السبت 1 يونيو 2024

المناطق الحرة الخاصة.. العودة المريبة

10-5-2017 | 13:16

تقرير يكتبه: محمد حبيب

 

تحفظ خبراء اقتصاديون على عودة المناطق الحرة الخاصة فى قانون الاستثمار الذى أصدره مجلس النواب الأحد الماضي، متهمين تلك المناطق بأنها بؤرة للتهريب فضلا عن عدم تحقيق هذه المناطق الهدف المرجو منها فى زيادة الصادرات وجلب مزيد من النقد الأجنبي. ويرى الخبراء أن ضغوط بعض أصحاب المصالح نجحت فى إعادة المناطق الحرة الخاصة على حساب المصلحة العامة، موضحين أن هذه المناطق انحرفت عن مسارها الأساسى فى زيادة الصادرات، وأن ناتجا كبيرا منها يذهب للسوق المحلى وليس للتصدير، وهو ما يضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين المستثمرين فى المناطق الحرة وبين المنتجين المحليين الذين يتحملون المزيد من الأعباء الجمركية والضريبية والإجراءات الروتينية لتسيير أعمالهم، علاوة على تأثر البلاد بالتهريب الذى يتم فى بعض هذه المناطق.

وطالب الخبراء بتشديد الرقابة على المناطق الحرة الخاصة لمنع التهريب بها، وضرورة مواجهة ضرب فواتير التصدير التى يقوم بها بعض أصحاب مشروعات المناطق الخاصة لتقليل العائد الذى يتم دفعه للدولة.

تقول الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس: أنا ضد عودة المناطق الحرة الخاصة مرة أخرى وذلك لأنها وسيلة وباب للتهريب، والحكومة غير قادرة على إحكام الرقابة على هذه المناطق، مشيرة إلى أن قانون الاستثمار عندما قدمته الحكومة إلى البرلمان ألغى المناطق الحرة الخاصة، ولكن مجلس النواب أعاد هذه المناطق الخاصة على أساس مساهمتها فى الصادرات بأكثر من وارداتها بنحو ٢ مليار دولار، ونحن لسنا ضد الاستثمار والتصدير، ولكننا ضد عدم تكافؤ الفرص، فمعظم إنتاج هذه المناطق الحرة يذهب للسوق المحلي، وليس للتصدير، وتستمتع مشروعات هذه المناطق بمميزات وإعفاءات كاملة من الجمارك والضرائب، وبالتالى عدم التكافؤ مع الأنظمة الاستثمارية الأخرى فى مصر، ووفق دراسة ماجستير أشرفت عليها أكد الباحث أن الدولارات التى تخرج من المناطق الحرة أكثر من التى تدخل لمصر منها، وبالتالى فهذه المناطق لا تحقق الهدف منها وآثارها السلبية خطر على الاقتصاد.

وتضيف يمن الحماقى: كان الأفضل إلغاء المناطق الحرة الخاصة وتحويلها إلى مناطق حرة عامة أو نظام آخر يحقق فائدة للاقتصاد، فهذه المناطق الخاصة لا توجد عليها رقابة وساعدت على انتشار التهريب، والغريب أن البرلمان أعاد المناطق الخاصة من دون وضع ضوابط لمنع التهريب بها، أو لتحقيق آليات للاستفادة الاقتصادية من هذه المناطق، ويبدو أن أصحاب المصالح الخاصة ضغطوا لعودة المناطق الخاصة على حساب المصلحة العامة، وكان الأفضل تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة وهو ما لم يحدث بإعادة المناطق الحرة الخاصة فى قانون الاستثمار.

ويرى الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى الاقتصادى المصرى، أن طبيعة المناطق الحرة الخاصة فى مصر لا تسمح بالسيطرة عليها ورقابتها، فهى منتشرة فى أكثر من مكان وليست فى مكان واحد وداخل الكتل السكنية، وليس عليها رقابة فى التصدير ولا فى بيع جزء من منتجاتها فى السوق المحلية، وبالتالى لا تحصل عليها جمارك ولا ضرائب مثل غيرها من المشروعات، فضلا عن أن عدد مشروعاتها كبير تصل إلى نحو ٢٢٢ مشروعا، ومن الصعب وضع على كل مشروع دائرة جمركية ودائرة ضريبية لضبطها.

وأضاف رشاد عبده أن هناك توجها فى العالم لتقليل عدد المناطق الخاصة التى تتمتع بإعفاءات ضريبية، لأنهم اكتشفوا أنها كانت جزءا من الأزمة المالية العالمية طبقا للعديد من التقارير الدولية من بينها تقارير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والتى رأت أنها ضارة باقتصاديات الدول.

