الأحد 5 مايو 2024

مصر وبناء السلام الغائب

مقالات21-5-2021 | 23:08

مما لا شك فيه تنتصر الدبلوماسية المصرية وتنجح في وقف قصف غزة، حيث تم قبول الاقتراح المصري بوقف إطلاق النار من فجر اليوم الجمعة ودخوله حيز التنفيذ، وقد ذكر البيت الأبيض في بيان أن الرئيسين بايدن ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي بحثا في اتصال هاتفي الجهود لتحقيق وقف إطلاق نار يضع نهاية للقتال في إسرائيل وغزة.

فمنذ أن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه، أصبحت القضية الفلسطينية قضية مركزية في مصر، وتبذل مصر المزيد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وضخ دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن المواجهات العسكرية الظالمة من الكيان الصهيوني على مدنيين غير مذنبين.


 وتقدم مصر الجهود الإنسانية لمصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى الفلسطينيين وإمداد المساعدات الغذائية والأدوية للشعب الفلسطيني وعلاج مصابي القصف في المستشفيات المصرية.

فمصر دائما رائدة، وقد أعلن الرئيس السيسي في مايو 2016 على أربعة محاور أساسية لاستراتيجية مصر تجاه حل القضية الفلسطينية وهي:


المحور الأول: هو أن مصر ستواصل جهودها الحثيثة لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أما المحور الثاني وهو الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة تدعم استقرار المنطقة وتساهم في تخفيف الاضطرابات في الشرق الأوسط، والمحور الثالث هو ضرورة الحفاظ على الثوابت العربية للقضية الفلسطينية، والمحور الرابع هو دعم الفلسطينيين في خطواتهم المقبلة سواء بالمشاركة في تنفيذ المبادرة الفرنسية أو بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.

وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، وقال على هامش مباحثاته في العاصمة الفرنسية "إننا سنبذل كافة الجهود لحل الأزمة وأن الأمل موجود في التحرك الجماعي لإنهاء الصراع وكانت مصر قد أعلنت دعمها لقطاع غزة واستعدادها لعلاج مصابي الاعتداءات الإسرائيلية وإرسال 65 طناً من الأدوية والمستلزمات الطبية، أكدت وزيرة الصحة المصرية تجهيز 11 مستشفى بمحافظات شمال سيناء والإسماعيلية والقاهرة، ودعم شمال سيناء بـ37 فريقا طبيا في مختلف التخصصات الطبية لعلاج مصابي الاعتداء الإسرائيلي، وفتحت السلطات المصرية معبر رفح البري الأحد، حيث بدأ توافد المسافرين والطلاب والراغبين في العلاج.

كما أعلن صندوق تحيا مصر التابع للرئاسة المصرية عن إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، توجيهات لتخصيص الحساب رقم 037037 إعادة إعمار غزة وذلك في كل البنوك، أن هذا الحساب يهدف لتلقي المساهمات من داخل وخارج مصر لإعادة إعمار غزة وتلبيةً للاحتياجات المعيشية والدوائية للأشقاء الفلسطينيين، حيث يختلف هذا الحساب عن مبادرة الـ500 مليون دولار لإعمار غزة، وايضا يستعد صندوق تحيا مصر لإطلاق قافلة مساعدات إنسانية للقطاع، تتضمن أكثر من 100 حاوية ستصل لقطاع غزة تحت شعار نتشارك من أجل الإنسانية.

