الأربعاء 3 يوليو 2024

حماس تطرق الأبواب انتخاب هنية رئيسا وإصدار الوثيقة الجديدة

10-5-2017 | 12:48

بقلم – نجوان عبد اللطيف

ليس من قبيل المصادفة أن تطرح حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وثيقتها الجديدة التى تمثل تطورا فى فكر الحركة؛ حيث قبلت فيها أن تكون حدود عام ١٩٦٧هى الحدود المتوافق عليها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس قبل يومين فقط من انتخاب الرئيس الجديد للمكتب السياسى للحركة، وليس مصادفة أيضا أن يختار مجلس شورى الحركة إسماعيل هنية رئيس الوزراء السابق ليشغل هذا المنصب، وهو الأعلى فى قيادة الحركة لحركة بعد فوزه على د. موسى أبو مرزوق ومحمد نزال القياديين فى الحركة والمقيمين فى الخارج فى» قطر»، وذلك فى الانتخابات التى شارك فيها قادة الحركة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بالضفة وغزة وفى الشتات عبر»الفيديو كونفرانس» وذلك خلفا لخالد مشعل الذى ظل على مقعد القيادة منذ ١٩٩٦؛ حيث كانت آخر انتخابات فاز فيها مشعل عام ٢٠١٣ التى أجريت فى مصر إبان حكم الإخوان.

 

حركة حماس تدشن بالوثيقة وباختيار إسماعيل هنية أو كما يلقبونه «أبو العبد» مرحلة جديدة مازالت ملامحها لم تتضح بعد، تبدو فيها أكثر مرونة، تحاول أن تكسر جزءاً من طوق العزلة الذى فُرض عليها فى السنوات الأخيرة..

حماس التى كانت تعيش فى كنف النظام السورى وعلى أرض سوريا وتنعم بمدد سياسى ومادى وعسكرى من نظام بشار الأسد اضطرت لمغادرة سوريا بعد رفضها لمؤازرة النظام إبان اندلاع ثورات الربيع العربى، حيث كانت حركة الإخوان المسلمين -والتى تنتمى إليها حماس- ضمن التيارات والمجموعات السياسية التى خاضت ولاتزال حرباً ضد نظام بشار والبعث السورى.

ولنفس السبب تمر علاقة حماس بجفوة مع إيران الراعى الأكبر لها الذى يمدها بالمال والسلاح والتدريب العسكرى والمخابراتى والتكنولوجى؛ حيث تساند إيران نظام بشار الأسد بكل قوة سياسياً وعسكرياً.

كما شهدت العلاقات بين حماس والسعودية مراحل من الشد والجذب، ورغم أن علاقة حماس بإيران تعانى -كما قلنا- الكثير من التباعد، ولكن أصبح هذا لا يكفى لدى السعوديين الذين يخوضون حربا مع إيران فى اليمن وسوريا، وفى المرحلة الأخيرة بدأ الصراع يأخذ شكل النزاع الطائفى بين السنة والشيعة.

وعقب إزاحة حكم الإخوان المسلمين فى مصر، توالت الأزمات بين مصر وحماس»فرع الإخوان فى فلسطين» على إثر اتهام مصر لحماس بمساعدة الجماعات الإرهابية المتطرفة الأصولية، للقيام بعملياتها فى سيناء واستخدام الأنفاق بين غزة وسيناء لتهريب السلاح وتهريب مرتكبى العمليات الإرهابية لحمايتهم.

ومن ثم قامت مصر بهدم الكثير من الأنفاق وإغلاق غير كامل لمعبر رفح البوابة الوحيدة على العالم الخارجى أمام فلسطينيي غزة وقيادات حماس بشكل خاص.

ورغم زيارة إسماعيل هنية لمصر فى يناير الماضى التى ربما خففت بعضا من الاحتقان بين مصر وحماس؛ إلا أن رفض حماس تسليم بعض المتهمين فى القيام بعمليات إرهابية داخل مصر وهم موجودون فى غزة؛ ساهم فى استمرار الأزمة.

