السبت 1 يونيو 2024

خواطر اقتصادية «١ – ٢»

10-5-2017 | 12:21

فى هذا المقال أتناول بعض الخواطر والأفكار الاقتصادية والمالية والتى تلح علىَّ دائماً وأود أن أشارك القارئ العزيز فى تحليل ودراسة هذه الخواطر والأراء لعلها تفيد الاقتصاد المصرى وتخفف من حدة مشاكله.

هناك شكاوى كثيرة من عدة نقابات وهيئات بشأن تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة ... والاقتراح هنا أن يجلس السيد نائب وزير المالية للشئون الضريبية مع ممثلى الفئات المتضررة من تطبيق القانون واللائحة التنفيذية للقانون تسمح بذلك، كما أن هناك مادة فى القانون تعطى الحق لوزير المالية أن يضع ضوابط وإجراءات تنفيذية تشكل تيسيرات للفئات المتضررة من تطبيق القانون، فالكرة الآن فى ملعب وزارة المالية مع التأكيد على تحقيق أهداف هذه الضريبة المهمة ومنها تحقيق العدالة وزيادة الحصيلة.

 

تعويم العملة ساعد على زيادة الدين المحلى وفوائده وكذلك زيادة تكلفة الواردات مما يشكل زيادة فى أعباء موازنة الدولة بنسبة لا تقل عن ٢٥٪ مع الأخذ فى الاعتبار أن رفع حد الاقتراض الخارجى عبر السندات الدولارية يعد بديلا مرحليا ملائما نتيجة ضعف موارد النقد الأجنبى وفى ظل انخفاض تكلفة الاقتراض الخارجى بالمقارنة بالدين المحلى.

هناك مشروع جديد لتعديلات فى قانون الضرائب على الدخل يتضمن رفع حد الإعفاء الضريبى من ١٣.٥ ألف جنيه إلى ٢٤ ألف جنيه على أساس أن المواطن الذى لا يتجاوز دخله ٢٠٠٠ جنيه شهريا يصبح معفيا من الضرائب، وهذا الاقتراح من الممكن أن يخفض الحصيلة الضريبية بمقدار ١٣ مليار جنيه سنوياً ....

وهناك بديل آخر وهو أن يتم الإعفاء للشرائح الأقل التى كانت تدفع ١٠٪ من دخلها سنوياً بحيث يتم خفض نسبة تتراوح بين ٨٠٪ إلى ٩٠٪ من قيمة الضريبة لتصل الضريبة إلى ١٪ من الدخل مع ارتفاع الشرائح التالية مما يخفض الأعباء عن الفئات الأقل دخلاً ويضمن عدم الإخلال بقيمة الحصيلة الضريبية ويمثل تحيزاً لأصحاب الدخول المنخفضة مع ملاحظة أن هذا المقترح لن يكلف الدولة سوى ٣.٥ مليار جنيه تمثل قيمة التراجع فى الحصيلة بعد تطبيق هذا المقترح.

الموازنة الخاصة بالعام المالى ٢٠١٦/٢٠١٧ هى موازنة مختنقة؛ حيث هناك أرقام أساسية مسيطرة عليها وهى الدعم والديون وفوائد الدين والأجور والمرتبات وأن حجم الاستثمارات المخصص والممول من الدولة محدود وضعيف للغاية ... كما أن موازنة العام المالية ٢٠١٧/٢٠١٨ تعد امتداداً للموازنة الحالية من حيث هيكل الاختناقات ودلالة الارقام مع تأكيد أن الدولة تتبنى برنامج إصلاح اقتصادى مصرى مع وجود أفضلية على الاتجاه للاقتراض الخارجى بشكل رئيسى.

