نصت المادة 199 من الدستور على أن "الأعضاء الفنيون بالشهر العقارى مستقلون فى أداء عملهم، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم، على النحو الذى ينظمه القانون"، وأن الاستقلال الفنى فى عملهم لا يكون استقلالا حقيقيا إلا إذا اطمأن العضو بذلك عمليًا وإذا تبعه استقلال مالى وإدارى.
فلا يمكن أن نقول أن أعضاء الشهر العقاري والتوثيق مستقلون فى عملهم الفنى وهم يتبعون مالياً وإدارياً وزارة العدل ممثله في إدارة الشهر العقاري والتوثيق، ولها ولأعضاء المكتب الفني اليد العليا في كل شيء وتصدر قرارات وتعليمات دون أدني مشروعية قانونية لا تتسق مع الاستقلال الحقيقي الذي قصده المشرع، تارة يتم نقل رئيس مكتب توثيق بسبب صديق أو قاضي زميل أو رتبة ما تأخر في إجراء توكيل، كما حدث مرارًا وتكرارًا في مكاتب عديدة، آخرها أكبر مكتب مميكن مأمورية مصر الجديدة تم إعادة تشكيل قوة المكتب ورئيسه أربع مرات خلال شهور، بناءً على تعليمات من مساعد وزير العدل إرضاءً لشكاوى شخصيات عامة، ولم تكن الحالة الأولى ولا الأخيرة، فقد سبق من قبل نقل مكتب بالكامل لمحافظات مختلفة ومكاتب بالقاهرة لرفض عضو ورئيس مأمورية فرع توثيق النادى الأهلى بعدم توثيق توكيل لقاضٍ في عدم وجود زوجته الموكلة، وبتيلفون لمساعد وزير العدل آنذاك تم التنكيل بهم ونقلهم.
وهناك حالات عديدة ومواقف كثيرة ومتعددة ومختلفة تصل لتدخل في شهر وتسجيل الملكية بالمخالفة للقانون والدستور وتجاهل كامل إلى اللوائح والقوانين المنظمة لعمل الشهر العقاري والتوثيق الذي يمثل حجر الزاوية في الاقتصاد المصري، خاصة في مجال الائتمان العقاري، بالإضافة إلى دلالة الملكية العقارية التي تؤكد على استقرار النظام الاجتماعي في مصر، باعتبارها وظيفة اجتماعية، وعنصرًا من عناصر الثروة القومية، والتي تسهم في دوران عجلة الاقتصاد في مصر.
ولذا حث المشرع أن تتوافر لها الحماية القانونية عن طريق منع اغتصابها، وعدم المساس بها، لكونها القلعة الحصينة لحماية الملكية العقارية، وملاذ المواطنين لحماية وصون ممتلكاتهم وتتبع وزارة العدل، ولما كانت لهذه التبعية المساس باستقرار العمل المنوط بها وخاصة أنها الجهة القانونية الوحيدة التي أناط بها المشرع لتكون الأمينة على إتمام عملية الشهر والتوثيق، فهي صاحبة الولاية العامة لحماية وحفظ الملكية وشهرها وتوثيقها وكافة التصرفات التي ترد عليها للأفراد مصريين كانوا أو أجانب، وكذلك الأشخاص الاعتبارية وتأتى على رأسها الدولة، مما حدا بالمشرع إلزامية تسجيل الأحكام النهائية لمن صدرت لهم تلك الأحكام على أن تكون حجة على الكافة، لطبيعة عملها القضائي، منذ أن عرفت مصر النظام العقاري، حيث نصت الفقرة الأولى من البند العاشر من اللائحة السعيدية الصادرة في 5/8/1858 بأن (كتابة حجج الأطيان في تلك اللائحة لقضاة المحاكم) أخذ المشرع الدستوري بإضفاء الصفة القضائية عليها وجعلها أحد فروع السلطة القضائية، مثلهم مثل نظرائهم في الهيئات القضائية، وفي الدول الأخرى مثل دولة تونس والتي يقوم على تسجيل الملكيات بها المحاكم العقارية.
