تقرير: رحاب فوزى- إسراء فهمى
عشرات من مصانع المخلل فى مصر ومئات من المحلات ما بين حديث وعتيق تبيع نفس المنتج باختلاف أشكاله وأنواعه وتميز المذاق، ولكن الاتجاه لاستيراد المخللات من البلاد العربية والأوربية أيضاً ظهر على الوجه للسلع المستوردة بعد ما وجد له زبائن، واستطاع أن يجد مكانه بين السلع الرائجة فى مصر.
والمخلل هو العنصر الأساسى على المائدة المصرية والعربية على حد سواء خاصة فى شهر رمضان، وهو الشهر الذى يشهد رواجاً فى بيع كل السلع الغذائية، وبالتالى يتسبب هذا الرواج فى ارتفاع الأسعار فى ظل ما تمر به المنطقة العربية من ظروف اقتصادية وسياسية، فما هى أسعار وأماكن بيع المخلل بجنسياته، وما السبب لاستيراد هذا المنتج؟.
مواسم وأسعار الطرشى البلدى
« الكيس يساوى خمسة جنيهات» هكذه بادرنى عبدالرؤوف عامل بأحد أقدم محلات بيع المخلل فى منطقة السيدة زينب، وهو محل «الكريمة» أحد ألقاب السيدة زينب -رضى الله عنها-، وقال إن المخلل موجود منذ عشرات السنين وهو نفسه يعمل بالمكان منذ ٣٠ عاماً وعمره حالياً ٥٠ عاماً، والمخلل له شهرة واسعة فى المنطقة ومصر كلها، ويأتى له الناس من كل المناطق رغبة فى مذاقه الشهير المتميز.
وأضاف عبدالرؤوف أن كيس المخلل المشكل يبدأ من ٥ جنيهات وهو سعر يناسب كل الفئات اقتصادياً، وتم رفع السعر آخر مرة منذ ٩ أشهر؛ حيث كان سعر الكيس نفسه ٣ جنيهات، لتصبح خمسة ولن يزيد هذا السعر خلال شهر رمضان، والكيلو المشكل يساوى ١٥ جنيها، أما العلب السادة فتبدأ أسعارها من ٢٤ جنيهاً ويكون ارتفاع السعر حسب الصنف نفسه: فمثلاً البصل أرخص من الزيتون، فى حين أن الخيار أغلى من الصنفين.
وقال إن أغلى نوع فى المخلل هو )الخيار القشة( لأنه نادراً ما يجدونه فى الأسواق أو عند تجار الخضار الجملة، وسعر كيلو الخيار القشة المخلل يساوى ٥٠ جنيهاً إن وجد، والناس تحبه وتقبل عليه.
أما عن البضاعة التى يتم استخدامها لصنع المخلل، قال إن صاحب المحل يختار أفضل نوع من الخضار وأغلاه ليحافظ على سمعة المكان، وهو ما يفعله معظم العاملين بنفس المجال؛ لأن الزبون يأتى للشراء حسب سمعة المكان، وسمعة المكان يتسبب فيها الإخلاص فى الصنعة نفسها، مما يؤدى لمذاق متميز وبالتالى يحافظ المنتج على نفسه، وأسعار الخضار كلها ارتفعت كما أنها موسمية أيضاً، ولكن لا تتأثر أسعار المخلل بهذه الأمور إلا فى هامش بسيط؛ لأن تاجر المخلل يهمه الحفاظ على سمعته واسمه أكثر من أى شيء آخر حتى لو هيبيع بلا مكسب.
وأكد سيد عامل بيع فى نفس المحل أن استخدام الخضروات الصينية والمستوردة بصفة عامة لا يمكن أبداً فى صنع المخلل، لأنها تغير فى الطعم وتجعل المذاق يختلف، وهو أمر لا يطمح له أى تاجر صاحب اسم كبير فى هذا المجال.
