أعياد المصريين القدماء تنوعت وتعددت حتي إن المؤرخين اليونانيين وعلى رأسهم بلوتارخ يذكر أنه من كثرة أعياد المصريين لم يكن يفرق بين العيد والآخر سوى أيام معدودات فما أن ينتهي عيد في مدينة حتي يبدأ عيد آخر في مدينة أخري، وكان لأعياد المصريين أشكالها المختلفة منها الأعياد الدينية التي تتم في مناسبات دينية معينة كذكري انتصار حورس على عمه ست، وأعياد الآلهة والتي تتم في معبد كل إله وفقا لحدث معين سواء كان انتصار هذا الإله أو إنشاء معبده أو ذكري معجزة ارتبطت به، كذلك كان من أعياد الآلهة في مصر القديمة أعياد خاصة بتزاوج الآلهة ومن أشهر هذه الأعياد العيد السنوي الذي كان يخرج فيه كهنة الإله حورس الإدفوي نسبة إلى مدينة إدفو يحملون المركب المقدس للإله وبداخله مقصورته وتمثاله الذهبي يتلاقي ليركبوا النهر ويتجهوا شمالا إلى دندرة.
كذلك وفي مدينة طيبة عاصمة الإمبراطورية المصرية خلال العصر الحديث كان من أبهي الأعياد الدينية العيد الذي يسمي بـ عيد الوادي، وفيه كان آمون سيد آلهة مصر وسيد الكرنك يخرج في موكب مهيب ليتجه لزيارة الوادي الغربي فيمر على المعابد الجنائزية ومقابر الأشراف وكانت فرصة لخروج الناس جميعا وزيارة موتاهم وحرق البخور على أرواحهم وتقديم القرابين وكذلك إطعام المساكين تقربا إلى الإله، فما أقرب الأمس البعيد من اليوم وإن اختلفت العقائد؟! وإلى جانب الأعياد الدينية كان المصريون القدماء يحتفلون بعدد كبير من الأعياد التي ارتبطت بالزراعة، فمثلا احتفلوا بعيد الفيضان الذي ارتبط عندهم بيوم ظهور نجم الشعرة اليمنية في السماء واحمرار لون بشائر فيضان النيل فكان الناس يحتفلون بمقدم الفيضان ممنيين بفيضان كله خير على البلاد.
كذلك ارتبطت أعياد كثيرة عندهم بحصاد بعض المحاصيل وعلى رأسها الكتان والذي كان يصنع منه أفخر الثياب والمفروشات، كذلك كان موسم حصاد الكروم وعصره وصناعة النبيذ من أحب المناسبات للاحتفال بها، وإن كان الأمر يتم بين أولئك المرتبطين مباشرة بتلك الصناعة. بذكري انتصارهم الحاسم علي الهكسوس, وما تم في أعيادهم من توزيع للهدايا والنياشين عليهم من قبل الفرعون, وكذلك العطايا التي منحت لهم سواء من الأراضي الزراعية أو من الماشية وغيرها.
وخلال الأعياد كان المصريون القدماء يتزينون بأجمل الثياب وأكثرها زخرفا وجمالا ويقوم الأشراف وكبار الموظفين بتوجيه الدعاوي إلى أصحابهم ومعارفهم يدعونهم إلى الحضور إلى قصورهم, حيث يتم بسط الموائد ويعزف الموسيقيون أجمل الألحان علي آلات الناي والهارب ويغني المغنون أجمل معاني الحب والجمال ويمتلئ المكان بهجة وسرورا، خاصة بعد أن تبدأ الراقصات الجميلات رقصاتهن البديعة بين الضيوف.
