حين ترى اثنين من أعدائك يقتتلان لا شك ستبتهج، لكن سرعان ما ستحزن حين يدفع ثمن هذا العراك أهالي لك شاءت الأقدار أن يكونوا رهائن تحت وطأة سماسرة سياسة، هذا هو بالضبط ما يجري بين إسرائيل وحماس في حرب التجديد وليس التحرير، وأقصد "السعي لاستعادة ثقة الناخبين، فالطرفان يعانيان انتهاء الصلاحية السياسية والشعبية.
وحين يستطنع متحذلق؛ أي يطلب التنطع، فيقول: يا رجل هل تساوي بين حماس وإسرائيل؟.. أقول له: لم أفعل بل هم من فعلوا، وتذكر معي تلك الحشود المدججة بالسلاح التي دفعت إلى الحدود للانتقام من المصريين بعد إزاحتهم مرسي العياط.. هل ينسى مصري تلك الأنفاق التي كانت تستنزف قوت الغلابة في مصر وتتربح منه؟.. هل ينسى المصريون اختطاف حماس ضباطا مصريين؟..هل ينسى المصريون اقتحامهم السجون وتعميق جراح مصر في لحظة فوضى؟.. بالطبع لم ننس ولن ننسى، أما أهلنا في فلسطين فلم تكف مصر يوما يد المساعدة لهم وإلى اللحظة، فهذا واجب تفرضه الأخوة وتفرضه الإنسانية.
على أي حال ليس هدف هذا المقال توضيح عداء حماس وإعلانها الولاء لحركة الإخوان، فلم يعد هذا خافيا على أحد، بل ما دفعني للكتابة هم هؤلاء الذين يحتفلون بتحرير الأقصى إلكترونيا عبر صفحات الإنترنت في وصلة تلميع لحركة حماس، والهدف بالطبع صنع تعاطف وهمي مع الحركة ليكون الختام العبارة التالية "أنت عارف إن حماس دي إخوان أصلا.. بذمتك دول إرهابيين زي ما السيساوية بيقولوا.. دول حرروا القدس".
وحين تعود من أرض الأحلام على الشبكة العنقودية إلى أرض الواقع تجد أن "مشعل" و"هنية" على "البسين" في الشيراتون، وأن القدس مازالت محتلة وأنهما غير قادرين على حماية نفسيهما لا حماية مقدسات أمة!
إنها حكاية اختلاق هالة مقدسة توفر لهؤلاء "الضلالية" والسماسرة الذين يناضلون من شيراتون الدوحة قدرة على البقاء في السلطة وتعظم قدرتهم على جمع الأموال أما الواقع الحقيقي فيقول إنه حتى كتابة هذه السطور لدينا ما يقترب من المائتي شهيد وقرابة الألفي مصاب ولم يتحرر سنتيميتر واحد من القدس.
يتخيل البعض الآن أنني محبط أو متشائم ولست سعيدا بمشاهد الفزغ التي انتابت المحتلين لكن أدعوهم إلى الرجوع إلى مطلع المقال، حيث نفيت ذلك لكن حين أرى بعض من حولي يظنون أن معركة لتحرير الأقصى تدور الآن وأن النصر على الأبواب، فهذا نوع من الدجل والتضليل فما يجري من معارك "التنشين الصاروخي" على أرض فلسطين اليوم أبعد ما يكون عن معركة تزيح طرفا أو تنهي وجوده بل هي حرب مقذوفات عبر شاشات مضيئة.
يجب أن نؤّمن قلوبنا من أي خديعة او سعي وراء سراب ولنتذكر أن حماس ما وجدت إلا لتسويف القضية الفلسطينية وتوفير غطاء دولي لتتهرب إسرائيل من الاستحقاقات الأممية بإظهار الفلسطينيين كمجموعة من الإرهابيين يستحيل التفاوض معهم وقد تحقق لإسرائيل ما أرادت وإن كنت لا ترى ذلك فاذكر لي موقفا دوليا واحدا يساند الفلسطينيين أو يتحدث عنهم لقد بات الحديث إما عن تهدئة أو حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها هل سمعتم من أحد يدعو لإزالة الاحتلال ورد الحقوق وعودة اللاجئين ..هل سمعتم.
إن رؤية مصر التي طرحها الشهيد الراحل أنور السادات في مينا هاوس هي خارطة طريق وضعت بإحكام ولكن ضيعها أيضا قصر نظر أصحاب القرار الفلسطيني آنذاك .
إن المشهد العبثي بين إسرائيل وحماس اليوم لابد سينتهي إلى مسار عاقل يدرك فيه العالم أحقية الفلسطينيين في أرضهم وأن وجود سلام قائم على قدرة المحتل على قهر أصحاب الأرض محكوم عليه بالفشل وأن السلام الدائم هو القائم على العدل.. ومن هنا أرى أن نهاية المشهد ستكون برحيل صانعيه وانتهاء صلاحيتهم فلا نتانياهو حقق الأمن لإسرائيل ولا حررت حماس القدس وإلى حين هذه اللحظة لا نملك إلا الترحم على الشهداء من أبناء فلسطين وأن نلعن سماسرة شيراتون الدوحة وكفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول.. فمن يدفع بعُزّل أمام آلة حربية فاجرة لا قدرة له على ردعها فقد خان.