الأحد 5 مايو 2024

إنتاج العقل الارهابي

مقالات26-5-2021 | 23:33

إن الفكر الإرهابي هو النتيجة البشعة لعملية بيولوجية ، لكنه ليس مرضا يمكن علاجه أو سرطانًا يمكن استئصاله من الجسد المادي ولابد من كسر الحلقة المفرغة التي تؤدي إلى الإرهاب وهذا يتطلب تغيير العوامل البيئية التي تغذيه.

تكمن المعركة الحقيقية لمكافحة الإرهاب في معركة الأفكار والأساليب التي يستخدمها الإرهابين للتجنيد ، فإذا لم نتمكن من مواجهتها ، فهذه الحرب لن تنتهي أبدا ، لذلك يجب أن تركز جهود مكافحة الإرهاب على مكافحة اصحاب الخطابات المتطرفة الفعالة، بمعالجتها بأسلوب الوقاية لدي الشخص المتلقي نفسه وايضا اجهاضها في وسائل إيصالها عبر تقنيات الاتصال

والسؤال، كيف يمكن للإنسان أن يتحدى واحدة من أقوى غرائز البقاء لدينا ، ألا وهي الحفاظ على الذات، ويقدم علي العمليات الانتحارية إما باسم المعتقدات الدينية أو الأيديولوجيات السياسية؟

نهدف هنا إلى الإفادة لقارىء مقالي هذا ، وسوف تجد بنفسك طرقًا للتعرف علي كيفية حماية نفسك والحفظ علي أبناءك،  فقد دونت عام ٢٠١٧ مبادرة الاتحاد العربي الافريقي لمكافحة الفكر المتطرف وتم تسجيل هذه المبادرة بالمجلس الأعلي لوزارة الثقافة في.حقوق الملكية الفكرية وقدمنا العديد من الفعاليات لمكافحة التطرف الفكري حيث ان مثل هذه التوعية سوف تعمل علي إبطاء نمو تجنيد الطوائف الارهابية المدمر، علاوة على ذلك تحتاج عائلات أخري لنصحك وإرشاد في بعض ما تعانيه افردها من ذلك أو أصدقاءك الذين تم تجنيدهم في طائفة ما إلى فهم ما حدث وأن يتم توجيههم او بشأن تعليمهم ما يجب القيام به وما لا يجب فعله.


ولكن ما هي الآليات النفسية والعصبية التي قد تفسر كيف يمكن أن يتحول إرهابي إلى مفجر انتحاري؟ على وجه التحديد ، كيف يمكن  إقناع المفجر الانتحاري المحتمل بوجود مكافأة تنتظره في الحياة التالية؟

على الرغم من إيحاءات علم النفس الشعبي لهذا المفهوم ، يبدو أن غسل الدماغ هو التفسير الأكثر ترجيحًا.

من المؤكد أن الخطاب العقلاني وحده لن يكون فعالًا في إقناع الشخص بالتخلي عن حياته عن طيب خاطر. عادة ، يتمرد العقل، لتحييد هذا الدافع نحو الحفاظ على الذات ، يجب استخدام بعض الوسائل - على الأقل في البداية - للتغلب على غريزة الانتحاري المحتملة المتأصلة بيولوجيًا للحفاظ على حياته،يجب أن نفترض أن سلوكهم هو نتيجة لتلقين قوي وفعال ومستدام علي عقل الضحية من قبل مجموعة دينية أو سياسية باستخدام تقنيات مجربة عبر الزمن للتجنيد والإقناع والتحويل، بحيث يزرع في نفسية الضحية انه رجل عظيم فهو جزءًا من نخبة تخوض كفاحًا بطوليًا لتصحيح الظلم في عالم قاسٍ، حيث يتم تسهيل مهمة إنتاج العقل الإرهابي بشكل كبير من خلال البدء في مرحلة الطفولة ، عندما يمكن تكييف الصبي أو الفتاة للتفكير فقط كما يملي معلمه او بالتوقف عن التفكير على الإطلاق، والسمع والطاعة فقط دون مناقشة،  لدرجة ان ادبيات الاخوان في أسر تربية شباب الآخون اساس تعليمهم هو مبني علي مبداء السمع والطاعة وأشهر ما يقال لهم "انت بين يدي معلمك مثل الميت بين يدي مغسله" فيزودنهم بأهداف تثير الكراهية وتسبب للإيذاء، كما في خطبهم اللاذعة المسمة المليئئة بالعداء والكراهية ، ووعدهم المعادية للمجتمع وحياتهم مليئة بالصراع وأكثر إثارة بكثير من حياتهم العاطفية الذابلة، حيث يقدم اولئك الله علي انه حليفًا لهم، و منتقم يتوق لهم لإبادة أعدائهما، كما يؤدي تدريبهم لضحاياهم إلى زيادة غضب المشجعين وعمليات غسيل الدماغ الذين يقومون بها فيجردوهم من أي شعور بالذنب أو الندم ، ويهيؤنهم للقتل دون تفكير، ويؤججون الدافع المعقد للإرهابي الانتحاري بإن يصور له ان موته مطلوب لنجاح مهمته ، لكنه مضمون أنه سيصعد إلى الجنة المجيدة.