وإذا رجعنا لمشاريع القوانين المقدمة في عهود سابقة وحاليا أيضًا جاءت من ضمن نصوص هذه المشاريع القوانين في المادة الأولى بإلغاء التبعية لوزارة العدل، وكما نصت المادة (1) من القانون رقم 5 لسنة 1964 المنظم لعمل المصلحة على تبعية المصلحة لوزارة العدل مثلها مثل باقي الجهات والهيئات القضائية الأخرى، والتي ألغيت تبعيتها أيضا بالدستور لوزارة العدل ومن أهمها النيابة العامة فكانت وفقا للمواد 125،26 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 تتبع السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل، حيث نصت المادة (26) على أن رجال النيابة العامة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم ثم لوزير العدل، والمادة 125 تنص على أن أعضاء النيابة يتبعون رؤسائهم والنائب العام، وهم جميعًا يتبعون وزير العدل، وللوزير حق الرقابة والإشراف على النيابة وأعضائها.
وإذا كانت الدولة تعبر عن إرادة الشعب صاحب السيادة، وتتكون هذه الإرادة من ثلاثة عناصر يعبر عنها بسلطات الدولة التشريعية، والتنفيذية والقضائية، وتتعاون كل من هذه السلطات مع الأخرى في التعبير عن سيادة الشعب، ووفقا لمبدأ الفصل بين السلطات يمارس الأفراد والأجهزة القائمة عليها اختصاصاتهم تعبيرًا عن هذه السيادة في ظل الدولة القانونية، وتعد السلطة القضائية الضمان الفعال لسيادة القانون وذلك باستقلالها وحيادها، فهي أكثر قدرة من غيرها في التعبير عن الإرادة الحقيقية للقانون.
ولذلك قضت المحكمة العليا إن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع، وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات، ومن ثم فلا يجوز عن طريق التشريع إهدار ولاية تلك السلطة كليًا أو جزئيًا ولذلك كان لزامًا على القائمين على المشروع ملاحظة المبادئ الدستورية المستقرة في معظم دساتير العالم .
ولذلك يتحد المركز القانوني للعضو الفني بالشهر العقاري والتوثيق بنظرائه من الأعضاء الفنيين بالهيئات القضائية في العديد من الاختصاصات التي كفلها الدستور والقانون، مثل: اشتراط الحصول على ليسانس الحقوق أو الشريعة والقانون كمؤهل للتعيين، كما في الهيئات القضائية حيث أنه مناط العمل الفني فيها جميعا، اشتراط حلف اليمين قبل مباشرة العمل الفني، اشتراط عدم مباشرة العضو الفني لأي إجراء يخصه شخصيًا أو يخص أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة بذات الوضع القانوني للقضاة، وفقا لنص المادة146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13لسنة 1968، مشاركته في اللجان القضائية كعضو أساسى في لجان السجل العيني (المادة 21 من قانون السجل العيني رقم 142 لسنة 1964 ) ولجان التصالح في الرسوم (المادة 34مكرر/1 ) من القانون رقم 6لسنة 1991بتعديل أحكام القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر، تطابق النصوص الخاصة بإدارة التفتيش الفني على عمل الأعضاء الفنيين بالشهر العقاري مع إدارات التفتيش لنظرائهم بالهيئات القضائية الأخرى مع اتحاد نفس درجات الكفاية والمعيار، كما تمنح الضبطية القضائية للعضو الفني مثله مثل باقي الأعضاء الفنيين بالهيئات القضائية الأخرى بقرار وزير العدل رقم 9168لسنة 2012والمادة 35من القانون رقم 70 لسنة 1964، تطابق المركز القانوني لمن يقومون بالأعمال أمامهم بمن يمثل أمام قضاة المحاكم بنص المادة الأولى من القانون رقم 24 لسنة 1968 الخاص بتنظيم أعمال الوكالة أمام مصلحة الشهر العقاري هي نفسها المادة 132 من قانون السلطة القضائية رقم 46لسنة 1972 والتي حددت من له الحضور أمام كليهما بأنهم المحامين أو أقارب ذوى الشأن حتى الدرجة الثالثة، مما يثبت أنهم قضاة الملكية بحق كما أطلق عليهم مجلس الدولة في كثير من أحكامه.
ومن حيث طبيعة العمل الفني فيقوم العضو الفني بإنزال أحكام القانون على ما يعرض عليه من وقائع والتثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم، وتوافر السلطة والصفة وهو نفس عمل القاضي .
ولم يكن قصد المشرع الدستوري والقانوني من هذا الاستقلال شكليا، وإنما لابد أن يكون عمليا لحماية حقوق المواطن بالحفاظ علي حمادة العدالة الوقائية ممثلة في الشهر العقاري والتوثيق، وإذا لم يتمكن من أداء عمله باستقلالية تحول الاستقلال إلى استغلال مما أدى لضياع غاية المشرع وضياع الحقوق.