ويساهم انتقال قيادة حماس لقطر الداعم الأكبر لحركة الإخوان المسلمين فى مصر، إلى توتر الأجواء بين الطرفين حيث أصبحت قطر هى المقر الرئيسى لحركة حماس وهى الداعم الأساسى لها، وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات فى الدوحة لولا أن قيادات مجلس شورى حماس فى الداخل لم يتمكنوا من مغادرة الأراضى الفلسطينية.

هذا على الجانب العربى، ولكن الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لحماس على مستوى العالم الخارجي، فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربى يصنفان حماس كجماعة إرهابية، وحتى علاقة تركيا بحركة حماس يعتريها قدر من البرود، بعد تحسن العلاقات التركية مع إسرائيل، وانشغال أردوغان بالداخل التركى بعد الانقلاب الفاشل على نظامه، وكذلك مشاركته بقوات فى الداخل العراقى والداخل السورى، مما يجعله يفضل عدم إثارة المشاكل مع إسرائيل، وعدم إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية.

من هنا أرادت حماس بإصدار هذه الوثيقة الجديدة كسر هذه العزلة، وإبداء المرونة تجاه حل القضية الفلسطينية بقبولها فى الوثيقة لحدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وأرادت باختيار إسماعيل هنية لقيادة الحركة اختيار من يستطيع العبور بالحركة لهذا التحول حيث يصنف هنية من حمائم حركة حماس وأنه وسطى الفكر ويحظى بعلاقات خارجية طيبة مع أطراف عديدة، يقول فوزى برهوم الناطق الرسمى للحركة: إن خالد مشعل دشن مرحلة جديدة فى الانفتاح على الإقليم وعلى المجتمع الدولى بوثيقة حماس السياسية الأخيرة. والأخ”أبو العبد” سوف يكمل هذا المشوار بما يضمن تحقيق كل طموحات وأهداف الحركة التى تنسجم مع أهداف وطموحات الشعب الفلسطيني.

ومؤخرا نشرت أخبار متضاربة عن استقالة د. محمود الزهار القيادى الكبير فى حركة حماس من عضوية المكتب السياسي حيث نشرت صورة للاستقالة تقدم بها إلى أحمد البحر رئيس شورى الحركة وأرجعها لأسباب شخصية، وعقب اختيار هنية رئيسا نسب أحد المواقع الفلسطينية لـ د.الزهار تصريحاً اتهم فيه مشعل وهنية بالموالاة لقطر، وأشار إلى أن مشعل فرّط فى الثوابت والمبادئ التى قامت من أجلها حماس، ولكن د. الزهار نفى التصريحات جملة وتفصيلا كما نفى مكتبه تقديمه للاستقالة.

وعلى صعيد آخ تردد خبر أن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين عرض رئاسته عل خالد مشعل الذى نفى ذلك وقال”من البديهى ألا يعرض علىّ ذلك، وبالتأكيد لن أكون، لأن حماس حركة فلسطينية تحصر عملها فى إطار القضية الفلسطينية وحماس تنظيم مستقل عن أى تنظيم آخر، مرجعية حماس هى مؤسساتها القيادية» وقال إن هذا لا ينفى أننا ننتمى إلى فكر الإخوان المسلمين.

وإسماعيل هنية ولد فى غزة فى مخيم الشاطئ عام ١٩٦٣لأبوين فلسطينيين من النازحين عام ٤٨ ولم يبرح غزة إلا فترة قليلة عندما أبعدته إسرائيل مع العديد من الفلسطينيين إلى لبنان عام ١٩٩٢

وذاق هنية مرارة الاعتقال الإسرائيلى أثناء الانتفاضة الأولى، وانضم لحركة حماس منذ نشأتها عام ١٩٨٧، وهنية درس فى الجامعة الإسلامية بغزة وعمل مديرا للشؤون الأكاديمية بها، وكان مدير مكتب الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس ومرافقه وكان إلى جواره أثناء محاولة اغتياله من قبل إسرائيل بإطلاق صاروخ على منزله.

ورأس هنية كتلة التغيير والإصلاح التى خاضت انتخابات ٢٠٠٦ وحازت الأغلبية ما دعا أبومازن إلى تسمية إسماعيل هنية رئيسا للوزراء ثم أقاله على إثر سيطرة حماس على قطاع غزة عام ٢٠٠٧ بعد معركة دامية، ولكن هنية استمر فى هذا الموقع بالنسبة لقطاع غزة الذى انفصل تماما عن السلطة الفلسطينية التى يترأسها أبومازن أصبحت السلطة فيه كاملة لحركة حماس.

