تفوح من واجهته القديمة وطرازه المعمارى رائحة التراث والأصالة وعطر الزهور، يقف محل ورد "أو بافيون دي فلوريل Au Pavillon De Florelle"، أول وأقدم محل لبيع الورد في الإسكندرية، شاهد على حقب زمنية مختلفة عاصرتها عروس البحر الأبيض المتوسط.
ويروي ماهر محمد، بائع ومنسق زهور، حكاية محل ورد بافيون دي فلوريل لـ"دار الهلال"، مبينًا أن المحل يزيد عمره عن 100 سنة، فقد أنشأه عبد الحميد السيد وشريكه اليوناني عبده مرسي في عام 1920، في وقت لم يكن فيه المصريين يملكون محلات ورود ولم يكونوا يقبلون على هذه المهنة، وكانت محلات الورود ملكًا للأجانب.
اختار له أصحابه اسم "بافيون دي فلوريل" ويعني "بيت الزهور" باللغة الفرنسية، ووقع اختيارهم على شارع فؤاد ليحتضن أقدم محل ورد في الإسكندرية، فهو واحد من أعرق وأشهر شوارع الإسكندرية، ويمتاز بقربه من وسط المدينة، وهي المنطقة المعروفة بـ"الحي اللاتيني"، وكانت موطنًا للقنصليات والجاليات الأجنبية.
بعد رحيل اليوناني عبده مرسي، انفرد عبد الحميد السيد بالمحل وأصبح المالك الوحيد له، واحتفظ بنفس الاسم ولم يغيره، ودائمًا ما كان يحرص على أن يجعله أفضل وأشهر محل ورد في مصر، بل أراد أن يتفوق على محلات الأجانب، فكان يسافر للخارج لجلب أنواع جديدة من الزهور، وهولندا واحدة من تلك البلدان التي زارها وجلب منها أنواع مختلفة من الورود والنباتات. وكان معروف عنه عشقه الشديد للزهور.
لافتا إلى أن المحل يديره الآن "الحاج السيد" نجل عبد الحميد السيد، الذي حرص على التمسك بمعماره وديكوراته وطرازه القديم ليظل المحل محتفظًا بتراثه وليكون نقطة جذب لأهالي الإسكندرية وزوارها الذين يحرصون على زيارة أول وأقدم محل في الثغر، ويجري له صيانة وترميمات من وقت لآخر حتى لا تضيع معالمه، موضحًا أن محل "زهور فيوليت" القريب منه هو ثاني محل ورد في الإسكندرية، يليهما محل "برغوت" في باب شرقي.
وأكد ماهر أن العديد من الفنانين والمشاهير والساسة في عهد الملكية كانوا يترددون على المحل، فكانوا يأتون خصيصًا لشراء الورود منه عند زيارتهم للإسكندرية، ومن أهم رواده الملك فاروق، حيث أرسل المحل بوكيه ورد للقصر الملكي في حفل خطبة الملك فاروق.
ومن بين المشاهير الذين كانوا يحرصون على زيارة المحل، إسماعيل يس، عبد الحليم حافظ، زبيدة ثروت، ليلى مراد، زهرة العلا، شادية، سعاد حسني، عماد حمدي، فاتن حمامة، مريم فخر الدين، سمير صبري، ليلى علوي وغيرهم، كما كانت تحرص أم كلثوم دائمًا على شراء ورد من المحل أثناء تواجدها بالإسكندرية.
وأضاف السفراء والباشوات والبكوات كانوا يزينون سياراتهم في المناسبات السعيدة والحزينة بورود من محل بافيون الذي كان شاهدًا أيضًا على العديد من الاحتفالات التي أقيمت في استاد الإسكندرية والتي حضرها كثير من الشخصيات المصرية والعربية والأجنبية المعروفة.
وتابع: "قبل ثورة 1952 كان المحل وجهة رئيسية للأجانب لشراء الورد، فدائمًا ما كانت ترافقهم ورود بافيون دي فلوريل في احتفالاتهم والمناسبات السعيدة وزيارات المرضى، وكانت شاهدة على قصص الحب، موضحًا أن الألبومات القديمة بالمحل تضم صور كثيرة لباقات الزهور والسيارات التي زينتها ورود بافيون دي فلوريل منذ افتتاح المحل. ويستطرد:
"بعد قيام ثورة 1952، غادرت أعداد كبيرة من الجاليات الأجنبية مدينة الإسكندرية، ولم يكن المصريين يقبلون بشكل كبير على شراء الورود، ولكن بمرور الوقت أدركوا لغة الورود وأنواعها وأهميتها وبدأوا يقبلون على شراءها ويجعلوها رفيقة لمناسباتهم وطريقة للتعبير عن الشكر والامتنان والحب.
وأشار إلى أن كثير من زوار الإسكندرية، مصريين وعرب وأجانب، كانوا يحرصون على زيارة المحل والتقاط الصور التذكارية له، وكذلك كانوا يلتقطون صور للسيارة الكلاسيكية التي كان يملكها المحل لسنوات طويلة، وكان يستخدمها بائعو الزهور في توصيل الطلبات قديمًا.