 ويوم بعد يوم نرى أن سميتهم تستمر في إفساد عقول وسلوك الضعفاء، حيث يعاني الضحايا من تدني احترام الذات ، وينجذبون إلى مجموعات ذات قادة يتمتعون بالكاريزما، فالكلمات القوية والمشاعر العاطفية مزيج مثير للدماغ البشري، عندما تتحدث الكلمات عن التعاطف وتكون العاطفة هي التعاطف ، فإنها يمكن أن تثير أعمال شجاعة هائلة، فعمالية غسيل الدماغ بالكلمات التي تدعو إلى الانتقام وتثير مشاعر العداء يمكن أن تشعل النار، والتحدي الذي يواجه أولئك الذين يغسلون العقول واضح غسل دماغ الشباب وتحويلهم إلى طوائف متطرفة وانتحاريين ، هو ذاته ما يسمي في الطب النفسي باضطراب الهوية بسبب الإقناع القسري المكثف وهذه الحالة تتخذ عدد صور فقد تكون في صورة غسيل الدماغ  او إصلاح الفكر او التلقين أثناء الأسر او التعذيب او وعلى المدى الطويل السجن السياسي أو التجنيد من قبل المنظمات الإرهابية وهذا قد يؤدي إلى تغييرات لتغيير في هويتهم.

لقد زادت ظاهرة الأشخاص والمنظمات الذين يستخدمون تقنيات التأثير  لتجنيد الشباب وأحيانا كبار السن وتلقينهم عقائدًا وبائية، بينما تم التركيز في كثير من الدراسات علي المناهج التي تركز على الضحية واستخدامها في مجالات الاتجار بالبشر ، لم يتم إيلاء اهتمام يذكر للتقنيات الفعلية والأساليب السلوكية التي يمكن استخدامها لاستيعب شخص ما في "هوية زائفة" جديدة تابعة لهم وطاعة لهم .

فأحد أساليب التحكم في المشاعر الرئيسية هو تلقينهم وغرس مخاوف غير عقلانية للتشكيك في السلطة أو القيادة أو العقيدة لأنها ستؤدي إلى عواقب سلبية مرعبة، تحتوي معظم الطوائف الدينية المتطرفة في جميع الأديان على تهديدات مثل الذهاب إلى الجحيم.  

يبدو أن القادة الذين يخلقون الطوائف بارعون في إحداث حالات متغيرة من الوعي لدى أتباعهم، تشير الأبحاث إلى أن كل من نصفي الدماغ ، الأيمن والأيسر ، لهما وظائف عصبية منفصلة، يُنظر إلى كل جانب من جوانب الدماغ على أنه يمتلك طرقًا مختلفة لإدراك الواقع ، ويشارك بالفعل في واقع مختلف إلى حد ما. بشكل عام ، الدماغ الأيسر عقلاني وتحليلي ولغوي، أما الدماغ الأيمن أكثر انخراطًا في الحركة ، والصور ، والاستعارة، عن طريق تكتيكات مثل "تحميل اللغة" .

  يبدأ زعيم الطائفة ومساعديه في استبعاد أو تعمي الكليات الحرجة لنصف الدماغ الأيسر.

