بقلم – عادل سعد
“قال المغفل للمغفول : “إزاى نكون إحنا من الطين ونستحمى ولا ندوبشى ؟
ف البحر أما كلام مجانين”
سوح بقى سيدنا المغفول وكان معاه ف الرد حريص قال له : “صحيح إحنا من الطين بس إحنا من طين البلاليص”
عم جلال علما شاعرنا الفقير، فى أسيوط، وصف بدقة علاقة المصريين بحكامهم.
خلال قرنين، حكم مصر أربعة عشر حاكما، مات معظمهم بالاغتيالات،
عشرة من هؤلاء من الأسرة العلوية، وأربعة من الأسرة العسكرية.
وكلهم بلا استثناء اشتركوا فى أمر واحد، أن يمنعوا الشعب من اختيار الحاكم.
محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، عاش فى أواخر أيام حكمه مجنونا لأربع سنوات، ليموت منبوذا، بلا جنازة رسمية، وبدون طلقة مدفعية واحدة. بناءعلى أوامر حفيده عباس حلمى.
حكم محمد على باشا مصر من ١٨٠٥م ، وصل لمصر شابا فى الثلاثين، لا يعرف العربية، وقفز على أكتاف ثورة الشعب، ونفى عمر مكرم وعزل الشرقاوى وقتل الخضرى والمعارضين .
تولى ابنه إبراهيم الفاتح العظيم ولاية مصر فى أغسطس ١٨٤٨م، لكنه تقيأ دما، ومات بالسل، وأبوه فى القصر يتخبط فى الجدران، إلى أن مات محمد على بلا مجد فى ١٨٤٩م.
الخديو عباس الحاكم الثالث، جرى اغتياله بتدبير بنت محمد على على يد أحد عبيده، وسط حكايات عن شذوذه مع غلمان القصر.
ومات سعيد الحاكم الرابع أصغر أبناء محمد على – وأول من سمح للمصريين بفرص الترقى فى الجيش – ميتة طبيعية بالدمامل والقروح، ليخلفه الخديو إسماعيل، ابن إبراهيم باشا، ليموت منفيا ومطرودا فى الخارج، ويخلفه ابنه توفيق الذى مات بنزلة برد مشيعا باللعنات بعد أن وافق على احتلال مصر.
عباس حلمى الثانى ابن توفيق، حكم مصر ٢٢ عاما، وعزله الإنجليز، ليجيئوا بعمه حسين كامل الذى ظل فى الحكم ثلاث سنوات، ومات بصورة طبيعية فى ١٩١٧ م، ليخلفه فؤاد المقامر، ابن الخديو إسماعيل زوج نازلى، الذى تلقى رصاصة من صهره، وعاش بمشكلات فى حنجرته، ليحكم مصر ١٩ عاما، ليخلفه ابنه الطفل الوحيد فاروق، وعمره ستة عشر عاما، وتتوالى الفضائح على أسرة محمد على، مع زواج رياض غالى المسيحى من شقيقة الملك المسلمة، وهروبهما مع الملكة نازلى عشيقة الفضائح، وانتحارهما فيما بعد، بعد أن تحرك الجيش بانقلاب عسكرى أطاح بالأسرة العلوية كلها، ليبدأ زمن جديد، وليموت فاروق فى إيطاليا، متخما بالأكل والنسوان.
محمد نجيب، اللواء الواجهة للثورة، وأول رئيس للجمهورية، كانت نهايته لا تختلف عن المجرمين، حبيسا، فى فيلا بالمرج، كالسجناء، بناء على توصيات عبد الناصر، الذى حقق فى محاولة اغتياله، وأودعه المعتقل بلا جريمة، وفى أواخر أيامه كان يخرج للشرفة ويخطب فى الناس.
عبد الناصر العظيم، كما يحلو للناصريين ذكر اسمه، تعرض لأكثر من ٣١ محاولة اغتيال، وفقا للتسريبات، لكنه كان يذكر منها القصص التى تصنع منه بطلا، وعلى رأسها حادث المنشية، عندما انطلقت ثمانى رصاصات، فى ٢٦ اكتوبر١٩٥٤ من محمود عبد اللطيف (سمكرى بإمبابة )، على عبد الناصر، ٨ رصاصات تحول بعدها ناصر إلى بطل، وهو يهتف وكأنه كان مستعدا : « إذا مات جمال فكلكم جمال عبد الناصر»
مات عبد الناصر فى سبتمبر ١٩٧٠، وخرجت خلفه الملايين، وإن ظل البعض يردد أنه مات مسموما.
السادات كان رجلا محبا للحياة، قضى على خصومه الشيوعيين والناصريين، بالإسلاميين والمتطرفين، ونجا من العديد من مؤامرات وزراء عبد الناصر، وألقاهم فى السجون، وتودد للإسلاميين قائلا : « اعمل جماعتك يا تلمسانى واشتغل «، لتنطلق الجماعات الإسلامية من كل نوع، تحت رعاية الأمن، كان يربى العقارب، على يديه، ولما كان المشهد غير معقول، اغتالوه فى السادس من أكتوبر ١٩٨١.
حسنى مبارك تعرض للاغتيال، عشرات المرات، لكن مشهد السادات المقتول لم يغب عن عينيه، كان كالقطط بسبعة أرواح، وفى عهده جرى استيراد أنواع من التأمينات على حياته لا تخطر على بال بشر، إلى درجة أن الكيلومتر الواحد، الذى كان يقطعه، كان يتكلف على الدولة مليون جنيه. تعرض حسنى لمحاولة اغتيال شهيرة فى أديس ابابا، على يد مصطفى حمزة من قواد تنظيم الجهاد، وعاد بعدها بطلا، لكنه ظل يراهن على بقائه فى الحكم، ذبح الجماعات الإسلامية لأنهم يطلبون رأسه ، وأبقى على الإخوان والسلفيين الأقل عنفا وبعض فلول الناصريين، وهدم كل الأحزاب، تباعا. التجمع والعمل والوفد، ليبعث لأمريكا والغرب ، برسالة محددة مفادها، أن غيابه معناه، إما أن يحكم الناصريون مصر ويطردون أمريكا والغرب، أو تتحول مصر لإيران أخرى، مع أنه كان قادرا على تصفية الناصريين والإسلاميين.
بعد اندلاع ثورة الملايين، كان لا يعرف – لغبائه الشديد – أن كل الأحزاب والقوى السياسية التى طردها، صارت ضده فى الشارع ، مع شباب لم يضعه أبدا ضمن حساباته، لينتهى بعد ثلاثين عاما من الجبروت، نائما بالحذاء على السرير، ينخر فى أنفه، كالصرصار المقلوب.
مبروك لمصر لأن دولة الرئيس السيسى تعترف بحق المصريين فى الديمقراطية واختيار حاكمهم من بين عدد من المرشحين يتسابقون للإعلان عن خدمة الوطن، ويعلنون برامجهم، بعد إن كان كل ذلك محظورا، بحجة حماية الوطن والثورة.
ومهما قيل، نحن الآن نجنى ثمار ثورة يناير، ومن حق كل مواطن أن يقول رأيه فى الدستور وينتخب الرئيس.