عام 1907 ، ولم تكتف المرأة بدورها المجتمعى فحسب بل شاركت فى دور وطنى رائد عبرت عنه عام 1919 وتحديدا يوم 16 مارس عندما تظاهرت أكثر من 300 سيدة بقيادة هدى شعراوى للتنديد بالاحتلال البريطاني، وأفرزت هذه المظاهرات عن جيل مثقف وواع من النساء، حيث استكملت هيلانة سيداروس دراستها فى لندن لتصبح أول طبيبة فى مصر والعالم العربي، وإستر فانوس المناضلة التى كتبت رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة منددة بنفى سعد زغلول وزملائه.
وفى عام 1920 أخذ دور المرأة بالعمل السياسى طابعا مؤسسيا حيث شكلت لجنة الوفد المركزية للسيدات للمطالبة باستقلال مصر استقلالا تاما، وأنشئ الاتحاد المصرى النسائى عام 1923 على يد هدى شعرواى بهدف تنمية المستوى الأدبى والاجتماعى للنساء والدعوة إلى فتح باب التعليم العالى للفتيات ومنح المرأة حق الانتخاب، وسن قانون يمنع تعدد الزوجات، وإلغاء قانون بيت الطاعة، وعلى يد هدى شعراوى أنشئت أول مدرسة ثانوية للبنات، وأصدرت مجلة «المصرية » عام 1925 باللغة العربية والفرنسية للتعريف بأحوال المرأة المصرية، واستطاعت منيرة ثابت الحصول على ليسانس الحقوق، وسجلت فى جدول المحامين كأول محامية تؤيد فى المحاكم المختلطة.
جدير بالذكر أن مصر لم تشهد قانونا للعمل بالشكل المتعارف عليه حتى بداية القرن العشرين، فكانت هناك لائحة تحديد ساعات العمل عام 1909 ، ورغم عدم وجود قانون للنقابات العمالية فى الثلاثينيات والأربعينيات، لكن مع كفاح العمال من أجل تحسين حقوقهن خرجت عدة تشريعات مهمة من بينها القانون رقم 85 لسنة 1942 الذى يقضى بتنظيم النقابات العمالية وقانون التأمين الإجبارى الخاص بحوادث العمل.
اتحاد بنات النيل
- وفى عام 1942 أسس أول حزب سياسى للمرأة «النسائى المصرى »، ثم صدر قانون العمل الفردى رقم 41 لسنة 1944 ، وتأسس «اتحاد بنات النيل » بالقاهرة عام 1949 على يد درية شفيق التى قادت مظاهرة من 1500 امرأة اقتحمن مقر مجلس النواب المصرى للمطالبة بالنظر بجدية فى قضايا المرأة خاصة تعديل قانون الانتخاب ومنح المرأة حق التصويت والمشاركة بعضوية المجالس المحلية والنيابية، كما دخلت المرأة لأول مرة مجال الطاقة الذرية، واتجهت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1951 لإجراء بحوث فى معامل جامعة سان لويس.
نهضة الخمسينيات
وبعد ثورة يوليو 1952 دخلت المرأة مرحلة أخرى من النضال حيث صدر قانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 1959 والذى ساوى بين المرأة والرجل فى كافة قطاعات العمل، وخصص فصلا كاملا عن رعاية المرأة العاملة وعلى مقتضاه اقتحمت المرأة مجالات عمل عديدة فكانت أبية النفراوى أول صحفية بالسفارة المصرية بلندن عام 1956 ، وسجل أول ثلاث محاميات بجدول المحامين وهن مفيدة عبد الرحمن، وعطيات الخربوطلي، وعطيات الشافعي، كما عينت عدد من النساء بهيئة الطاقة الذرية ليشكلن 25 % من عدد العاملين بها عام 1957 ، كذلك دخلت المرأة عالم الإذاعة عام 1959 ليلتصق الصوت الناعم بأذن المستمع من خلال عدد من الإذاعيات المتميزات أبرزهن سميرة الكيلاني، وأمال فهمي، وثريا نجم، واستمر تقدم المرأة فى الحياة العملية خلال مرحلة الستينيات لتصبح حكمت أبوزيد أول وزيرة للشئون الاجتماعية.
وفى عام 1966 صدر العهد الدولى للحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية، والذى أكد المساواة فى الحقوق بين الذكور والإناث بلا تمييز وبموجبه اعتلت المرأة مناصب إدارية عدة وكان لها دور بارز فى المجال الإعلامي.
قوانين تقنن أوضاعها
تعد فترة السبعينيات من أكثر الفترات التى صدرت فيها قوانين لصالح المرأة العاملة فجاء قانون 79 لعام 1975 ليقنن أوضاعها ويمنحها الحق فى التقاعد وصرف تعويض الدفعة الأولى حال الاستقالة.. كذلك أعطاها الحق فى الجمع بين الأجر والمعاش.. ثم القانون رقم 48 لعام 1978 الذى منحها حق الحصول على أجازات إضافية لرعاية طفلها فضلاً عن أجازة الوضع وإمكانية العمل نصف أيام العمل الرسمية مقابل نصف الأجر.