ولدى هنية ١٣ ابنًا وبنتًا، ومازال يعيش فى منزله المتواضع فى مخيم الشاطئ بغزة، ويتميز هنية بالتواضع والبساطة؛ مما أكسبه شعبية فى أوساط الفلسطينيين كما تميز بحبه للخطابة، وكثيراً ما خطب على منابر مساجد غزة، وهو محب لكرة القدم.

وقبل الانتخابات كان الجميع يتوقع فوزه بخلافة مشعل لمدة ٤ سنوات قادمة حيث تنص لوائح حماس على عدم جواز البقاء فى الرئاسة لأكثر من مدتين، ومن ثم يصبح ليس من حق مشعل التقدم هذه المرة، ونافس هنية على مقعد الرئاسة د.موسى أبومرزوق أول رئيس للمكتب السياسى لحماس قبل مشعل وأحد قادتها البارزين الذى يتميز بعلاقات خارجية وقدرات تفاوضية كبيرة، وعلى القيادى المعروف محمد نزال.

ونظام انتخابات حماس يعد نظاماً سرياً والانتخابات تجرى بعيدا عن الإعلام وتمر بمراحل متعددة على مستوى المناطق فى الداخل فى الضفة والقطاع والشتات، ولا يجوز لأحد ترشيح نفسه للقيادة بل مجلس الشورى هو الذى يرشح الأسماء وينتخب فيما بينها، ولا يحق لأحد الاعتذار، والشورى هى التى تختار المكتب السياسى بالكامل وتنتخب رئيسه.

وتبدو مهمة إسماعيل هنية فى تطوير وضع حماس بناءً على الوثيقة الجديدة مهمة صعبة، رغم أن مشعل هو الذى أعلنها حتى لا يتهم هنية بعد توليه القيادة بالانقلاب على ثوابت حماس.

حيث سجلت حركة الجهاد الإسلامى رفيق حماس فى المقاومة المسلحة رفضها للوثيقة وقال زياد نخالة نائب “لا نرحب بقبول حماس بدولة فلسطينية فى حدود ١٩٦٧، لأن هذا برأينا يمس بالثوابت، ويعيد إنتاج المتاهة التى أدخلنا بها البرنامج المرحلى لمنظمة التحرير”.

ورغم أنها حاولت فى الوثيقة أن تؤكد فى بنود أخرى أن فلسطين من النهر إلى البحر وأنها لا تعترف بالكيان الصهيونى، إلا أن هذا لم يرضِ الجهاد وربما أيضاً لا يرضى بعض شباب حركة حماس ولا الفلسطينيين الذين اعتبروا اتفاقية أوسلو تفرط فى الحق الفلسطينى من قبل فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية حتى ولو كانت الوثيقة تنص على ذلك فى بنود أخرى، حيث اعتبرت حماس اتفاقية أوسلو تنازلا عن الحق الفلسطيني، وأن يحق لحماس قيادة القضية لأنها تقود المقاومة المسلحة، وترفض التفاوض مع إسرائيل، وتطالب بكامل الحقوق الفلسطينية وأساسها كل أرض فلسطين.

وعلى الجانب الإسرائيلى وعلى الرغم من أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى الكولونيل بيتر ليرنر على تويتر:” آمل فى أن يتخذ هنية قرارات سليمة بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يتطلعون إلى قيادتهم، قام رئيس الوزراء نتنياهو بتمزيق الوثيقة وإلقائها فى سلة المهملات فى مقطع سجل له بالفيديو كرد على الوثيقة.

لا أحد يستطع أن يتوقع ماذا ستقدم حماس فى الفترة القادمة وإذا ما كانت ستطور فى فكرها خاصة وهى لم تنص فى هذه الوثيقة على أنها جزء من حركة الإخوان المسلمين كما تشير وثيقة نشأتها، أم أنها تحاول فقط أن تفتح الأبواب المغلقة فى وجهها؟