وأبدى رشاد عبده استهجانه من طريقة تمرير قانون الاستثمار فى البرلمان، وطريقة تغيير بعض المواد فى اللحظة الأخيرة داخل اللجنة الاقتصادية وفقا لرؤية أصحاب المصالح، والتصويت على القانون تم فى المجمل وليس على كل مادة على حدة، وعندما حدث خلاف حول ٤ مواد تمت إعادتها للجنة الاقتصادية لحسم الخلاف ثم عرضها على اللجنة العامة، وتم «سلق» القانون مع قوانين أخرى فى يوم واحد، وانتصرت إرادة رجال الأعمال من النواب والذى يصل عددهم نحو ٩٧ رجل أعمال نوابا فى البرلمان ضغطوا لصالح تمرير القانون بشكله الحالى الذى يحقق مصالحهم بعيدا عن المصلحة العامة.

ويقول الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادى إن فلسفة المناطق الحرة الخاصة فى مصر انحرفت عن الهدف الأساسى لها وهو توجيه إنتاجها للتصدير، وبالتالى زيادة مواردنا من العملة الأجنبية، فمعظم إنتاج هذه المناطق الخاصة يوجه للسوق المحلى وتتمتع هذه المناطق بإعفاءات كاملة وتدفع للدولة فقط ١٪ من حجم مبيعاتها سنويا، وهذا أمر غير مفيد للاقتصاد المصري، فالمناطق الخاصة كان يفترض أنها تعمل على زيادة الصادرات وتوفير عملة صعبة كبيرة لكن تم التحايل عليها، ولم تحقق الهدف منها، وبالتالى كان يجب عدم عودتها، لأنها لم تحقق الهدف المنشود منها ولم نستفد منها مثلما فعلت الدول الأخرى التى تطبق هذا النظام.

 ويرى النائب محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات أن المناطق الحرة الخاصة باعتراف وزراء المالية والتجارة والصناعة لم تحقق الهدف المرجو منها عبر السنوات الطويلة الماضية وهو أمر حقيقى حيث إن هذه المناطق الخاصة عبء على الاقتصاد ولم تحقق العائد منها فى زيادة الصادرات بنسبة كبيرة وبها مناطق تحولت لبؤر للتهريب الذى يهدر على خزانة الدولة ملايين الجنيهات سنويا ما بين تهرب بضائع والتهرب من سداد الرسوم الجمركية. ولكن لا يعنى هذا إلغاء المناطق الخاصة بل لابد من سد الثغرات فى هذه المناطق للقضاء على التهريب وتحقيق عائد اقتصادى من هذه المناطق.

وأشار محمد المرشدى، إلى ضرورة وجود رقابة ٢٤ ساعة على هذه المناطق الخاصة لمنع التهريب، فضلا عن ضرورة الرقابة على وارداتها فى الجمارك وأثناء التصدير لأنه للأسف لا يتم الكشف عن واردات هذه المناطق وتعامل كأنها خارج البلاد بدون كشف على الحاويات الخاصة بها، وبالتالى يجب على وزارة المالية تشديد الرقابة لمنع التهريب وحصول الدولة على عائد مناسب من هذه المناطق.

من جانبه يرى الدكتور أسامة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد والاستثمار أن المناطق الحرة الخاصة هى أكبر محفز للاستثمار الأجنبى وأن قرار البرلمان بعودة المناطق الحرة الخاصة هو قرار جيد ومردوده إيجابى على الدولة وزيادة الموارد النقدية، وهذه المناطق الخاصة ليست بدعة وهى موجودة فى كل دول العالم لأنها تجذب استثمارات أجنبية ونقدا أجنبيا لأى دولة.

ويقول حسام الحداد، رئيس هيئة المناطق الحرة بالهيئة العامة للاستثمار إن المناطق الحرة الخاصة هى أحد أنظمة الاستثمار فى مصر والتى تضم ٣ أنظمة، هى المناطق الحرة العامة، والمناطق الاستثمارية، والمناطق الحرة الخاصة، ونشأت المناطق الحرة الخاصة عام ١٩٧٤ بهدف زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمارات.

ويتميز الاستثمار بالمناطق الحرة بعدة ميزات، منها حرية اختيار مجال الاستثمار، وحرية تحويل الأرباح والمال المستثمر، وحرية الاستيراد من السوق المحلى أو الخارجي، وحرية تسعير المنتجات من السلع والخدمات، وحرية الاستيراد والتصدير دون القيد بسجل المصدرين والمستوردين، وتتمتع المناطق الحرة الخاصة بإعفاء الأصول الرأسمالية للمشروع ومستلزمات الإنتاج من الضرائب والرسوم الجمركية، وإعفاء واردات وصادرات المشروع من وإلى الخارج من الضرائب والرسوم الجمركية، وإعفاء كامل المكونات المحلية من الرسوم الجمركية فى حالة البيع للسوق المحلي.

