الأحد 5 مايو 2024

يتميزون بالكرم والجود.. الرُحل بدارفور عنوانا للصمود في مواجهة الحياة القاسية

قبائل الرحل

عرب وعالم28-5-2021 | 20:14

الخرطوم -جدو احمد طلب

يعيشون في المناطق والوديان والحلال المنتشرة بمختلف مناطق إقليم دارفور، حياتهم كلها صعاب ومشاق بلون مغاير عما كان عليه الحال في حقبات زمنية غابرة. إنهم الرٌحل الذين ما زالوا يعيشون حياة كلها تحدي دائم لطبيعة قاسية وتضاريس وعرة.

 ورغم التطور الحاصل في نمط وشكل وطرق العيش، فإن فئة الرحل بدارفور، تتحمل ثقل المعيشة، حيث يتقاسم تبعات ذلك الثقل جميع الرحل في ازدواجية تجمع في حيثياتها بين التشبث بالعادات المتوارثة عن الأجداد وتحدي قساوة الطبيعة.

وما يميز حياة الرحل، خصوصا بغرب دارفور، "استغناؤهم عن الكثير من الحاجيات الغذائية، التي يوفرونها لأنفسهم، من بينها اللحم واللبن والحليب والسمن، ويومياتهم متشابهة إلى حد كبير".

كما أن الرحل دائما ما يكونون مستعدين لاستقبال الضيوف، في مشهد ينم عن كرمهم. ومن أجل الوقوف على معاناة هذه الشريحة المهمة في غرب دارفور، انتقلت إلى هؤلاء "المنسيين"، الذين لا تتذكرهم الجهات المسؤولة ولا المؤسسات الإعلامية إلا في المناسبات الرسمية، وفي الانتخابات، فتزورهم أو تلاحقهم صناديق الاقتراع حيثما حلوا وارتحلوا.

تشكل حياة الرحل بمناطق ولاية غرب دارفور عنوانا للصمود في مواجهة الحياة القاسية، في ظل التطور الحاصل في نمط وشكل وطرق العيش.

وفي هذا السياق، تقول فاطمة محمد ، وهي من الرحل المقيمين حاليا بضواحي كرينك، في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال" "نحن رحل، ولدنا وترعرعنا في هذه الحياة، ولا نستطيع تغيير نمطها مهما حاولنا"، مضيفة أن "الرحل متشبثون بالترحال للحفاظ على الهوية والثقافة التي ورثوها أبا عن جد"، واستمراريتها "نعتبرها نحن الرحل صمودا في وجه رياح التطور والعصرنة"، تضيف فاطمة، التي دعت " حكومة الولاية " إلى تقديم المساعدة ومد يد العون للرحل من أجل استمرارهم في الحفاظ على مهنة الترحال.

وأضافت فاطمة إن "صمود الرحل في الحفاظ على هذا الموروث يجب أن يلقى الدعم والمساندة من طرف "الحكومة  "، من خلال تقديم الدعم لهم، وتقريب الخدمات الاجتماعية إليهم وإلى أبنائهم.

وسط مكونات وأسر الرحل بغرب دارفور يعيش أطفال في عمر الزهور، حتمت عليهم الظروف الصعبة أن يحرموا من التعليم مثل أقرانهم، فهم لا يعرفون الكتابة ولم يتوجهوا إلى المدرسة إطلاقا، حتى إن الكثير من كبارهم لا يعرفون حتى الأساسيات في الحساب، خاصة أنهم يعيشون وسط أسر صغيرة وبعيدة عن بعضها البعض.

