الجمعة 27 سبتمبر 2024

سامح فايز الفائز بجائزة ساويرس للنقد: إبداع المنتقبات تم تفسيره بشكل خاطئ.. وأصبح هناك نجومية للكاتب

سامح فايز وغلاف كتابه الفائز

ثقافة25-5-2021 | 22:48

حاوره - عبدالله مسعد

التيارات السلفية تتعامل مع الأدب من منطلق العلم الذي لا ينفع

كُتاب الظل كانوا مرفوضين من الحركة الكلاسيكية النقدية 

الكُتاب والنقاد عالمين يسيران بالتوازي لكنهما لا يعرفان شيئا عن بعضهما

 

 

منذ أيام قليلة أعلنت قائمة الفائزين بجائزة ساويرس الثقافية للنقد الأدبي وكان من ضمن هؤلاء الفائزين الكاتب الصحفي سامح فايز عن كتابه "حكايات عن القراءة" والصادر عن الدار المصرية اللبنانية.

وفي تصريحات خاصة لـ "بوابة دار الهلال" قال الكاتب الصحفي سامح فايز: "إن جائزة ساويرس في النقد الأدبي هي واحدة من اهم الجوائز التي اتشرف بفوزي بها، فهي مهمة ورصينة، واعتقد اني ثاني صحفي افوز بهذه الجائزة، وأني من شدة دهشتي لم اكن متيقنا من صحة خبر فوزي بالجائزة، فالجائزة جاءت في وقتها فهي دفعة معنوية كبيرة في ظل احباطات كثيرة.

وقال فايز: إن كتاب "حكايات عن القراءة" عبارة عن موضوعات استقصائية بدأت العمل عليها منذ عام ٢٠١٤، والموضوعات تلك تطلبت الكثير من العمل فقد عكفت عليها طيلة خمس سنوات حتي عام ٢٠١٨، وذلك بسبب صعوبة الوصول لقواعد البيانات والتفاصيل المتعلقة بصناعة النشر وصناعة الكتاب في المنطقة العربية".

وتابع الصحفي سامح فايز حديثه عن كتابه قائلاً: "في البداية لم يكن في مخيلتي أن أخرج تلك الموضوعات في صورة كتاب، ولكني كنت اجيب عن مجموعة من الأسئلة والفرضيات التي احاول حلها والمرتبطة بصناعة النشر انطلاقا من فترة ٢٠١١ والاحداث التي مرت بها المنطقة العربية ومصر والتي كان لها عظيم التأثير على كل المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وكان من ضمن تلك التحولات والتأثيرات المستوى الثقافي، لكن للأسف الاهتمام بالجانب الثقافي والتغييرات الثقافية ليس كبير وحتي تلك الكتابات التي كانت موجودة في هذه المنطقة كانت إما اكاديميه او إنها لا تتناول التأثير على الفرد، والإجابات عن تلك الاسئلة والفرضيات قد اكتملت نوعاً ما في ٢٠١٩ بعد رحلة بحث كبيرة وشاقة".

وكان من ضمن الموضوعات التي ناقشها الكاتب الصحفي سامح فايز في كتابه الفائز بجائزة ساويرس الثقافية أدب الرعب، والذي قال عنه الكاتب خلال حديثه الخاص مع بوابة دار الهلال: "كان من ضمن اهداف الكتاب دراسة توجهات القراءة عند الشباب من سن  ١٣ حتي ٢٥ في الفترة من ٢٠١٠ وحتي ٢٠١٨، وقد لاحظت أنه خلال تلك الفترة كان هناك ظواهر عدة مرتبطة بنوعيات كتابة يهتم الشباب بقراءتها بداية من ادب الرعب والخيال العلمي وأدب الفانتازيا في ٢٠١٢ و٢٠١٣و٢٠١٤، فقد كان لهذه النوعيات السيطرة بشكل كبير جداً بالإضافة إلى أدب الجريمة والرواية البوليسية".

وأوضح سامح خلال حديثه أسباب تلك السيطرة فقال: "كانت لهذه السيطرة عدة أسباب قد درستها والتي من ضمنها رؤية علم نفس الإبداع ورؤية علماء الاجتماع والرؤية الاقتصادية المرتبطة بالصناعة، وكان من ضمن هذه التفسيرات ما هو مرتبط بالاحداث السياسية وصاحب هذا التفسير هو الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الراحل حيث اشار إلى ان لجوء الشباب لقراءة أدب الرعب والخيال العلمي هو نوع من الهروب من واقع دموي اصاب المنطقة في فترة الانفلات الأمني لواقع اكثر دموية يصل بهم إلى إحساس أن هناك مما مروا به".

