من جديد توعد تنظيم داعش عبر عنوان جديد لتنظيم يراد له أن يشق طريقه إلى فضاء الإعلام، لاعبا جديدا فى ساحة الإرهاب الذى سيتحطم فى النهاية إن شاء الله على صخرة الدولة المصرية المتماسكة، والتى يقف أبناؤها صفا واحدا فى مواجهة الإرهاب، الرسالة الأخيرة خرجت على لسان ما سمى بأمير جنود الخلافة فى مصر، الذى لم يعرف باسمه بل حاول أن يبرز بصفته أميرا لتنظيم جديد يعلن عن نفسه، فى تمايز عن تنظيم أنصار بيت المقدس بسيناء الذى يسميه التنظيم ولاية سيناء.
رسالة التهديد جاءت ضمن حوار مطول أجرته صحيفة النبأ الإلكترونية على تطبيق تليجرام، حيث هدد هذا الإرهابى باستهداف تجمعات الأقباط المصريين وكذلك المصالح الحكومية ومنشآت الجيش والشرطة، قائلا “نحذركم ونشدد عليكم بأن تبتعدوا عن أماكن تجمعات ومصالح النصارى، وكذلك أماكن تجمعات الجيش والشرطة وأماكن مصالح الحكومة المصرية السياسية منها والاقتصادية، وأماكن وجود رعايا دول الغرب الصليبية، لأن كل هذه أهداف مشروعة لنا ويسعنا ضربها فى أى وقت”.
السؤال الآن إذا كان التنظيم قد استهدف الأقباط والكنائس بالفعل عبر عمليتين انتحاريتين خلال الشهر الفائت، وأكرر عمليتين انتحاريتين لتأكيد أمر مهم، هل كان لدى التنظيم القدرة على استهداف الكنائس أو تجمعات الأقباط أو الأماكن الحكومية أو الشرطية أو العسكرية عبر هجوم بالأسلحة النارية أو السيارات المفخخة؟، أم أنه لجأ إلى الانتحاريين التى هى وسيلة تعكس يأس التنظيم ورغبته فى تحقيق أى نصر معنوى، يعوض به تراجع معنويات مقاتليه تحت وطأة ضربات الجيش المصرى، فضلا عن الضربات الأمنية التى نجحت فى القبض على عدد كبير من عناصر وخلايا التنظيم، التى ظهرت فى خلايا من خمسة أشخاص فقط فى بعض الأحيان فى شكل أقل من عنقودى، حيث نجحت أجهزة الأمن فى تفكيك ١٨ خلية كشف التحقيق معها عن أمر فى غاية الأهمية، هو أن معظم عناصر التنظيم لم يتم تجنيدهم عبر الاتصال الشخصى بل عبر الفضاء الإلكترونى، وهو ما يعكس احتمال أن التنظيم لا يتوفر على عناصر تجنيد كثيفة فى الداخل، وأن قوة التنظيم مازالت خلف الكيبورد عبر شبكات التجنيد الإلكترونية التى تبقى الأخطر.
لم يملك التنظيم قدرات بشرية أو مادية تمكنه من تنفيذ عمليات أبعد من توجيه انتحاريين إلى تفجير أنفسهم، وهو سلوك انتحار جزئى للتنظيم الذى يبدو أنه لم يتبقَ فى جعبته سوى نحر أعضائه بهذه الطريقة، واستهداف الأقباط بالذات؛ لأن كل عملية تستهدفهم تحظى بتغطية إعلامية مكثفة عالميا، كما أنها تستدعى حالة من حالات الاحتقان عبر بعض الموتورين هنا أو هناك، وتأتى الرسالة الماكرة بتوجيه المسلمين بالابتعاد عن أماكن وجود الأقباط لصناعة فجوة نفسية يراهن التنظيم على توسيعها، من خلال اضطرار الأمن لتكثيف إجراءات الحماية للأقباط وهو ما يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة، ويبدد أجواء تعافى السياحة, وهى مرفق من أهم روافد الاقتصاد الوطنى، يبدو أن التنظيم قنع من حربه مع الدولة بهذه الوسائل، بمعنى أن كل إخفاق ميدانى يعوضه التنظيم بمحاولة البروز عبر تهديدات إعلامية، ولا ننسى أن الإعلام أهم أسلحة التنظيم وشهدنا على مدار أكثر من خمس سنوات الآن كيف برزت رسائل التنظيم ومواده المصورة كسلاح يهتم به التنظيم وهو سلاح تصدير الرعب للخصوم.