هذه الاحتفالات لم تكن مقصورة فقط علي طبقات محددة من الشعب المصري القديم وإنما يحتفل بها الجميع علي مختلف طبقاتهم وكانت مناسبة لكي تعطي الهدايا واللعب للأطفال ليخرجوا للعب مع أقرانهم، ففي هذه المناسبات كان يتم إعفاؤهم من الذهاب إلي المعبد وتلقي الدرس فكانت بالطبع مناسبة سارة لهم يلهون ويلعبون بل ولم يكن محرما عليهم حضور مجالس الكبار لكي يشاهدوا ويستمتعوا بالعزف والغناء والرقص بين آبائهم هذا هو ما تصوره لنا المناظر المسجلة علي جدران مقابر المصريين القدماء والتي تؤكد أنهم لم يعيشوا فقط للعمل والإنتاج، لقد اختلفت المصادر وتنوعت عند المصري القديم والتي تعتبر وثائق توضح لنا احتفالات المصري القديم بالأعياد وتظهر في المعابد مثل معبد مدينة هابو وان النقوش والمناظر التي تزين جدرانه لها قيمتها الخاصة وايضا اللوحات والتماثيل والمقابر والبرديات.
ونستعرض اليوم واحد من اهم الاعياد في مصر القديمة عيد رأس السنة المصرية... النيروز أو عيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة..وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية (ني – يارؤو) الأنهار وذلك لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر.. ولما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني وأنطونيوس ) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية.. ولارتباط النيروز بالنيل أبدلوا الراء باللم فصارت نيلوس ومنها أشتق العرب لفظة النيل العربية. ولما كان الفلاح المصري القديم يتبع التقويم القبطي المعروف حاليًّا في زراعته، ولأهمية الزراعة عند القدماء المصريين اختاروا أول "توت" كبداية للسنة المصرية، لأنه يوافق اكتمال موسم فيضان النيل. وهو الموسم الذي يعم فيه الخير والبركة على الجميع وتزداد فيه خصوبة الأرض وتتضاعف المحاصيل. - عيد النيروز عند الأقباط "عيد الشهداء": مع عصر الإمبراطور دقلديانوس، وهو أقسى عصور الاضطهاد ضد المسيحية، احتفظ المصريين بمواقيت وشهور سنينهم التي يعتمد الفلاح عليها في الزراعة، مع تغيير عداد السنين وتصفيره لجعله السنة الأولي لحكم دقلديانوس "284 ميلادية " هي1 قبطية، أي سنة 4525 فرعونية، ومن هنا ارتبط النيروز بعيد الشهداء عند المسيحيين. وكان في تلك الأيام البعيدة يخرج المسيحيين في هذا التوقيت إلى الأماكن التي دفنوا فيها أجساد الشهداء مخبأة ليذكروهم، ويعتبر عيد النيروز أقدم عيد لأقدم أمة؛ حيث حارب فيه شهداء الظلم وضحوا بأنفسهم لأجل دينهم.
- عيد النيروز في عصر المماليك: ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية في العصور الوسطى، والذي كان واحدًا من الاحتفالات الكبرى التي يحتفل بها المصريون جميعًا مسلمون ومسيحيون.
كما كانت الدولة في العصر الفاطمي تحتفل على المستوى الرسمي بعيد النيروز، بتوزيع العطايا والهدايا، إلى جانب الاحتفالات الشعبية، وكانت عبارة عن كرنفال شعبي يخرج فيه الناس للمتنزهات العامة ويرشون بعضهم بالماء، ويختارون من بينهم شخصًا ينصبونه أميرًا للنيروز يسير بموكبه في الشوارع والحارات ويفرض على الناس الرسوم.
على الجانب الثاني، يلتبس البعض بين عيد النيروز عند المسيحيين والإيرانيين، لكن النوروز أو النيروز الإيراني، هو عيد رأس السنة الفارسية، أي أول يوم في السنة الشمسية، ويصادف يوم الاعتدال الربيعي لديهم، ويشبه من ناحيتنا عيد "شم النسيم".
وتعني "النيروز" عند هؤلاء "اليوم الجديد"، فكلمة "نو" تعني يوم و"روز" بمعنى الجديد، ويتم الاحتفال مدة 13 يومًا، ولا يحتفل الإيرانيين وحدهم بالعيد بل شعوب آسيا الوسطى والصغرى والغربية وجنوب القوقاز.
ويرجع أصل الاحتفال الإيراني، إلى الديانة الإيرانية القديمة، المجوسية أو الزرادشتية، ثم تصبغ "النيروز" بالمذهب الشيعي الإسلامي، ولا يزال باقية هناك تمثل إرث ثقافي، وكان زمن الاحتفال بالعيد يعود إلى ألفي عام مضى.