ومن ضمن التفسيرات التي ذكرها الكاتب ايضاً تفسير مرتبط بتأثر تلك الاجيال بكتابات الكاتب الراحل نبيل فاروق بشكل خاص والراحل احمد خالد توفيق، حيث قال فايز في حواره: "قد اصبح هناك اجيال صاعدة تحاكي مثل هذه الكتابات إلى جانب اتساع رقعة قراء ادب الجريمة والذي كان مرتبط بالكاتب أحمد مراد خاصة في عام ٢٠١٢، وهذا خلق حلم لدى الكثير من الشباب بالدخول في مثل هذه التجارب الكتابية، وإن في هذه الفترة بدأ مصطلح "الكاتب النجم" في الظهور والتردد على الآذان، فهو ليس مجرد كاتب يطبع ألف نسخة من روايته بل إنها تبيع آلاف النسخ ثم تتحول بعد ذلك إلى فيلم فأصبح هناك نجومية للكاتب يسعى الجميع خلفها".

ويضيف فايز في هذا الصدد قائلاً: "هناك تفسيرات مرتبطة بالصناعة نفسها -صناعة الكتب والنشر- فهناك دور نشر قد نشأت في هذه الفترة لا تنشر سوى أعمال أدب الرعب فقط".

ومن الموضوعات التي ناقشها الكاتب الصحفي سامح فايز في كتابه هو موضوع ابداع المنتقبات، فقد عمل على هذا التحقيق عام ٢٠١٦ فقال: "إن الهدف من هذا التحقيق ليس الحجر على فئة معينة في الكتابة، فالكتابة متاحة لأي شخص أيا كان نوع ملابسه، فالبعض فسر الأمر بشكل خاطئ وكان الهدف من التحقيق هو إبراز تحولات السلفية والإسلام السياسي في التعامل مع فكرة الأدب والرواية، لأن ما قبل ٢٠١١ كانت التيارات السلفية وتيارات الاسلام السياسي تتعامل مع الادب بمنطق العلم الذي لا ينفع، وكانت كل محاضراتهم وكل شيوخهم يوجهوهم إلى عدم قراءة الروايات لانها كافرة".

وتابع فايز حديثه حول هذا الموضوع الشائك قائلا: "بالفعل قد تم تكفير كتاب وأدباء وتم محاولة اغتيال البعض فهناك من فشلوا في اغتياله ومنهم من قتل على أيديهم، وقد كنا على مسمع من تلك التظاهرات التي خرجت من اجل مصادرة روايات او عدم نشرها، كما اننا لا ننسى أزمة الروايات الثلاث التي طبعتهم الهيئة العامة لقصور الثقافة لتوفيق عبد الرحمن ومحمود حامد وياسر شعبان، ولا ننسى ايضاً روايات حيدر حيدر الذي طلب التيار الإسلام السياسي مصادرتهم.

وأضاف فايز: "فهم كانوا يتعاملون مع هذا النوع من الأدب اما انه يزدري الاديان او انه علم لا ينفع، وفجاءة حدث تحول ايديولوجي خطير جداً يجب أن ننتبه له بعد ٢٠١١، حيث إننا قد رصدنا اكثر من ٣٠ روائية منتقبة ورواياتهم آلاف المبيعات، ولدرجة أن حفلات التوقيع لهؤلاء الروائيات في معرض الكتاب كانت بها طوابير طويلة تصل إلى اكثر من الفي قارئ وقارئة أغلبهن من المنتقبات، فهذا يدل على ان ثمة تحول ايديولوجي في هذه الفئة مرتبط بالتحول السياسي وكانت مهمتي كصحفي وباحث ان اجد هذا السبب في التحول".

وكان من ضمن الاسباب التي وصل إليها الكاتب الصحفي سامح فايز في كتابه الفائز بجائزة ساويرس الثقافية هو ذلك التحول الذي كان مرتبط بالدور الذي كان يقوم به الدعاة الجدد والشيوخ السلفيين في فترة ما بعد ٢٠١١ عندما انكشفت حقيقة امرهم وتجارتهم بالدين وبدأ الشباب في الانصراف عنهم في هذه الفترة بدأ تيار الإسلام السياسي ملاحظة أن الرواية هي الاكثر انتشارا بين الشباب فأصبحت الرواية هنا مدخل لتيارات الإسلام السياسي لتقديم افكارهم من جديد، ولذلك فإننا نلاحظ ان اغلب هذه الروايات هي دعوية تنشر في دور نشر منتمية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبعض هذه الدور قد صدر في حقها قرار بالتحفظ ضمن لجنة التحفظ على أموال الإخوان المسلمين في ٢٠١٨".