وقد أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن المتهم داخل أوساطه بالافتقار إلى الحزم حيال إسرائيل، عن تأييده لوقف إطلاق نار خلال مكالمة هاتفية جديدة أجراها الإثنين الماضي مع رئيس الوزرا قوات الاحتلال  بنيامين نتانياهو، ففي رام الله بالضفّة الغربيّة المحتلّة، حضّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس المبعوث الأمريكي هادي عمرو لدى استقباله، على ضرورة تدخّل الإدارة الأميركيّة لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي

وقد دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي عن النهج الدبلوماسي "المتكتم" إنما "المكثف" الذي تتبعه واشنطن حيال هذا الملف، وسط هذه التطوّرات، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الإثنين أنّه بحث ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في تفاصيل وساطة ترمي للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيّين، وأنّهما يسعيان للحصول على دعم الأردن لهذه المبادرة، كما باشرت الأمم المتحدة بمساعدة قطر ومصر مبادرة ترمي إلى احتواء التصعيد، وتبحث بروكسل أيضا المواجهات الجارية، وهى الأعنف منذ صيف 2014، خلال اجتماع طارئ يعقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء عبر الفيديو.

ونرى اليوم أن ما يحدث في الشيخ جراح هو تراكم لحملة استمرت لسنوات من قبل المستوطنين الإسرائيليين لمحاولة طرد الفلسطينيين من القدس بشكل عام، ولكن أيضًا لأن الشيخ جراح له أهمية من حيث عمره وأهميته بالنسبة لمدينة القدس، ونحن بحاجة إلى وضع هذا في سياق أكبر أن ما يحدث في الشيخ جراح لا يتعارض مع الاستيلاء العام على القدس، فالأمم المتحدة مؤخرا دعت اسرائيل الى وقف على الفور كل عمليات الإخلاء القسري، واعتبرت أن عمليات الإخلاء تنتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، لا تزال القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية، والذي ينطبق القانون الدولي الإنساني.
 
وترغب واشنطن اليوم في الاستعانة بمصر كوسيط سلام، فقد تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي مساء الخميس 20 مايو 2021، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإن الاتصال تناول التباحث وتبادل الرؤى من أجل وقف العنف والتصعيد في الأراضي الفلسطينية في ظل التطورات الأخيرة كما أجرى وزير الخارجية أنطوني بلينكن اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية المصري سامح شكري لمناقشة تطور الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين في 16 مايو 2021 للتوسط في وقف العنف بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، وقد قدمت القاهرة بالفعل مقترحات لوقف إطلاق النار لكلا الجانبين وأرسلت وفودًا أمنية إلى القدس وقطاع غزة، ونجد أن الاحتدام الحالي وفر فرصة أوسع للمسؤولين المصريين لتنشيط دورهم الإقليمي بدعم أمريكي، وكان لموجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل تأثير هامشي مماثل على عملية السلام، فقادة الخليج يتجنبون النموذج المصري للسلام البارد بدون تطبيع مع إسرائيل واختاروا قادة الخليج التطبيع مع الكيان الصهيوني.
 
وحيث إن دعم فلسطين والعداء تجاه إسرائيل متأصلان بعمق في الثقافة السياسية المصرية والوعي القومي، هي قضية تتجاوز السياسات الحزبية وتحظى بإجماع وطني واسع عبر جميع الخطوط الأيديولوجية ، فالقضية الفلسطينية هي مسألة هوية بقدر ما هي مسألة سياسة ، بالإضافة إلى التعاطف مع محنة الفلسطينيين ، فإن العداء تجاه إسرائيل يغذيها تضحيات مصر السابقة بالدم والأموال، أدت أربع حروب مع إسرائيل إلى مقتل عشرات الآلاف من المصريين وتدمير مليارات الدولارات، حتى بعد خمسة عقود من السلام الرسمي، لا يزال معظم المصريين ينظرون إلى إسرائيل على أنها تهديد للأمن القومي وأنهم العدو الأول، ليس فقط للفلسطينيين ولكن لجميع العرب والمسلمين مادمت هناك اصرار علي التوسع الاستعماري واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلت عام 1967.

