خلال مشواري الصحفي الطويل، الممتد عبر 40 عاما، تعاملت واقتربت بشدة من شخصيات بارزة، ومشهورة في كل مجالات الحياة.. ونجحت في إقامة علاقات صداقة قوية ومتينة معهم للغاية.
كان من بين هذه الشخصيات وزراء، ومفكرون، وسياسيون، وقادة أحزاب، ورجال أعمال من المليارديرات، أصحاب العيار الثقيل جدا.. عرفت واقتربت صحفيا من محمد فريد خميس، وأحمد عز، وحسين صبور، ومحمد أبو العينين، وهشام طلعت مصطفى.
واحد من بين رجال المال والأعمال، الذين أقتربت منهم، من باب الصحافة، كان المهندس نجيب ساويرس.. رجل الأعمال الاستثنائي، وصاحب الصفقات التجارية الكبرى، غير المسبوقة، على المستوى المحلي، ثم حينما بدأت طموحاته ومغامراته التجارية المحسوبة، تأخذه بإرادته، وتدفعه دفعأ ليغامر، وليس ليقامر في أسواق كل قارات الأرض، قالوا نجيب ساويرس أصبح الأن رجل أعمال دولي.
ووراء كتابة هذا المقال عن نجيب ساويرس، مشهد نادر جرت وقائعه وملابساته أمام مبنى مؤسسة الأهرام، بشارع الجلاء.. تفاصيل حكاية هذا المشهد الذي رأيته بعيناي مشوقة وغريبة.. عمرها أكثر من 15 عاماً
إحكي يا عمنا.. قول.. إيه هي تلك القصة.. إيه هي تلك الحكاية!
حكايتي عن ساويرس لم تكن معه هو.. حكايتي عنه كانت مع صديق عمري، رحمه الله، حامد العويضي، فنان الإخراج الصحفي البارز، وأستاذ الخط العربي ليس فقط على مستوى البلد، بل على مستوى كل بلاد العالم العربي.
في عام 2008 كنت جالسا مع صديق عمري، منذ منتصف الثمانينيات حامد العويضي، في مكتبه بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، التي خطفته في منتصف الثمانينيات، أيام العملاق الأستاذ إبراهيم نافع، رحمه الله، من جريدة الأهالي، نظرا لنبوغه الفني ومهاراته الفائقة للغاية، في تصميم أغلفة الكتب، ونبوغه كذلك في جميع فنون الخط العربي، وابتكاره لوحات فنية رائعة، ليس فيها صور أو مناظر، بل آيات قرأنية، وأبيات شعرية رائجة، كان يبيع اللوحة الواحدة منها بـ10 آلاف جنيه.
كنا في ذلك الوقت، حامد وأنا، نراجع البروفة الأخيرة لكتابي "عصر النور.. قصة الكهرباء في مصر.. من عباس حلمي الثاني إلى حسني مبارك"، وفي هذا المساء، الذي كان خامس لقاء عمل بيننا حول الكتاب، قال لي حامد بينما الساعة تقترب من الثامنة: "اعمل حسابك تمانية ونص لازم نخلص المراجعة النهائية.. نجيب جاي لي 9 بالضبط على باب الأهرام"!
ولفرط سذاجتي.. قلت لحامد: "رايحين فين أنت ونجيب ده.. الجريون.. ولا الكاب دور؟!".. قال: "جريون إيه وكاب دور إيه وهباب إيه!.. بقي ساويرس هيروح الأماكن دي؟!
"نجيب ساويرس حتة واحدة جايلك أنت يا حامد؟!".. طبعأ لم أقلها.. لم أنطقها.. قلتها بس في سري لأنني، ربك والحق، تصورت أن صديقي الغالي، عنده ميعاد مهم جدا مع حد، لذا قال إن هذا الحد هو ساويرس!.
لملمت بروفة كتابي النهائية، وغادرت مبنى الأهرام، لكنني،من باب حب الاستطلاع الزائد، أو ما يسمونه الفضول الصحفي، وقفت في مكان مظلم بجوار مبنى الأهرام، أستطيع منه أن أرى وأرصد كل شيء أمام مبنى الأهرام.
التاسعة تماما جاءت سيارة فخمة فاخرة، لونها فضي ميتالك، بنتلي أو جاجوار أو فيراري، لا أعرف.. لكنها ليست BMW، أو مرسيدس.. وتوقفت هذه السيارة أمام باب المبنى الصحفي الذي يوجد في أدواره العليا مركز الدراسات.. يا الله.. إنه ساويرس بالفعل.. نجيب ساويرس بشحمه ولحمه!
سامحني يا حامد على سوء ظني.. سامحني على شكي وتشككي في كلامك.. أرجوك سامحني.. ساعتها همست لي نفسي الأمارة بالسوء: "نجيب ساويرس حتة واحدة .. بشويش عليا شوية يا حامد!".
كانت هذه الحكاية غريبة ولو حكاها، لي أحد ما صدقته.. لكنني شاهدتها بعيني.. كان مسرحها أمام مؤسسة الأهرام.. حكاية لا يعرفها أحد عن الملياردير الجريء نجيب ساويرس، الذي قاد سيارته بنفسه، وذهب إلى شارع الجلاء، ليلتقي مع صحفي واعد صاحب أفكار غير مسبوقة.. لا يريد منه صفحة إعلان للأهرام.. أو يطلب منه أن يكتب اسمه في كل عقود شركات آل ساويرس، على نشر حملاتها الإعلانية في الأهرام.
كان بإمكان ساويرس، الذي كانت ثروته قد بلغت في ذلك الوقت قرابة ملياري دولار، أن يرسل سيارة من سياراته العديدة، تحمل إليه العويضي، لكنه لم يفعل.. ذهب إليه بنفسه.. ركب حامد العويضي، الذي لم يكن يمتلك أي سيارة ولو فيات 128، سيارة ساويرس الفاخرة التي انطلقت بهما إلى مكان خجلت أن أسأل حامد العويضي عنه، وأين ذهب في هذا اليوم مع نجيب ساويرس؟!
الأربعاء القادم حكاية أخرى مختلفة عن الملياردير نجيب ساويرس، عشتها بنفسي عندما دعوناه لحوار الأسبوع في مجلة المصور.