واضاف فايز: "معنى ذلك أن الموضوع مدروس ومخطط له بشكل جيد فتيارات الاسلام السياسي تحاول احتواء عدد كبير من الشباب عن طريق هذا الشكل الجديد ولا اقول ان كل الكتاب المحافظين والكتابات المنتقبات ينتمون لهذا المنهج، فهناك كاتبات يقدمن أعمال روائية مميزة وبعضهن قد خلع النقاب بعد فترة مثل الروائية ياسمين حسن حيث قدمت روايتها "مارية" وهي منتقبة وخلعت النقاب بعد ذلك، وايضا الروائي السلفي ماجد شيحة فأعماله الروائية مميزة، ويمكننا القول ان اغلب المنتمين لهذه الظاهره هو شخص يروج لأجندة خارجية او يتم استغلاله كباب خلفي لنشر افكار تيارات الإسلام السياسي".

ومن ضمن الموضوعات التي ناقشها الكاتب ايضاً هي تلك الفجوة التي تكونت بين النقاد والكُتاب فيقول فايز: "لا يمكنني أن اوجه الاتهام لطرف من الاطراف لأن الذي حدث صعب الاستيعاب على كلا الطرفين، فثورة تكنولوجيا المعلومات خطواتها متسارعة للغاية اكبر من قدرة أي جماعة، وهناك عالم افتراضي بدأ ظهوره من فترة ليست بالبعيدة يشتمل على المدونات والفيس بوك وتويتر، فبدأ هذا العالم إنتاج آلاف من الكُتاب والقراء، بعيدين تماماً عن المشهد النقدي الكلاسيكي بأدواته المعروفة سواء دور النشر أو المكتبات، فالمجموعات التي ظهرت على ساحة السوشيال ميديا لا يوجد أحد مهتم بها إلى جانب أن الاعداد المهولة التي تصدر من الروايات سنوياً ويصل عددها إلى خمسة آلاف رواية يجعل من الصعب على اي عدد من النقاد ان يتابعهم جميعاً، مما دفع النقاد إلى التركيز مع الكُتاب الاشهر او دور النشر الاكثر قربا للمشهد الثقافي الكلاسيكي المعروف مما قبل ٢٠١١، أما تلك المجموعات التي ظهرت وتأثرت بتلك الثورة المعلوماتية يكن هناك من يهتم بها، مما جعل هناك عالمين يسيران معا بالتوازي لكن كلامها لا يعرف شيئاً عن الآخر".

وتابع فايز حديثه قائلاً: "في خلال العامين الماضيين بدأت تلك الحواجز في التحطم فأصبح هناك إزاحة ثقافية مارستها تلك المجموعات التي ظهرت عن طريق السوشيال ميديا فبدأت بإزاحة ذلك المشهد الكلاسيكي وتفرض نفسها على الساحة الثقافية، بدليل ان عدد من هؤلاء الكُتاب المنتمين لهذه المجموعات قد حصلوا على عدة جوائز منها جائزة ساويرس والشيخ زايد".

وعن كُتاب الظل الذين ذكرهم فايز في كتابه الفائز بجائزة ساويرس الثقافية قال: "هم مجموعة من الشباب المتأثرين بالحركة النقدية في ٢٠١١و 2012 وكانوا مرفوضين من الحركة الكلاسيكية النقدية ولا يهتم بهم احد والغريب ان واحد من هؤلاء الكتاب الذين تناولتهم في ذلك الشان قد فاز بجائزة الشيخ زايد للأدب والاخر فاز بجائزة ساويرس الثقافية، بالإضافة إلى ان هناك اثنين منهم ينشرون في دور نشر كبيرة ولهم اعمال مميزة وموجودة بقوة، فمعنى ذلك أنهم تمكنوا من فرض انفسهم على المشهد الثقافي".

وأكد فايز خلال حديثه على ان الكتاب بالكامل يدور حول تأثير التحول الرقمي وعصر الذكاء الاصطناعي في صناعة النشر فيقول: "كان هناك مليون مستخدم للإنترنت سنة ٢٠٠٠ في مصر وبمرور الوقت اصبح هناك مليون مستخدم لفيس بوك في ٢٠١٠ وفي ٢٠١٦ اصبح هناك ٤٤ مليون مستخدم للإنترنت في مصر، فهي ارقام ضخمة تقدم الملايين من المستخدمين الذين يمارسون فعل الكتابة، وأغلب هذه الكتابات قد تحولت بالفعل إلى كتب منشورة وكانت البذرة الاولى لتلك الكتابات مع عصر المدونات الإلكترونية.