تلقيت دعوة من قبل وزارة المالية لمقابلة بعثة صندوق النقد الدولى فى اغسطس ٢٠١٦، وذلك فى اليوم الذى تم الإعلان فيه عن الاتفاق المبدئى بين الحكومة والصندوق الدولى وجلسنا معهم ٣ ساعات متصلة فى حضور وزير المالية ومحافظ البنك المركزى ونواب وزير المالية واستمعنا إلى تشخيصهم لحالة الاقتصاد والحلول المقترحة، وأكدوا حينها أن البرنامج المقدم من الحكومة هو برنامج مصرى خالص وأن الصندوق توقف عن فرض روشتة بعينها على الدول منذ أزمة ماليزيا الشهيرة وكان السوق مهتما بسماع وجهة نظر بعض أعضاء البرلمان بشأن تشخيصنا ورؤيتنا للوضع الاقتصادى، وقلت لهم قد أتفق معكم فى تشخيص أزمات الاقتصاد المصرى، ولكنى لا أتفق معكم فى الحلول التى تطرحونها فهى من وجهة نظرى حلول تقليدية وسبق تطبيقها وحققت نتائج محدودة الأثر ولكننا بحاجة إلى حزمة من الحلول غير التقليدية، الأمر الذى لفت انتباه رئيس بعثة الصندوق لمصر كريس جارفس فقال لى: أريد أن أسمع منك حلولاً غير تقليدية فقلت له: دعنا نضع أيدينا على بعض النقاط وعلى رأسها حجم الأجور فى الموازنة العامة للدولة ففى موازنة ١٦/١٧ بلغت الأجور والمرتبات ٢٢٨ مليار جنيه وبلغت ٢٤٠ مليار جنيه فى موازنة ١٧/١٨، والبعض يرى أنه لا يمكن الاقتراب من هذا الرقم الذى يتم صرفه على ٧ ملايين موظف لا نحتاج منهم إلا سوى ٣ ملايين موظف والباقى يحصلون على أجور ومرتبات بلا عمل حقيقى وبلا إنتاج وهم يحصلون على ١٦٠ مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة وهو واقع موجود فى معظم المؤسسات والهيئات فى مصر، وهنا اقترحت أن ندرس تطبيق تجربة دولة لاتفيا التى وجدت أن حجم موظفى الحكومة لديها مليون موظف فى حين أنها لا تحتاج سوى ٢٥٠ ألف موظف فقط وفقاً لدراسات أجرتها هذه الدولة وقاموا بمخاطبة العدد الباقى (٧٥٠ ألف موظف) للاتفاق على منحهم إجازة لمدة سنة يحصلون خلالها على ٧٥٪ من دخلهم والباقى يذهب لتدريبهم على مهارات سوق العمل فى شكل تدريب تحويلى سواء على مهارات العمل الخاص بالسوق المحلى أو فى نطاق الاتحاد الأوربى وفعلياً بعد سنة أصبح هؤلاء الأفراد قوى منتجة حقيقية ويعملون بشكل حقيقى محلياً وإقليمياً ودولياً.

وهذا أمر يمكن تطبيقه فى مصر من خلال تحويل ٣ ملايين موظف على الأقل لا يعملون بشكل حقيقى إلى طاقة انتاجية فعلياً، واضعين فى الاعتبار أن الشخص الذى يحصل على راتب ثابت بلا عمل حقيقى هو أكثر الأشخاص عرضه للحنق والغضب والتذمر ويعانى كثيراً آثار التضخم الذى لا يستطيع نقل عبء هذا التضخم إلى المتعاملين معه.

برامج التضامن والحماية والاجتماعية الأخيرة جعلت الكثير يخرج من سوق العمل لمجرد أنه يحصل على معاش من الحكومة، حتى إن معظم شركات المقاولات طلبت السماح لها باستقدام عمالة أجنبية للعمل فى المشروعات القومية الجديدة بل وصل الأمر إلى قيام أحد المنتجعات السياحية فى الغردقة بذكر أنها تستخدم العمالة الآسيوية فى تقديم الخدمة على أرض مصر مع إبراز تلك الحقيقة فى كل حملات الدعاية والترويج لهذا المنتجع.. نحن أمام مشكلة كبيرة تنتظر الحل الجذرى من دون أى تباطؤ أو تردد.

الموازنة العامة للدولة تعكس مشكلة الدين المحلى وفوائده التى تلتهم ثلث الموازنة أو أكثر والبنوك التجارية تستخدم ودائع العملاء فى شراء أذون الخزانة التى تستخدم لسد عجز الموازنة وطالما هناك عجز فى الموازنة تلجأ الحكومة إلى الاقتراض المحلى لسد جزء منه ونظل ندور فى حلقة مفرغة.. لذلك أقترح أن تقوم هذه البنوك بالتنازل عن جزء من هذه الديون مقابل امتلاكها نسبة من أسهم المشروعات القومية الجديدة العملاقة مما يساعد على خفض الدين المحلى من ناحية ومن ثم عجز الموازنة والتضخم إلى جانب تشجيع صغار المستثمرين على الدخول فى هذه المشروعات والاستثمار بها نتيجة وجود مساهمات للجهاز المصرفى فى ملكية هذه المشروعات وهو الأمر الذى عرضته على محافظ البنك المركزى ولكنه قال لى «الموضوع يحتاج إلى دراسة»، وأتصور أن ذلك الاقتراح سيساهم بشكل كبير فى علاج مشكلة الديون التى ترهق كاهل الموازنة العامة للدولة.

هذه هى بعض من الخواطر الاقتصادية والمالية التى أردت أن أعرضها على القارئ العزيز والتى هي في حاجة إلى الدراسة والتحليل والاستفادة منها فى دعم الاقتصاد القومى .. وفى الأسبوع القادم بإذن الله نستكمل هذه الخواطر والأفكار المهمة.