بالحديث في الاستعارات والكلمات المبتذلة التي تروق لنصف الدماغ الأيمن غير المتطور والمتخلف عادةً لمعظم الأفراد ، حيث يتولى قادة الطوائف تدريجياً عمليات التفكير الخاصة بقطيعهم من الضحايا، وأيضا يعتمد  بعض قادة الطوائف الإرهابية على تقنيات مثل الأدوية المخدرة وتغيير الحالة المزاجية ، والأنظمة الغذائية غير الغذائية ، واشتقاق النوم ، والتكرار الرتيب للخطاب أو الشعارات الدينية للسيطرة على أتباعهم في العقل والجسد والروح، حيث تؤدي هذه الممارسات مجتمعة إلى حالة من الارتباك النفسي وبالتالي الاعتماد على القائد ومبادئه، حيث يقع الشخص التابع في عوالم متناقضة على ما يبدو من كل من المبالغة في التحفيز مستخدمين التكرار اللامتناهي للطقوس والعقيدة او بالتقليل ايضا مثل الحرمان الفكري والجسدي وفي هذه الحالة ، يكون عرضة للصراع بين نصفي الدماغ ، ونتيجة لذلك ، يثبط أحد الجانبين الآخر في محاولة لقمع التصورات، كما يعد استخدام التنويم المغناطيسي بالإضافة إلى تقنيات التأثير الاجتماعي باستخدام الخداع والتلاعب المنهجي مجالًا خصب  فيتم برمجة الشخص لقبول مجموعة من المعتقدات كا أن يتم تشجيع الشخص على أن يكون مخادعاً ، وأن يقطع الاتصال بالعائلة والأصدقاء.

في السنوات العديدة الماضية ، أظهر داعش ، والإخوان وبعض الجماعات المتطرفة تطورًا ملحوظًا في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد وتلقين الناس ليصبحوا إرهابيين حيث يشعر الشباب اليوم براحة تامة عبر الإنترنت ويقضون ساعات على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة مقاطع فيديو علي اليوتيوب والدردشة عبر هواتفهم الذكية. يستخدم مجندو الطوائف دعاية بأسلوب هوليوود للتأثير على الشباب حيث تستخدم ألعاب الفيديو الشهيرة  وأفلام مثل متريكس لجذب عقول الشباب. 

إن خطة وطريق هؤلاء ملتوي لجعل الشخص الضحية يشعر وكأنه شخصية البطل الشجاع الذي يحارب الشر ولكن هناك العديد من أشكال التأثير المستخدمة. على سبيل المثال ، يعتبر "الشعر الثوري" طريقة أخرى للتأثير على الشباب وإلهامهم وتلقينهم عقائديًا.

حيث يؤكد علي المجندون الضحايا من الشباب بضرورة على عدم إخبار أي شخص وخاصة الآباء والأصدقاء، يجب أن يكون هذا بمثابة علامة حمراء وضوء أحمر ، عندما يخبر شخص غريب حقًا شخصًا ما ألا يثق بأحبائه ويثق بهم بدلاً منهم.


ونري طائفة داعش الارهابية التي تمارس أعمال عنف شديدة بما في ذلك قطع الرؤوس والاغتصاب والإعدام والتفجيرات ، لم يعد الخوف مجرد خوف نفسي غير عقلاني بل هناك خطر حقيقي الذي  يمارس سيطرة قوية على العقل، كما أنها تركز علي تجنيد النساء في أوروبا الغربية فأي النساء يجندهن الإرهابيون؟


 فهم يبحثون عن النساء المصابات بصدمات نفسية بسبب الاغتصاب أو الإجهاض أو الطلاق أو عدم إرضاء زوجها وأسرتها او بأي شكل آخر، يتم التعامل معك على أنك عديم القيمة من قبلهم ، ويتم تجنيدهم باستغلال تلك الظروف فيقول الإرهابيون لهم  ان الشيء المثمر الوحيد الذي يمكنك القيام به الان هو القتال من أجلنا، هذا هو السبيل الوحيد لنصرة الدين.

إن داعش ليست بعيدة كل البعد عن كونها أول حركة متطرفة تجمع بين الإرهاب والطموحات العظيمة والسيطرة على الأراضي فقط ، بل هي واحدة من أولى الجماعات التي تمكنت من احتضان المجال الرقمي بشكل استراتيجي، وهذا يمثل ظاهرة عالمية جديدة تمامًا من خلال تغيير أهمية المسرح العسكري إلى المجال الرقمي، حيث أصبحت شبكة الويب العالمية أقوى من الحكومات في وقتنا الحاضر

لكن هناك مئات المجموعات الأخرى على الإنترنت التي تضم أيضًا تجار البشر الذين يرغبون في تجنيد الشباب ، فبعض الجماعات ، لديها مئات الكيانات التي تسيطر عليها والتي تحمل أسماء مختلفة، لذا نرى إن الحل لكسب المعركة وما لابد أن تعلمه هو أنه لكي تكون فعالاً  في مواجهة هذا الخطر لك أو لأحد أبناءك ، فمن الضروري التركيز على سيكولوجية التحكم في العقل وغسيل الدماغ ، ومساعدة من تحت ولايك من أبناءك بأن يصبحوا  مفكرين نقديين، وأن يتعلموا كيفية التحكم في السلوك والتحكم في المعلومات والتحكم في الفكر والتحكم العاطفي الذي يمكن المرء أن يبدأ في رؤية وتعلم معايير واضحة تميز المواقف الصحية عن غير الصحية
فمن أجل فهم ظاهرة وما يحدث مع تجنيد الجماعات الارهابية والتلقين العقائدي ، فمن الضروري التفكير في الابن على أنه له هويتان وبالقياس علي ذلك انظر الي من كانوا قبل البرمجة ومن تأثروا ليصبحوا ضمن تلك الجماعات  فأشير إلى هذا على أنه الهوية المزدوجة 