من خلال استعراض دور مصر حكومةً وشعباً في القضية الفلسطينية لأكثر من نصف قرن، وارتباط مصر بالقضية الفلسطينية، هى علاقة دائمة تمليها اعتبارات الأمن القومي المصري وعلاقات الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية، مع الفلسطينيين، لذا فإن الموقف المصري من القضية الفلسطينية في أي مرحلة لم يكن خاضعًا للمصالح ولم يكن يومًا ورقة مساومات إقليمية أو دولية، لذلك ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية لم يتأثر بتغيير الأنظمة والسياسات المصرية. قبل ثورة 23 يونيو 1952، وما كان يحدث في فلسطين تهم الحركة الوطنية المصرية من قبل أربعينيات القرن الماضي وحرب فلسطين 1948 حيث تحملت مصر عبئاً عسكرياً ثقيلاً بسبب حرص مصر حكومة وشعباً على حماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي على مدى العقود الستة الماضية، قدمت مصر أكثر من 100 ألف شهيد و250 ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل من أجل فلسطين.

كانت الحكومات الخليجية عاطفية تجاه الاستعمار الصهيوني بشكل مفهوم بشأن العنف الحالي علي الشعب الفلسطيني وأصبح موقفهم العلني من هذه المسألة أقل موضوعية فبمجرد أن بدأت حماس الدفاع عن القدس والمصلين الصائمين حيث قامت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، أصدر أنور قرقاش ، مستشار الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد ، تغريدة أدان فيها المسلحين "لاستغلالهم معاناة الشعب الفلسطيني لحسابات ضيقة لا تستحق"، في حين انتقدت شخصيات دينية بارزة مثل وسيم يوسف حماس لاستخدامها المدنيين، كدروع بشرية.

وفي وسائل الإعلام خليجية، تم كتابة مقالات للدفاع عن قادة الخليج ضد اتهامات بالتخلي عن القضية الفلسطينية، وقد أعطت بعض المنافذ علي شاشات الجزيرة وغيرها للمسؤولين الإسرائيليين منبرًا للدفاع عن موقف بلادهم، على سبيل المثال، أفيشاي أدرعي.

وتعد مصر شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في أي محاولة لتهدئة التوترات الإسرائيلية الفلسطينية - وحقيقة أنها تقع على حدود غزة ، وتسيطر على معبر رفح ، وتقيم علاقات طويلة الأمد مع الفصائل الفلسطينية المختلفة ، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا لتنظيم وقف إطلاق النار


  فإذا أرادت الولايات المتحدة لعب دور بناء كوسيط في محادثات السلام الإقليمية ينبغي عليها أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وتعمل علي منع انتهاكات حقوق الإنسان وقتل الأطفال في غزة، لا يؤدي الاتجاه العدواني للشعب الفلسطيني الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية إلا إلى صب الزيت على النار بين الجماهير الاسلامية والعربية على نطاق أوسع وتهديد المصالح الأمريكية في العالم بأسره بدلاً من ذلك، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني موقف أكثر توازناً ، بحيث لا تغض الطرف عن الأعمال الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال والنساء بإعداد كبيرة وباسلحة أميريكية

إذا استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في مسارها الحالي، فستظهر الآثار السلبية في عواصم الخليج التي ستواجه ضغوطًا أكبر لتغيير نبرتها حيث انتقدت دول الخليج التي توصلت مؤخرًا إلى اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل سلوك حماس المتهور - على سبيل المثال، أصدرت الإمارات بيانًا لم يكن مرضيا للفلسطينيين، وذلك حدادًا على الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين، ودعا إلى وقف التصعيد والتعايش.

ومع ذلك ، قد تشعر هذه الحكومات قريبًا بأنها مضطرة إلى تبني مواقف أكثر عدوانية وغير مفيدة تزيد من الضغط الدولي على إسرائيل وتقوض المصالح الأمريكية في المنطقة، يجب على المسؤولين الأمريكيين أيضًا أن يلاحظوا أن اللغة البغيضة تجاه الفلسطينيين تخدم فقط إيران ومعسكرها المزعزع للاستقرار والمناهض لدور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.