تحدت عائلتها حبا في الفن لتثبت أنها موهبة من طراز خاص، وخرجت من قريتها بحثا عن الشهرة، كادت الظروف الصعبة التي عاشتها أن تقصف بموهبتها دون أن يسمع عنها أحد، عافرت وصنعت نجوميتها وباتت واحدة من أهم نجمات السينما وعلامة بارزة في تاريخ السينما المصرية، هي المرأة الفاتنة في "امرأة على الطريق"، والأم الطيبة في "أرابيسك"، بينما في "الوتد" تقف مبهورا أمام "فاطمة تعلبة" الأم الصعيدية التي تسعى أن يمتلك أبنائها أراضي زراعية، وتعاملهم بقوة حتى لا ينفرط عقد العائلة، وهي المرأة العفوية المسالمة في "الشيخ حسن"، هي المطربة التي قالت "إن كنت ناسي أفكرك" والممثلة التي لا تعرف سوى أن تجيد أدوارها، الفنانة الكبيرة هدى سلطان.

ولدت بهيجة حسن عبد السلام عبد العال الحو، في 15 أغسطس 1925، بقرية كفر جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، لأب متدين حرص على أن تلتحق بكُتّاب القرية وحفظت القرآن، وشقيقة الفنان محمد فوزي، والمطربة هند علام، بدت موهبتها في الغناء منذ نعومة أظفارها، بعد أن كانت تجلس ليل نهار تستمع إلى أغاني أم كلثوم، ولأول مرة تقف فيها أمام الجمهور غنت لـ أم كلثوم في إحدى حفلات المدرسة على مسرح البلدية في طنطا، ونالت استحسان الجميع، بعد دخول شقيقها محمد فوزي مجال الفن بعد صراع طويل مع رفض والده، باتت داخلها رغبة كبيرة في احتراف الغناء مثله، ولكن رفض عائلتها وقف حائلا بينها وبين موهبتها، عندما أكملت الـ 14 عامًا تزوجت من رجل يدعى محمد نجيب وأنجبت منه ابنتها الكبرى "نبيلة"، ومع رفضه أن تكون مطربة تم الطلاق.

انتقلت للقاهرة لتعيش مع شقيقها محمد فوزي، الذي رفض هو الآخر أن تلتحق بالفن خوفا عليها، ولكن لم يقف رفضه حائلا بينها وبين نداهة الفن والحلم الذي كان يراودها للتقدم في عام 1949 لاجتياز اختبارات  لجنة اختيار المطربين بالإذاعة المصرية ونجحت في اجتيازها وعملت مع جلال معوض في برنامج "أضواء المدينة"، في الوقت الذي رفض فيه شقيقها "فوزي" مساعدتها بل رفض أن يساعدها غيره، لدرجة ولكنها انطلقت بعيدا عنه بحثا عن حلمها تحت اسم هدى سلطان.

قابلت المنتج جبرائيل نحاس في 1940 والذي أعجب بموهبتها، وعرض عليها العمل معه  في فيلم "ست الحسن"، وافقت ووقع  معه عقد احتكار لـ 3 أفلام دفعة واحدة،  عندما علم شقيقها محمد فوزي بدخولها إلي السينما ثارت ثورته وغضب لدرجة أنه هددها بالقتل، كان يرغب أن تظل تعمل مطربة في الإذاعة ليسمع الناس صوتها بدلا من أن يشاهدوها على شاشة السينما، رفضت الإستسلام وقدمت مع المنتج "نحاس" فيلم "ست الحسن" 1950، وحقق نجاحًا كبيرًا ومنحها ثقة كبيرة  تضاعفت مع ثاني أفلامها "حكم القوي" 1951 لتلتقي فيه لأول مرة  بالفنان فريد شوقي.

فتحت لها السينما ذراعيها وقدمت العديد من الأفلام لعل أبرزها "امرأة في الطريق" في دور "لواحظ" وحصدت من خلاله على عدة  جوائز، والمعلمة "نرجس" في "سواق نص اللليل"، و "سوق السلاح، بورسعيد، صائدة الرجال، الغجرية، شىء في صدري، فتوات الحسينية" وقدمت دور "العالمة فاطمة الفللي في فيلم "دلال المصرية"، وشكلت ثنائياً مع الفنان فريد شوقي في 20 فيلما لعل ابرزها"جعلوني مجرما، رصيف نمرة خمسة، النمرود، أبو الدهب، المحتال".

كان الحنين إلي الغناء يراودها بين الحين والآخر وقدمت عدة أغاني أشهرها" إن كنت ناسى أفكرك، لاموني، يا تاكسى الغرام،  أنا جانى جواب، أحب تانى يا قلبى ليها، بعد الأم مفيش حنية"، لم يغيب المسرح عن ذاكرة هدى سلطان وقدمت عدة مسرحيات أبرزها "وداد الغازية، الحرافيش، بمبة كشر، الملاك الأزرق، وسيد درويش".

في السبعينات قدمت للسينما المصرية عدة افلام مهمة لعل أبرزها "السكرية، بدور" بينما يظل دور "رتيبة" في "عودة الابن الضال" هو الأبرز في تلك الفترة، ومع مطلع الثمانينات خطفها التليفزيون، وكانت البداية مع "زينب والعرش" 1980، و"علي الزيبق"، بينما في تلك الفترة يعد "ليالي الحلمية" هو الأشهر من بين أعمالها، في التسعينات عادت إلي السينما في "إسكندرية كمان وكمان، حكايات الغريب، امرأة آيلة للسقوط"، بينما للتلفزيون قدمت "أرابيسك" في دور "أم حسن"، وفي 1996 كانت على موعد مع شهرة كبيرة تليق بحجم موهبتها عندما قدمت شخصية "فاطمة تعلبة" في "الوتد"، وفي العام التالي "زيزينا" الجزء الأول والثاني.

مع الألفية الجديدة قدمت عدة مسلسلات أشهرها "الليل وأخره" 2003 وجسدت دور "ام رحيم"، وفي العام نفسه عادت إلي السينما بعد مدة كبيرة من الغياب في فيلم "من نظرة عين" مع منى زكي، بينما توالت أعمالها الدرامية وقدمت "مصر الجديدة، حكاوي طرح البحر، أحلام البنات، للثروة حسابات آخرى"، وكان آخر أعمالها "سلالة عابد المنشاوي" في 2005.

 تزوجت هدى سلطان 5 مرات الأولى من محمد نجيب وأنجبت منه ابنتها "نبيلة"، والثانية من المنتج فؤاد الجزايرلي، والثالثة من "فؤاد الأطرش" شقيق الفنان فريد الأطرش، والرابعة من الفنان فريد شوقي، وأنجبت منه "مها، وناهد" واستمرت الزيجة 18 عاما ثم إنفصلا للتزوج للمرة الخامسة والأخيرة من المخرج حسن عبد السلام.

 حصلت على  عدة جوائز من بينها جائزة "الناشر" عن فيلم "امرأة فى الطريق" 1960، وتم تكريمها في مهرجان السينما الروائية 1998، ومن مهرجان الموسيقى العربية 1998.

عانت هدى سلطان في أواخر أيامها من المرض بعد وفاتها ابنتها "مها" لترحل عن عالمنا في 5 يونيو 2006، عن عمر ناهز 81 عامًا، بعد مشوار طويل من الفن والعطاء وكتبت أسمها بحروف من نور في السينما المصرية.