عهد للقضاة بالطواف في مساجد القاهرة والأقاليم أثناء حكم الفاطميين لمصر، وذلك لتفقد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل، حتى أن الرحالة «ناصر خسرو»، الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري وصف «الثريا» التي أهداها الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، أنها كانت تزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة، وكان يوقد به في ليالي المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض.
وما أن ينتهي شهر رمضان حتى تُعاد تلك الثريا والقناديل إلى مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد، كما أن الدولة في ذلك الوقت كانت تخصص مبلغا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر الصوم.
الحركة التجارية
وعن الأسواق التي كانت تنشط فيها الحركة التجارية خلال شهر رمضان، وقال إبراهيم عناني: إن سوق الشماعين بالنحاسين من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة منها عشرة أرطال فما دونها، وكان الأطفال يلتفون حول إحدى الشموع وبأيديهم الفوانيس يغنون ويتضاحكون ويمضون بموكبهم المنير في الحواري من بعد الإفطار حتى صلاة التراويح.
أما عن «سوق الحلاويين» الذي كانت تروق رؤيته في شهر رمضان، كان من أبهج الأسواق وأحسنها منظرا، حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسمي «العلاليق».
الياميش وقمر الدين
كان سوق «السمكرية» داخل باب زويلة «بوابة المتولي بالغورية»، يعج بتشكيلة كبيرة من أنواع الياميش وقمر الدين، إذ كانت وكالة «قوصون» بشارع باب النصر التي ترجع إلى القرن الثامن الهجري مقر تجار الشام ينزلون فيها ببضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخروب، ولما خربت الوكالة في القرن التاسع انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العمل بالجمالية، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز ونحوهما.
الكنافة والقطايف
كان يعرض أنواع الحلوى مثل: «القطايف والكنافة»، ويقال: إن الكنافة صنعت خصيصًا للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، كما قيل: «إنها صنعت للخليفة معاوية بن أبي سفيان»، وكانت الكنافة والقطايف موضع مساجلات بين الشعراء فجلال الدين السيوطي له رسالة عنوانها: «منهل اللطايف في الكنافة والقطايف».
مظاهر الاحتفال
لم تكن مظاهر الاحتفال وما يقدم على الموائد فحسب بل كان لها تقاليد رسمية، حيث كان الخليفة يخرج في مهرجان إعلان حلول شهر رمضان من «باب الذهب» أحد أبواب القصر الفاطمي، متحليا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسير في هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة والذين كانوا يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة.
توزيع الصدقات على الفقراء
كان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين «شارع المعز» المتواجد بالصاغة الآن، ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من «باب الفتوح» أحد أبواب سور القاهرة الشمالية، ثم يدخل من «باب النصر» عائدًا إلى «باب الذهب» بالقصر، وفي أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين، وحينما يعود الخليفة إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم في مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغير ملابسه ويرسل إلى كل أمير في دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى.
تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته، فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.
آصلاة الجمعة
جدير بالذكر أن الخليفة الفاطمي كان يصلي أيام الجمعة الثلاث، الثانية والثالثة والرابعة على الترتيب التالي الجمعة الثانية في جامع الحاكم، والثالثة في الجامع الأزهر، أما الرابعة التي تعرف بالجمعة اليتيمة فكان يؤديها في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط.
آخر جمعة من رمضان
كان يصرف من خزانة التوابل ماء الورد والعود برسم بخور الموكب والمسجد، وعقب صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يُذاع بلاغ رسمي عرف بـ«سجل البشارة»، وآخر ليلة من الشهر الكريم كان القراء والمنشدون يحيونها بالقصر الشرقي الكبير والخليفة يستمع من خلف ستار، وفي نهاية السهرة كان الخليفة ينثر على الحاضرين دنانير الذهب.