عاش سمير غانم حياته كلها للضحك لا يعرف سبيلًا غيره يحمل على عاتقه مسؤولية إضحاكك وكأنه هدفه الأول والأخير، ما من جملة ينطقها لسانه إلا وتجد إيفهاته حاضرة يجيد انتزاع الضحكات لدرجة تجعلك تضع يدك على قلبك من فرط الضحك.
الكوميديا في قاموس سمير غانم لا تعرف هدفا أو رسالة كل ما يعنيه هو الضحك ولا سواه، وتتسم كوميديا "غانم" بالخفة، حتى إيفهاته تخرج منه سلسة لا تحتاج إلي مجهود هو قادر بحركة واحدة أن يجعلك تضحك، أو حتى دون كلام يدخل المسرح بمزمار طويل يستخدمه أيضا ليخرج منه الدخان في "المتزوجون" فتضج القاعة بالضحك الذي يتضاعف عندما يقول "الليلة عيد والعريس بيتجوز وما دام العريس بيتجوز يبقى العروسة هتتجوز" معلومة لا تسمعها سوى من سمير غانم.
كان يجيد تحريك بوصلة الضحك كيفما يشاء، يعرف متى يلقي الإفيه ولا يحتاج أن "يفرش" له يستطيع أن يقف لمدة ربع ساعة متواصلة يحكي موقفا على خشبة المسرح دون توقف بمفرده وهو ما يؤهله للحصول على براءة اختراع فن "الستاند أب كوميدي"، في "بوست" كتبه المخرج عمرو سلامة على "فيسبوك" ذكر عشرة أشياء تجعلك تحب سمير غانم من بينها أنه أول فنان مصري يقوم بعمل "ستاند أب كوميدي" حيث وقف لمدة عشر دقائق كاملة يتكلم فيها بمفرده في مسرحية "أهلًا يا دكتور" عن رحلته لفرنسا.
25 مسرحية هي حصيلة ما قدمه على المسرح بخلاف مسرحية "جحا يحكم المدينة" للسيناريست وحيد حامد والتي كانت أول وآخر عهده مع المسرح السياسي، دونها لا تجد سوى ضحك يضج بالقاعة يسمعه المارة في الشارع من أمام مسرحه دون مبالغة في الوصف.
لن تجد "إفيه" مكرر عنده فهو ملك الارتجال والسهل الممتنع، ويبدع لكي يمعن في إضحاكك دون إسفاف أو جملة تجعلك تخجل أمام أسرتك وأنت تشاهده كانت كوميديا سمير غانم نظيفة لا تشوبها شائبة، عندما تنكر في دور امرأة ترتدي ملابس غريبة تبرز أنوثتها المبالغ فيها في مسرحية"أخويا هايص وأنا لايص" لم يستغل الدور ويصدر منه "إفيه" يحمل في طياته بعدا جنسيًا أو إسفاف، بل الأغرب من ملابسه أنه يتنكر في دور امرأة بـ "شنب" لا منطق عند سمير في الضحك أو ما أطلقه عليه جيل الألفية "الهلس" وليس فيه تقليلا من فنه ولكنه وصف للضحك الذي بلا هدف أو غاية.
كان سمير غانم يغرد خارج سرب جيله متفردا لا يشبه أحدا منهم ولا يشبهونه، ربما كثيرا ما نسمع بعد شهرة أحدهم أنه نادما على تقديمه أفلاما قدمها من أجل المال بل لا يجد غضاضة في التبرأ منها إذا أحيانا، ماعدا "غانم" قدم عدد لا بأس به من أفلام المقاولات وتجده لا يخجل أبدا مما قدمه ويتحدث عنه بسخرية، في حوار له مع إسعاد يونس قال عن أفلام المقاولات "إحنا كنا بنعمل فيلم في اسبوع" فردت عليه إسعاد "كنا بنعمله في اسبوعين تلاتة" ليرد بخفة ظله وتلقائيته "ده الفيلم اللي كنا عايزين ناخد بيه جوايز" كان الضحك هدفه المنشود وأتخذ منه سبيلا ليقتحم به قلوب الناس.
ما من حوار له أو ظهور في البرامج إلا وتجده يحكي مواقف مرتجلا كعادته وربما تكتشف فيما بعد أنه من اختراعه أو حدث بالفعل ولكن وضع عليه "رشة" من خفة ظله وتلقائيته لينتزع الضحكة من أوصال قلبك.
في أعتى المواقف تراجيديا وأشدها تأثرا لا يعرف أبدا أن يكون جديا، أينما حل تجده ينشر البهجة، وكأنه يوزعها على الناس "دليفري"، في تكريمه الأول من مهرجان القاهرة السينمائي في دورته 39 وقبل حصوله على جائزة فاتن حمامة التقديرية يصعد على المسرح يتوسط ابنتيه "دنيا وإيمي" تجده يخاطب الفنانين قائلا " يالهوي" بصوت "فطوطة"، وبينما يحكي قصة عن الممثل الأمريكي الذي نال جائزة الأوسكار بعد 80 عاما، للدرجة التي جعلته يمسك بجائزته وهو يقول "80 سنة وأنا مستنيكي بس وصقفوله ونزل.. أنا مش هقول 80 سنة هقولها 5 سنين وأنا ومستنيكي".
بينما يمسك بجائزته ويقوم بحركاته المضحكة كانت دلال عبد العزيز تضحك وفي نفس الوقت تمسح دموعها لأنه وضعها بين مطرقة "خفة دمه" وسندان "الفرح" بتكريم شريك العمر والفن الذي لا يترك مناسبة حتى ينشر بها الضحك الذي يتقنه.
في قانون الضحك الذي أرثى قواعده "غانم" لا جدية ولا حسابات لا في الحقيقة أو في أفلامه لا تنتظر منه حكمة أو موعظة بل أنتظر الضحك فقط، تجده يذهب لخطبة "صفاء" إسعاد يونس سليلة الحسب والنسب بنت "الحاج أسيوطي" في "يا رب ولد" وهو يبرر لـ فريد شوقي عدم حضور أحد من عائلته معه ويستعطفه بجملة "تعيش إنت يا حج" لن تجد أحدا يذهب لخبطة فتاة وعندما يسأله والدها عن عنوان سكنه فيرد " أنا يافندم مفيش حتة معينة بسكن فيها أنا زي ما تقول سعادتك كده زي الطير ما تعود عشه يقوم تلاقيني في عشه ويوم في الطير" إلا سمير غانم الذي لا يعرف أن يتكلم "جدّ" حتى في خطوبته.
نحب سمير غانم و"تهريجه" وكوميديا "الفارص" منه وارتجاله، نحب صوته في "فطوطة" ونضحك على بدلته خضراء اللون وحذائه الأصفر، نعشقه تفاصيله ونردد إفيهاته، نحب من علمنا أن الضحك بدون سبب فن، هو "سمورة" الذي له "دين" عبارة عن ضحكة عند كل واحدا فينا ورده هو الدعوات الخالصة له بالرحمة، سمير غانم كما قالت صديقة لي بنبرة حزينة "سمير هو واحد من العيلة تحس أنه أخوك أو والدك هو حتة منك" كان سمير غانم"شايل في قلبه طفل علطول بيضحك"، وكلما وجدت أحدهم يضحك من قلبه فتأكد أن سمير غانم مر من هنا.