أما عن مواسم البيع فقال إن الموسم الحقيقى لبيع المخللات يكون فى فصل الشتاء، الذى يقبل فيه الناس على الشراء بشكل أكبر من الصيف، وبالطبع شهر رمضان الكريم؛ حيث يصبح العمل ثلاثة أضعاف حركة البيع العادية، ويكون البيع من الساعة الثانية عشرة وحتى الثالثة ظهراً وحتى الثالثة عصراً ويتوقف البيع لمدة ساعة تقريباً أو يخف كثيراً ثم يعود للضغط حتى أذان المغرب، ولكن تغلق محلات المخلل فى الحادية عشرة مساء قبل مواعيد السحور، وبالتالى تتوقف حركة البيع فى هذا السوق لتتيح لمحلات أخرى المجال.
ومن مظاهر الإقبال على المخلل موائد الرحمن التى يشارك فيها معظم المحلات بلا مقابل، لكن يتم بيع المخلل للموائد التى تكون خارج المنطقة وأحياناً يأتى ناس وأشخاص يطالبون بأكياس مجانية ويمنحها صاحب المحل سواء فى رمضان أو باقى السنة حسب رؤيته لهم.
أنواع المخلل
ويضيف أن المخلل أنواع ما بين المشكل والسادة، والأسعار حسب نوع الخضار، فمثلاً كيس المشكل بخمسة جنيهات والكيلو يبدأ من ١٥ج ويحتوى على كل الأصناف تقريباً ما بين جزر وبصل ولفت وزيتون أخضر وأسود والخيار والفلفل الأخضر وليمون بالإضافة إلى ماء الطرشى الشهير، لأن هناك زبائن تطلب زيادة المياه والتقليل من المخلل نفسه.
أما السادة فهو علب أو أكياس حسب الطلب، يبدأ الكيلو فيها من ٢٤ جنيهاً، فمثلاً علبة الزيتون الأخضر تساوى ٢٥ جنيهاً والبصل بـ٢٧ جنيهاً، والفلفل المكسيكى والفلفل الهالوبينو والفلفل البلدى، وعلبة البصل المخلل الصغير تساوى ٢٩ جنيهاً.
أما المهروسة أو العجينة فهى تباع معلبة، وهى عبارة عن معجون الفلفل والطماطم والشطة، وهى نوع مميز من المخللات، ويستخدم فى كثير من الأطعمة والأكلات المصرية، ومنها المحشى بأنواعه.
وقال إن التخليل عملية تستغرق تقريباً شهراً حسب نوع الخضار الذى نريد تخليله، وتستخدم فيها براميل وحاويات من مادة جيدة من البلاستيك، وهم يستخدمون البراميل التركى أو الألمانى لجودتها، علماً أن البراميل المصرى متوفرة ولكن لا يستخدمها المتخصصون فى صنع المخلل؛ لأنها تفسد المنتج وتتفاعل مع المادة المستخدمة فى التخليل نفسها وهى مكونة من ماء وملح وخل وتوليفة خاصة من البهارات، وهناك بعض المحلات مازالت تستخدم البراميل المصنوعة من الخشب ولكنها غير آمنة لوجود فتحات بين الأخشاب مما يسمح بدخول الحشرات... والبكتيريا للمنتج، وبالتالى لا يستخدمها إلا أصحاب الخبرة القليلة فى المجال، أو من لا يطورون أنفسهم، وعن المواد الكيميائية أو الحافظة التى تستخدم للإسراع فى عملية صنع المخلل قال إن كبار التجار لا يفعلون ذلك لأن هذه المواد تضر بالمذاق، إنما المصانع الكبرى تستخدمها لأن العامل هناك يقف ويتعامل مع آلات، إنما المعامل الشعبية نعتمد على العمل اليدوى، فلا حاجة لنا للإسراع، بل إنها الفرصة لإجادة العمل وإخراج منتج متميز فى المذاق.