 وتشير السجلات التاريخية إلى احتمال واحد مثير للاهتمام، فنجد،أن الطائفة السرية أسسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزاً لنشر دعوته، في القرن الخامس الهجري، حيث شكل حسن بن صباح ، المعروف باسم رجل الجبل العجوز ، نظامًا سريًا من الأتباع يشار إليه باسم الحشاشين، وقد،شكل أتباعه في نظام سري ، بدأهم الحسن في التعرف على أسرار أكل الحشيش والأفيون الممزوج بالنبيذ حتى أصبحوا في الواقع أدوات عمياء لإرادته، ثم أقنعهم أن الموت كان حقًا بابًا للبهجة الأبدية ، والتي أعطتهم المخدرات فقط طعمًا أوليًا.

بالنسبة لهؤلاء الشباب ، بدا حسن نبيًا أقوى من أي شخصية إسلامية. قدم نفسه إلى النفوس الساخطين على أنه محرر  لم يكشف السيد عن غرضه الحقيقي سوى لعدد قليل من العقول الخفية في أمره ، ألا وهو الفوز بالسلطة من خلال غرس الخوف .. وبذكاء ، فقد استفاد من الخوف الذي تسببه خناجره أكثر مما استفاد من عمليات القتل في ترسيخ أركان دولته، وانفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجرى لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، وهم واحدة من أخطر الحركات السرية فى التاريخ الإسلامى.
 
وقد أسس حسن الصبّاح فرقته المُكونة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها الفدائيون، ويتم تدريب هذه الفرقة على الأسلحة المعروفة، ولا سيما الخناجر، ويتم تعليمهم الاختفاء والسرية، وأن يقتل الفدائي نفسه في حالة الخطر قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم وكان الحشاشون يشبهون النسور إلى حد كبير ، يجلسون في أعينهم الصخرية ، ويراقبون تحركات البشر في الوديان المزدحمة بالأسفل. لم يعرف أحد في أي مكان سيسقط ظل أجنحة النسور

ولك انت تعلم ان أكبر مخزون للمخدرات في العالم موجود في أفغانستان. 90 في المائة من الهيروين مصدره أفغانستان، ومن المؤكد أن الأدوية ستكون متاحة بسهولة في أفغانستان لاستخدامها في إجراءات تغيير العقل، إن لم يكن المخدرات ، فإن التلقين العقائدي الإرهابي قد يستخدم العزلة الاجتماعية ، والتلقين القوي ، وقلة النوم ، والاعتماد الكامل على المُلقِّن - العناصر الأساسية لتجربة غسيل الدماغ

كما هو الحال مع الإرهابيين الانتحاريين قبل ٨٠٠ عام ، فإن غرس الخوف بين عامة الناس هو هدف أكثر أهمية لإرهابيي اليوم من تدمير الممتلكات أو إزهاق الأرواح. ببساطة ، الإرهاب يهدف إلى الترويع. 

 في النهاية ، لقد ساهمنا بفكرنا المتوضع مكافحة الارهاب وتطوير نموذج ونهجًا منظمًا وأخلاقيًا للتأثير لإلغاء فعل الذات المبرمجة وتمكين الذات الحقيقية للشخص، يمكن تدريب منظمات المجتمع المدني المهتمة علي ذلك وايضا ممثلي إنفاذ القانون على فهم وتنفيذ البرامج والسياسات التي ستكون أكثر فعالية بكثير من النهج الحالي

 كما يمكن ويجب تطوير الموارد عبر الإنترنت بالإضافة إلى إنه يمكن تشكيل فرق من الأشخاص بقيادة أعضاء سابقين في الطوائف الارهابية الذين تم علاجهم ويجب أن يكون رجال الدين أيضًا جزءًا من فرق التدخل.
 فمن أجل مكافحة الطوائف الارهابية التي تقوم بالتحكم في العقل  ، يجب أن نفهم بالضبط ما يفعلونه ونعمل بشكل خلاق لإيجاد طرق لحماية المواطنين ومواجهة البرامج السلبية التي من شأنها الحفاظ علي المجتمع.