أولا التنظيم لم يحذر قبل تنفيذ عمليات استهداف كنيستى طنطا والإسكندرية، بل مثل عامل المفاجأة أهم العوامل وسيبقى الأهم لدى هذه التنظيمات الإجرامية، ولو كان بإمكانه تنفيذ عمليات كبيرة لنفذ إحداها أثناء وجود بابا الفاتيكان فى مصر وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية والزيارة مهمة، لكنه لا يملك لا القوة ولا الإمكانات لتنفيذ عملية من هذا النوع.
الأمر الثانى أن التوقيت ربما مرتبط بما يواجهه تنظيم ولاية سيناء من تطورات، أهمها ما نجحت الدولة فى تنفيذه من تعاون بين القبائل وقوات الجيش، التى عملت بتناغم شديد كان من ثمرته تمكن قوات الجيش من القبض على أكثر من ٢٥ عنصرا من عناصر ولاية سيناء أحياء، المفاجأة أن معظم المقبوض عليهم لم يكونوا من أبناء سيناء، بل كانوا من أبناء الوادى والدلتا، كما أن التحقيق معهم كشف العديد من خيوط حركة التنظيم، ولعل القبض على شقيق سالم أبو ودان أحد زعماء الإرهاب ما عد صيدا ثمينا جدا.
لأول مرة يعترف التنظيم بأنه فشل فى بناء حاضنة شعبية داخل سيناء؛ حيث حرص قائد التنظيم فى حواره المطول مع صحيفة النبأ على وصف أهالى سيناء بل والمصريين كافة بأنهم وقعوا فى الردة، بسبب موالاتهم للحكومة على حساب من أسماهم المجاهدين، محذرا إياهم من خطورة عدم التوبة حسب قوله، وهذا الاعتراف يعكس شهادة للدولة المصرية بالنجاح فى عزل التنظيم بما يعنى نجاح أول محور من محاور أى مواجهة ناجحة مع الإرهاب.
لأول مرة أيضا يعترف التنظيم بضراوة المعركة مع قبيلة الترابين، التى ذكرها لأول مرة فى خبر على «وكالة أعماق» يقول إن التنظيم نجح فى صد هجوم من قبيلة الترابين، وهو الذى كان يتجاهل ذكر أى معارك يخوضها معه الجيش المصرى.
إذا أضفنا إلى ذلك أن تطور موقف قبيلة الترابين المتمثل فى قطع طريق الإمداد على عناصر التنظيم، سواء عبر البحر أو عبر وسط سيناء، خصوصا أن نطاق حركة التنظيم لايتجاوز١٦٠ كيلومترا، واحتمالات تطور موقف قبيلة السواركة التى يضم التنظيم بعض عناصر منها قد يؤشر إلى اقتراب لحظة انهيار التنظيم بالكامل داخل سيناء، وهو مايبدو أن التنظيم تحسب له ومهد له عبر بعض العبارات التى وردت أيضا ضمن حديث القيادى لصحيفة النبأ، حيث ذكر أن العلاقة بين الفرع المصرى للتنظيم وولاية سيناء والذى بايع داعش قبل ثلاث سنوات، هى علاقة أخوة ومحبة وولاء، مؤكدا لأول مرة وجود تنظيم مصر الذى سماه «جند الخلافة»، فى تمايز عن ولاية سيناء وكان قد تحدث التنظيم فى السابق عن ولاية الصعيد، لكن المحاولة فشلت بعد اكتشاف خلايا التنظيم فضلا عن التماسك القبلى فى الصعيد، الذى مكن أيضا ضمن عوامل أخرى فى منع ظهور وجود مؤثر للتنظيم هناك، لذا كانت رسائل هذا الإرهابى حريصة على توجيه نداء للذئاب المنفردة بتنفيذ عمليات، لو أضفنا إلى ذلك ما نشرته «مجلة رومية» التى يصدرها التنظيم بست لغات أمس فى عددها الجديد، والذى ضم تقارير عما وصفه بالتأصيل الشرعى لاستهداف الأقباط، إضافة إلى شن عناصر ومستخدمى منتديات المنبر الإعلامى الجهادى، وشبكة شموخ الإسلام، وموقع حق، ووكالة أنباء التنظيم أعماق منذ الخميس الماضى، دعاوى متكررة لاستهداف الأقباط، كل ذلك يؤكد أن تنظيم سيناء لم يعد قادرا على نقل توجيهات أو تنفيذ عمليات، بما يحاول معه التنظيم الاستفادة من حالة السيولة فى العناصر الجهادية المبثوثة هنا أو هناك، فى محاولة لتجنيدها لحسابه، بما يؤشر لاحتمالين لا يستطيع تأكيد أحدهما سوى أجهزة الأمن المصرية، الأول أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة فى مصر، أو ينقل عملياته عبر تنظيم جديد أسماه جنود الخلافة فى مصر، أعتقد أن الأمر بحاجة لبيان واضح من أجهزة الأمن المصرية.