وفي تصريحه ، أوضح محمد مرسال، وهو من رحل ضواحي منطقة كرينك ، أن هؤلاء الأطفال يتقنون الرعي منذ الصغر، فحياتهم تبدأ برعي صغار الخرفان والماعز، فيصبحون قادرين على رعي الإبل، التي تحتاج إلى القوة والصبر، مشيراً إلى أن "أمل هؤلاء الصغار الوحيد أن يدرسوا كبقية الأطفال، ويتمتعوا بحياة أفضل، فأعمارهم ضائعة بين الوديان والكثبان الرملية وطالب محمد ذاته حكومة السودان الوصية على قطاع التعليم بالعمل على إخراج برنامج تعليمي خاص بالرحل إلى حيز الوجود، مضيفا أن هؤلاء الأطفال يمكن أن يقدموا خدمات كبيرة للوطن إن وفرت لهم الدولة فرصة التمدرس والتعليم، كبقية أبناء هذا الوطن "الجريح"، وفق تعبيره.

من جهته، قال عدنان، وهو طفل من أسرة مكونة من أربعة أفراد، ويقطن حاليا بضواحي كرينك، "أريد حقي في التعليم مثل أقراني، لم أعد أريد الركوض وراء المواشي، كفانا ما عاشته أمي وأبي".

وأضاف أنه لم يسبق له أن وطئت قدماه مدرسة ولا حجرة دراسية من قبل. وعبر والد الطفل عن امتعاضه من "عدم توفير الدولة فصولا وحجرات دراسية لأبناء الرحل"، مشيرا إلى أن "ما يقال عن تمدرس الرحل، خصوصا ببعض المناطق، ليس صحيحا، ولا أساس له من الصحة، ولا يوجد سوى في خيال مروجيه".

ورغم كل تلك المعاناة ، فإن فئة الرحل  تعاني من قلة الأدوية وغياب فرص العلاج غيرهم ممن تقدم لهم الحكومة ما لم تقدمه لهم .

كما أن القوافل الطبية، التي تنظمها وزارة الصحة، لا تستطيع زيارة الرحل بحسب تعبيرهم، وتبقى الوسائل التقليدية في العلاج سبيلهم الوحيد في مناطق شاسعة وموحشة.

ويعتمد هؤلاء الرحل على الأعشاب والنباتات في حالة الإصابة بالمرض، مثل "الشيح وغيره"، يقول عثمان، البالغ من العمر حوالي سبعين سنة، والذي يقطن رفقة أسرته ومواشيه بضواحي كرينك، مبرزا أن الشيوخ وكبار السن هم خبراء في الجانب الصيدلاني الشعبي، ورغم ذلك، قال عثمان: نحن نعتبر أنفسنا أكثر المكونات التي عانت في هذا الوطن ، مضيفا أن "الرحل يطالبون حكومة السودان بتقريب الخدمات الطبية والعلاجية لهم كباقي المواطنين في هذه الولاية. 

الزيارة التي قمنا بها إلى المناطق التي توجد بها مجموعة من الرحل عبر المناطق  المترامية الأطراف بكل من ضواحي كرينك، تم استقبالنا خلالها من طرف الحاج محمد، وهو رجل في عقده الثامن، بحفاوة التراث العربي الحر، وكله ترحاب وكرم.

ولئن كان لبصمات السنين وقع كبير على تقاسيم وجهه، الذي ألف المكان وظل وفيا له منذ عقود من الزمن، فقد كانت كافية لأن تنمي فيه شعورا جميلا وعشقا كبيرا لتراب وجبال وهضبات المكان، الذي ظل محافظا على صورة الخيمة الشامخة وسط تضاريس طبيعية شبه عذراء ومعزولة.

ورغم الكرم والجود اللذين يميزان فئة الرحل، فإن معاناتهم عديدة، إذ تعد الإبل والخيل والحمير وسيلة النقل الوحيدة التي يعتمدون عليها، حيث يجلبون على ظهورها ما يخدم حاجتهم من ماء ومأكل، في رحلة تدوم يوما كاملا وسط الكثبان الرملية. كما ينقل على الإبل والخيل والحمير المرضى في الحالات المستعجلة فهنا المعاناة الأعظم يا سادة.