كما تشمل إعفاء السلع الواردة ضمن تجارة الترانزيت محددة الوجهة من رسم المنطقة الحرة فور ورودها.

المزايا الكبيرة والإعفاءات الكاملة كانت سببا مباشرا فى الإقبال على الاستثمار فى المناطق الحرة الخاصة وبلغ عدد مشروعات المناطق الحرة الخاصة القائمة فى مصر ٢١٨ مشروعًا برءوس أموال ٥.٠٨ مليار دولار.

فى مقابل كل هذه الإعفاءات والامتيازات لا تحصل الدولة من هذه المناطق الحرة سوى على ١٪ فقط من حجم مبيعاتها، والتى تصل لحوالى ١٢٥ مليون دولار فقط عام ٢٠١٤/٢٠١٥ وذلك وفقا لرئيس هيئة المناطق الحرة بهيئة الاستثمار.

كما أن حجم واردات المناطق الحرة الخاصة أكبر من حجم صادراتها ولا يزيد عدد العاملين بها عن ٨٢ ألف عامل من إجمالى ٣٠ مليون عامل فى قطاعات الدولة والقطاع الخاص. وهناك بعض الشركات تتلاعب فى فواتير التصدير حيث تم اكتشاف حصول إحدى الشركات على ٣٠٠ مليون دولار غير أنها تسجل فى مستنداتها الرسمية ٢٠٠ ألف دولار فقط مما يخفض من قيمة الرسوم التى تحصلها الخزانة العامة للدولة.

وعلى مستوى الصادرات والعائد من النقد الأجنبى تكشف الأرقام أن المناطق الحرة الخاصة، أخفقت فى تشجيع التصدير، وتوفير موارد النقد الأجنبى، رغم أنها أحد أبرز الأهداف المرجوة من إنشائها، وبلغ إجمالى المشروعات بنظام المناطق الحرة الخاصة فى نهاية يونيو ٢٠١٦، حسب التقارير الرسمية ٢١٨ مشروعا، موزعة بواقع ١٣٢ مشروعا صناعيا، و٨٠ مشروعا خدميا، و٦ مشاريع تخزينية، كما بلغ إجمالى رءوس أموال هذه المشاريع ٥.٠٨ مليار دولار، منها ٣.٣٠٦ مليار دولار للمشاريع الصناعية، و١.٧٥٧ مليار للخدمية.

وبلغت المساهمات الأجنبية فى رءوس الأموال لهذه المشاريع مليار دولار، بنسبة ٢٠٪، فيما بلغت التكاليف الاستثمارية لمشروعات المناطق الحرة الخاصة ١١.٦٤٥ مليار دولار. وتصل العمالة الفعلية المصرية بهذه المشروعات ٨٢ ألف عامل، منها ١٤٣١ عاملا أجنبيا، وتبلغ المساحات التى تشغلها هذه المشروعات ٧٨٠ فدانا.

وبلغ إجمالى إيرادات المناطق الحرة الخاصة خلال الفترة من أول يوليو ٢٠١٥ إلى نهاية يونيو ٢٠١٦، نحو ٣٠.٥ مليون دولار، موزعة على الصناعى بواقع ١٤.٤ مليون دولار، والخدمى ١٤.٧ مليون، والتخزينى ١.٥ مليون دولار.

كما بلغت الصادرات الإجمالية «سلعية وخدمية» ٤.٠٤٣ مليار دولار.

وبحسب الإحصائيات، فإن المبيعات للسوق المحلية مازالت تمثل نسبة كبيرة من ناتج هذه المناطق، ما يؤدى إلى وجود منافسة غير عادلة للمنتجين المحليين، الذين يتحملون المزيد من الأعباء الجمركية والضريبية والإجراءات الروتينية اليومية لأجل تسيير أعمالهم.

وذكرت التقارير أن قيمة الواردات لهذه المناطق فاقت قيمة الصادرات بنسبة ٤٠٪، ما يعنى أن الهدف من توفير عملة أجنبية وزيادة الإيرادات غير محقق ولن يتحقق بالوضع الحالى، أو باتباع نفس الوسائل والأساليب السابق استخدامها، ويدل هذا أيضًا على استيراد منتجات شبه تامة وتصديرها إلى داخل البلاد دون إجراء عمليات تصنيع جوهرية على السلع والخدمات.