ففي عام ٢٠٠٥ كان هناك ١٥٠ مدونة في مصر وهذا الرقم قد ورد ضمن دراسة نشرها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وكانت النسبة الأكبر في هذه المدونات لشباب يكتبون كتابات ثقافية مما دفع دار الشروق ان تقدم سلسلة مدونات الشروق عام ٢٠٠٨، وتقدم كتابات هؤلاء الشباب في صورة كتب، وقد خرج من ضمن هذه السلسلة السيناريست غادة عبد العال صاحبة كتاب "عايزة اتجوز" الذي تحول إلى مسلسل بعد ذلك، وخرجت ايضاً رحاب بسام والتي كانت مسؤولة النشر في وقت سابق لدى دار الشروق.

واضاف فإننا نبرز هنا كيف كان للسوشيال ميديا ووسائط المعلومات دور في تقديم نوع جديد من الكتابات قائم على التكثيف الشديد المتأثر بشكل الكتابة على السوشيال ميديا سواء فيس بوك او تويتر او المدونات، وأن هناك مجموعة كبيرة من الشباب تفرض وجودها عن طريق السوشيال ميديا ولا تنتظر اعتراف من ناقد او مجلة، إلى جانب ارتباط بعض هذه الوسائط بشكل كبير بعملية القراءة مثل موقع "Goodreads" " موقع القراءة الاشهر في العالم فهو لديه ما يقرب من ٥٠ مليون مستخدم منهم ٢٠ مليون في امريكا وحدها.

وطبقا لدراسة غير منشورة للدكتور خالد الغمري استاذ الكمبيوتر في جامعة عين شمس والمقيم في امريكا حاليا قال: إن مصر في ٢٠١٦ كانت الدولة رقم ١١ على مستوى العالم في استخدام الموقع بمعدل ٥٠٩ آلف قارئ سنوياً، وأن القاهرة هي المدينة الخامسه على مستوى العالم استخداما للموقع، ويلي مصر في هذه الدراسة المملكة العربية السعودية، وتلك المؤشرات تبرز دور السوشيال ميديا في اتساع رقعة القراءة مما يدفعنا للحديث عن نقطة مهمة وخطيرة تروجها وسائل الإعلام العربية حتى اللحظة وهي ان متوسط قراءة المواطن العربي ٦ دقائق في السنة.

واردف سامح قائلا: كان يمكن قبول ذلك منذ ٢٠ عام لكن يستحيل قبوله اليوم خاصة بعد التحولات السياسية المهمة التي حدثت في المشهد العربي انطلاقا من ٢٠١١ وفي مصر تحديداً من ٢٠١٣، بدليل إني خلال رحلة بحثي بحثت عن اصل ذلك الرقم فوجدته ورد في تقرير لمنظمة اليونسكو نشر عام ٢٠٠٣، ومعنى ذلك انه لا يوجد اي تقارير تم الاعتماد عليها خلال اكثر من ١٨ سنة واننا قد توقفنا عند نقطة واحدة دون مراعاة التحولات السياسية الخطيرة في المشهد السياسي في المنطقة العربية ومصر بداية من ٢٠٠٢وظهور روايات "الاكثر مبيعا" مروراً بـ ٢٠٠٥ والتحولات السياسية حينها ومروراً بـ ٢٠١٠ و٢٠١١واحدث يناير والربيع العربي وصولاً لـ٢٠١٣ وثورة ٣٠ يونيو فهذه الاحداث كان الفاعل الاكبر فيها هم الشباب ومعني ذلك ان ثمة مستوى ثقافي معين لدى هؤلاء الشباب قد دفعهم إلى ارتكاب هذه الاحداث.

وفي نهاية الحوار قدم الكاتب الصحفي سامح فايز الشكر للدار المصرية اللبنانية على شاجعتها ونشرها للكتاب حيث قال: قد انتهيت من الكتاب قبل عامين من نشره ولكني كنت متخوف من عدم وجود دار نشر يمكنها أن تنشر كتاب نقدي لكاتب صحفي، لكن الدار المصرية اللبنانية قد تشجعت له ونشرته.

وعما يخطط له فايز خلال الفترة المقبلة قال: "إني في هذه الفترة اعمل على مشروع جديد خرجت فكرته من داخل حكايات ذلك الكتاب -حكايات عن القراءة- فالمشروع مرتبط بصناعة النشر في العموم والمواجهة التي تحدث بين متطلبات الصناعة والجودة الفنية في ظل عالم جديد تحكمه قوانين منظمة التجارة العالمية والتي لا تعرف شيئا عن قوانين الملكية الفكرية او معايير الثقافة ومبادئها مما يدفع بنا إلى النظر إلى ذلك الجدل الذي يقوم به النقاد حين ظهور فيلم او صدور عمل ركيك دون المستوى مطالبين منعه متجاهلين ان عصر المنع قد انتهى وأن المنتج الثقافي مثله كمثل اي منتج يباع يجب ان يتناسب مع ما يحتاجه القارئ.