هو مثل باختصار يساند ويعزز قانون الحتمية الذي يعمل به الكسالى ومقاومة التغيير ويبررون تقاعسهم بأنهم قد نشأوا على تلك الحال! فإذا ما دعوته نحو التغيير قال لك (من شب على شيء شاب عليه) أو رد عليك قائلاً (بعد ما شاب ودوه للكُتاب).
لو كان هذا مثلا صحيحا لعطلنا الكثير من كل ما يدعونا لفاضل الأخلاق وهجر سيئها وفقدنا الكثير من معاني التحفيز التي تدفعنا إلى التقدم في حياتنا وآخرتنا، فقل لي من فضلك ما قيمة هذه الكلمات الأتية إذا أمنا بهذا المثل:
التطوير---التغيير----الإرادة---التوبة----التحديث--المواكبة
هل سمعت من قبل عن قصة الرجل الذي كان في شبابه شارباً للخمر، الذي دفن ابنته حية بين أحضان الرمال في نفس الوقت الذي كانت هي تداعبه وتعطيه الطعام في فيه، الرجل الذي كان يعبد صنما من العجوة وحينما شعر بشيء من الجوع التهم ربه الذي يعبده، هل علمت من هو الرجل؟ إنه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، إنه عمر الذي وصل إلى قمة الإيجابية الهدامة حينما أشهر سيفه متوعداً ومستهدفاً المصطفى صلى الله عليه وسلم ليقتله.. وبعد هذا كله يتحول نفس هذا الرجل إلى قمه الإيجابية البناءة إلى الفاروق الذي فرق به الله بن الحق والباطل، الفاروق الذي نشر الأرض عدلا وجعله الله سبباً في نشر التوحيد في كثير من بقاع الأرض.
أم ربما سمعت عن المرأة التي نشأت في بيئة احترفت العويل والصراخ على ما فات ومن قد مات، فنشأت وشبت مثل أهل مكانها وزمانها بل وتفوقت عليهم فاحترفت الرثاء وأكثر ما اشتهرت به رثائها أخيها صخر الذي استمرت تبكي رحيله أياما وشهورا بل أعواما، والعجيب هو صمت نفس هذه المرأة أمام فاجعة مزلزلة من شأنها أن تمزّق قلب أي أم، وتفجّر حزنها وشعورها بهول المصاب حين استشهد أبناؤها الأربعة في وقعة القادسية.. إنها الخنساء وهذا حالها في ظلام الجاهلية ثم صبرها مع نور الإسلام الذي أضاء قلبها فغير ما ِشبت عليه من عادات الجاهلية.
إذا أنت لست مجبراً على ما شبت عليه وبإمكانك أن تغير وتطور من نفسك مهما مر الزمان، و دائماً تذكر أن: الوراثة لا تحدد موقعك في الحياة وأنك لست مجبراً على البقاء في الأسفل، فلا ينقصك إلا أن تبدأ بخطوة للتطوير والتغيير، ولابد أن تكون على قناعة أن هذه الخطوة لابد أن تبدأ منك أنت فكيف تقطف الثمار دون أن تزرع البراعم؟!
وهذا ما تعلمناه من القران الكريم أن البداية تبدأ منا أولاً ثم يأتي العون من الله، فدائما حينما كنت أقرأ قول الله تعالى: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"(البقرة 186) كان يدور في خاطري سؤال يشغلني، أليس الله يعلم ما نسر دون جهر بالقول؟ بلى يعلم، فلماذا أذن أشترط الدعاء حتى يُتم العطاء فقد كان من الممكن أن يلبي لنا ما نريد دون أن ندعه فهو يعلم السر وما اخفى ؟
وكذلك قوله تعالى :"فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة 37).
أليس الله يعلم أن سيدنا أدم مكنونه يحمل التوبة والندم ؟ بلى يعلم، فلماذا إذن يعلمه كلمات التوبة ثم ينطق بها سيدنا أدم ثم بعد ذلك يتوب عليه الله عز وجل فكان من الممكن أن يتوب عليه دون أن ينطق سيدنا أدم بكلمات التوبة ؟
وكأن الله عز وجل من حكمته يعلمنا أن علينا البداية وعليه التمام، أي أن أي سعي لتغيير الواقع إلى الأفضل يحتاج إلى خطوة منا نحن أولاً، فالحركة نوعا من السعي حتى إن كانت حركة الشفاه بنطق كلمات الدعاء أو التوبة فأجعل يديك مرفوعة يد تدعي ويد تبني حتى يتم لك ما تريد من تغيير حقيقي على أرض الواقع.
إذا كنت شبت على عادة ما وأصابك اليأس فهممت قائلاً لا فائدة سأشيب وأنا على هذا الحال، فقم بتطبيق نظرية الاحتمالات التالي ذكرها وهي:
عدم السعي لتغيير ما شبت عليه إلى الأفضل ----- يظل الوضع قائم إلى الشيبة .
السعي لتغيير ما شبت عليه إلى الأفضل ----- إما النجاح إلى الوصول -----أو النجاح في وضع الإرادة في حيز السعي للوصول.
ملحوظة : أنت لست الرجل الذي شب على القتل حتى أصبحت عدد ضحاياه 100 نفس بشرية.. وإن كنت هو فأعلم أنه قد تغيرت خاتمته عن ما قد شب عليه فختم الله له بالتوبة وذلك حينما سعى إليها قاصداً بلد الصلاح.