الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

تمام الكلام

  • 31-5-2021 | 17:37
طباعة

أنا ونفسي

أجلس مع نفسي تشاركنا الجلسة ورقة طيبة بيضاء وقلم أسمر اللون مغرور بعض الشيء، تضاد كبير بينهما، كهذا الصراع الحائر الذي يدور دوما بيني وبين نفسي تماماً.

هي جلسة في ظاهرها سلام، لكن في باطنها قلق وتوتر وحرب قاسية دون أسلحة حادة أو دماء، لكنها دموية إلى أقصى حد، فالدماء ليس وحدها فقط هي دليل الوحشية، لكن هناك ما هو أقسى وأكثر وحشية وهو أن ينهش اليأس روحك البائسة حتى أقصاها دون رحمة، أو حتى قليل من اللطف والرأفة بها، فتصبح روحاً بلا روح، وبحرا بلا شاطئ، وأرضا دون أخضرها.

هكذا تتكرر هذه الجلسة الماكرة بيننا، النفس وعكسها، والألوان المتضادة، وطاولة خشبية مصابة بشلل كلي، صامتة.. عاجزة عن التدخل لإنهاء هذه الحرب الدائرة بيننا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يمضي الوقت ومطرا من المحاولات الهزيلة الفاشلة، للفض من الصراع النفسي مع النفس، والقلم والورقة وشماتة الأفكار فينا جميعا، حينما تختبئ في ثوب غرورها فلا تأتي لإنقاذنا سريعا مما أصابنا من شلل ويأس.

الوقت يمضي حالكا كلون تلك الصورة المطلة من لوحة وحيدة معلقة على حائط غارق في لونه الأحمر القاني المستفز، وكأنه يتفنن هو الآخر في إغاظتنا جميعا، نفسي وعكسها، والرفيقان الملازمان لي دوما الورقة الحسناء والقلم الشاعري العصي، ترى ما السبيل إلى الخروج من هذا اليأس العام، ربما قليلا من قهوتي ذات الرائحة الحبهانية ينقذ الموقف القاتم والكتابة المستحيلة.

جاءت القهوة تتراقص في فنجانها ناصع البياض الآمن برسمة هندية غريبة التكوين والرمزية.. تشبه تلك الغرائبية التي تسكن البلاد الساحرة بتاريخها وتناقضاتها، والمكدسة بالبشر واختلاف الأديان، جاءت وكلي أمل بالخروج من هذا الشلل الفكري والإبداعي إلى جنة الكتابة والرسم بالحروف والمشاعر الجياشة المتعطشة لاحتضان وجه وريقاتي المنتظرة بلهفة الحنين، بعد أن أمضت عقوبتها بسجن قلبي المسكين.

لكن للأسف لم تنجح القهوة المتعطرة بالحبهان والمتزينة بردائها الأبيض المزركش برسمة هندية محببة لنا منذ صغرنا، في أن تنجينا من يأسنا الجاسم بقسوة على روحنا المسكينة ومشاعرنا حبيسة القلب والأفكار، لنزهو حينما تتسرب منا ومن أصابعنا إلى تلك الوريقات بحبر خبرتنا بالحياة وتصبح وقتها الكتابة غير المستحيلة.

الاكثر قراءة