الألفية الثانية
لم يختلف الأمر فى الثمانينيات حيث صدر القانون 137 لعام 1981 الذى منع تشغيل النساء فى الفترة بين الثامنة مساء والسابعة صباحاً إلا فى حالات الضرورة، واستمر نضال المرأة المصرية فى كافة قطاعات العمل خلال الثمانينيات والتسعينيات حتى الألفية الثانية ليشهد عام 2000 تأسيس المجلس القومى للمرأة، وفى عام 2003 تم تعيين تهانى الجبالى أول قاضية مصرية بالمحكمة الدستورية العليا، وفى أبريل 2007 صدر قرار جمهورى بأن تؤدى 30 قاضية اليمين القانونية أمام مجلس القضاء العالى برئاسة رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء العالي، وفى أكتوبر 2007 تم تعيين فاطمة مصطفى مدنى رئيساً للوحدة المحلية بإحدى قرى مركز إسنا، وفى عام 2008 عينت أمل سليمان عفيفى أول مأذونة فى مصر والعالم الإسلامي، كما شغلت أربع سيدات من محافظات مختلفة لأول مرة منصب سكرتير عام مساعد للمحافظ ورئيس مدينة، وفى نوفمبر 2008 تم تعيين السيدة إيفا هابيل كيرلس عمدة لقرية كمبوها بحرى التابعة لمحافظة أسيوط، ود. هبة نصار نائبة لرئيس جامعة القاهرة، وشهد عام 2009 تعيين أول رئيسة لجامعة الإسكندرية وهى د. هند حنفي، كما أعلن مجلس الدولة موافقته على السماح للمرأة بالتقدم لشغل المناصب القضائية فيه.
أحداث ثورية
فى الثلاثين من يونيو 2013 خرجت نساء مصر من مختلف الأطياف والأعمار للمطالبة برحيل الإخوان، والخلاص منهم فاستعادت المرأة دورها بعد أن انزوت فى عهدهم وصدر دستور 2014 الذى أعطى اهتماما خاصا بالمرأة باعتبارها نصف المجتمع وأساس الأسرة، وخصص أكثر من 20 مادة متنوعة لرعاية المرأة وحماية حقوقها، إلى جانب استفادتها من باقى مواد الدستور باعتبارها مواطنا كاملا تلتزم الدولة تجاهه بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين رجالاً ونساءً. وقد أولى الرئيس عبد الفتاح السيسى المرأة بالرعاية والاهتمام فأصدر القرار الجمهورى رقم ١٩ لسنة ٢٠١٦ بإعادة تشكيل المجلس القومى للمرأة من ٣٠ شخصية، و أعلن 2017 عاماً للمرأة وفيه عينت فيه المهندسة نادية عبده محافظا للبحيرة. جدير بالذكر أن المرأة المصرية لا تزال فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تستكمل مسيرتها العملية، فقد حصلت على 15 % من مقاعد البرلمان الحالى وبلغ عدد النساء فى مجلس النواب 90 نائبة، منهن 76 منتخبة بالإضافة إلى 14 سيدة معينة، كما ظلت المرأة تشارك بكل إخلاص فى كافة المجالات العملية حتى وصل الأمر لاستشهاد البعض منهن مثل د. داليا محرز بعد إصابتها أثناء العمل بعدوى الإلتهاب السحائي، وسمر عز الدين، إحدى أفراد طاقم الطائرة المصرية التى سقطت فى البحر المتوسط عام 2016 أثناء العودة من فرنسا، وموخرا كان الحادث الإرهابى الذى راحت ضحيته العميد نجوى الحجار أول شهيدة بجهاز الشرطة المصرية، كما استشهدت كل من العريفتين أمينة رشدى وأسماء إبراهيم فى نفس الحادث.
***
بالأرقام المرأة على الطريق الصحيح
احتلت مصر وفقا للمؤشر الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى 2016 المركز 132 فى مؤشر الفجوة بين الجنسين من بين 144 دولة وذلك مقارنة بالمركز 136 عام 2015 واستطاعت تضييق الفجوة بين الذكور والإناث أهمها المساواة فى الرواتب وتواجد المرأة فى البرلمان والوظائف الفنية، وانخفاض معدلات الأمية النسائية، وقد أنهت مصر «تقريبا » الفجوة بين الذكور والإناث فى ما يخص معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائى والثانوي.
ويقدر عدد المشتغلين فى مصر وفقا لبحث القوى العاملة لعام 2015 بحوالى 24.8 مليون مشتغل، ويقدر عدد المشتغلين الذكور بحوالى 19.7 مليون مشتغل بنسبة 79.5 % مقابل 5.1 ملايين بنسبة 20.5 % من الإناث المشتغلات، وبلغ معدل البطالة بين الإناث 24.2 % مقابل %9.4 بين الذكور عام 2015 .
وتبلغ نسبة تمثيل المرأة فى النقابات المختلفة وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام 2015 ، 61 % فى نقابة المهن الاجتماعية، أما نسبة تمثيلها فى النقابات المهنية بشكل عام فبلغت 35.8 %، فيما بلغت نسبة الإناث العاملات فى قطاع الخدمات الصحية والدينية 57.1 %، مقابل 36.4 % فى قطاع التأمينات والشئون الاجتماعية و 31.5 % فى قطاع الاقتصاد، و 29.2 % فى قطاع الإعلام .