المنافسة مع المستورد
أما عن المنافسة مع المخلل المستورد فقال عبدالرؤوف إنها معروفة، لأن كل الجنسيات وليس المصريون فقط يحبون الطرشى البلدى ويقبلون عليه، ولا يوجد نوع يفوقه طعما، كما أن أسعاره فى متناول كل الطبقات.
وعن المخلل المستورد قال إنه لم يذُقه، ولن يكون له وجود فى المناطق الشعبية، لأن الزبائن اعتادت الطرشى البلدى ولن تتخلى عنه لأجل أى جنسية مخلل آخر.
المخلل المستورد «شامى - عراقى – هندى»
أماكن بيع المخلل المستورد ليست منتشرة فى مصر، خاصة فى المناطق الشعبية، ولا يوجد فى الأسواق الكبرى التى تملك فروعا فى شوارع رئيسية أو فرعية فى المناطق الشعبية أى منها؛ بل إن الموجود هو البلدى المغلف بمعرفة مصانع معروفة أو معلب بأسماء شهيرة.
والمخلل المستورد يوجد فى أماكن بعينها يعرفها الزبائن وعشاق هذه الأنواع عبر الانترنت أو عبر تناقل الإعلانات المختلفة، وتتبرع المحلات الشهيرة بتوجيه الزبائن الراغبين فى المخلل المستورد لأماكن بيعها، حتى يكسبوا ثقة العملاء بأنهم يعرفون طريق كل ما يرغبون به.
ويقول محمد السيد بمحل مخللات النجوم الشهير بفرع المنيل إن المخلل المستورد له زبائن بالفعل ولا تطلبه الطبقات الشعبية أو حتى المتوسطة، ليس لغلو الأسعار، ولكن لجهلهم به، كما أن المذاق المختلف يجعلهم يعتبرونه طعاماً إضافياً للتجربة مرة أو أكثر ولكن ليس أساسياً، ولن يكون أساسياً على المائدة المصرية على الأقل فى الوقت الحالى.
وعن أشكاله قال إن هناك المخلل الشامى والعراقى؛ بل إن هناك نوعاً هندياً موجوداً ويباع هنا فى الأسواق الكبرى أيضا، وربما يكون الطلب على الشامى وخاصة اللبنانى منه أكثر مع وجود كثير من السوريين والعراقيين واليمنيين فى مصر، كما أن الزبائن من الخليج يأتون خصيصاً لشرائه للولائم والعزائم التى يقيمونها فى مصر.
وقال إن المخلل المستورد يبدأ من ٢٥ جنيهاً، ومكونات الطرشى الشامى تشمل البطاطس والبامية والفاصوليا الحمراء والخضراء وإن كان الطلب أكثر على الأخضر منها، وهناك مطحون يتم استخدام المكسرات فيه، وهو يشبه العجينة أو المهروس المصرى، ولكن بتوابل شامية ونكهة غريبة بعض الشيء على المصريين؛ لكن السوريين والعراقيين يحبونه ويطلبونه بالاسم.
أما عن البهارات التى تستخدم فى هذه الأنواع من المخللات فتكون مستوردة؛ لأن لها تركيبة وتوليفة بعض عناصرها غير موجود فى مصر لا يزرع أو يطحن فيها، لهذا يتم استيرادها أو استيراد المخلل نفسه مصنوعاً لأن زبونه موجود ويطلبه، وهناك أصناف صعب جدا نعملها فى مصر مثل المخلل الهندى، لأن الهنود يخللون كل شيء حتى الورود.
ويضيف أن استخدام البطاطس والباذنجان فى المخلل الشامى موجود، والعراقيون على التحديد يفضلون الباذنجان المخلل، وهو يشبه ما نعرفه باسم بابا غنوج، ولكن فى عبوات مختلفة وباستخدام توليفة بهارات ومياه معينة مما يجعل المذاق غريباً ومختلفاً أيضا.