الأحد 16 يونيو 2024

أحمد فضل شبلول يكتب: نجيب محفوظ والخطيب وجها لوجه

محفوظ والخطيب

ثقافة14-6-2021 | 20:30

كان نجيب محفوظ أسرع هداف في زمانه، وكان اسم فريقه "قلب الأسد" وكان أشهر لاعب في شوارع العباسية، ولو كان مستمرا في هذه اللعبة لكان لاعبا مشهورا. ولكن أخذه حب الأدب. يقول: لم تكن النظريات والتقسيمات والخطط في فن الكرة قد ظهرت بعد. لم نكن نعرف ما هي خطة: 3- 2 – 3 – 2 ولا ما هي 4 – 2 – 4، كان الجري السريع هو ما يميز اللاعب الممتاز.

وقد ألّف في صباه رواية عن "كرة القدم" لكنها لم تر النور، ويبدو أنها كانت من الروايات الثلاث الأولى التي رفض نشرها سلامة موسى، ولكن نشر له الرابعة "عبث الأقدار" وعلى ذلك لم يقدر لنا أن نقرأ تلك الرواية أيًّا كان مستواها، لنعرف كيف كان يفكر نجيب محفوظ في شبابه في الرياضة، وفي كرة القدم تحديدا، وكيف بلورها في عمل روائي. ولو قدر لهذه الرواية أن طبعت ربما كانت رائدة في مجالها الكروي. ويشير محفوظ إلى أن هناك كاتبا سبقه في الكتابة عن كرة القدم، هو الكاتب أرنولو ينيت.

ومن ضمن لقاءات وحوارات نجيب محفوظ، كان هنا لقاء متميز وحوار رشيق وشيق بين كاتبنا الكبير والكابتن محمود الخطيب (الطليعة يوليو 1977) وكان الخطيب في أوج توهجه وشهرته كلاعب في النادي الأهلي، وكان نجيب محفوظ في قمة تألقه الأدبي والثقافي، وعمل الناقد الرياضي عباس لبيب على أن تلتقي القمتان في مبنى جريدة "الأهرام"، ليتبادلا الحوار والآراء، على الرغم من أن نجيب محفوظ كان زملكاويا صميما، وقد بدأت علاقته التاريخية بنادي الزمالك منذ كان اسمه نادي المختلط، وعشقه للكرة كان لا يقاوم.

يقول للخطيب: أنا لعبت زمان كورة كقلب دفاع في ثانوي، وبعدين ظروف دراسة الجامعة منعتني عن الاستمرار. وآخر مباراة شهدتها عام 1930. وما كانش يفوتني ماتش، زي السينما بالضبط.

وعندما وجه له الخطيب دعوة لحضور مباراة للنادي الأهلي، اعتذر محفوظ وقال: أنا آسف بالنسبة للدعوة. فصحتي لا تتحمل الانفعال الشديد. ساعات وأنا بآكل يصادف رؤيتي للقطات كورة، أروح مندمج وناسي الأكل، فألحق نفسي واروح منسحب من أمام التلفزيون.

لقد عاصر نجيب محفوظ مختار التتش وحسين حجازي، وسمع أن الخطيب يتعرض للخشونة، فقال له: دي حاجة قديمة في الملاعب. والتعصب موجود من زمان. والزيادة جاءت من التلفزيون، ولكن الحماس والتعصب كان موجودا، وكل واحد له ناديه، وكان فيه أتوبيس شرطة للطوارئ.

وينفي محفوظ أن الكرة وأم كلثوم كانتا من أسباب هزيمة 1967، ويقول: هذه سخافة، ولا أساس لذلك من الصحة. طيب ما كان فيه كورة أيام حرب أكتوبر المجيدة. أسباب الهزيمة معروفة. وعيب نلزقها في الكورة وأم كلثوم. الرياضة قوة ونشاط. وانجلترا في عز مجدها السياسي كانت مجنونة كورة.

ويطلب الخطيب من كاتبنا تفسيرا لعشق الجماهير في العالم لكرة القدم، فيرد محفوظ قائلا: بمقارنتها بجميع الألعاب نجدها تختلف. السباحة والمصارعة لا يراها إلا قلة. أما الكرة فتلعب في مساحة كبيرة. ويشهدها مجموعات ضخمة، وهي تعكس الحياة الاجتماعية أكثر من أي لعبة أخرى، فهناك التعاون والأخلاق، بل والروح السياسية. ويندمج فيها المتفرج بكل حواسه، وبالتالي فهي قمة الألعاب. ولا شك أن الأداء المرتفع المستوى يعطي إحساسا بالجمال تماما كالصوت الحلو أو النغم الشجي.

وعندما يسأل نجيب محفوظ الخطيب عن تأثير الشهرة الكبيرة عليه، يجيب الخطيب: وجدت أنها نعمة من الله. يجب أن أحافظ عليها، بالبعد عن أية تصرفات شخصية قد تسيء إلى سمعتي، وحرمت نفسي من أشياء كثيرة جدا.

فيرد عليه محفوظ قائلا: الشهرة ثمنها غالي، وهي مقياس النجاح، الشهرة في حلاوتها وجمالها في نفس الوقت هي مسألة حرمان وعبء والدنيا آخذ وعطاء. في رمضان مثلا أتمنى لو أقعد في الفيشاوي؛ ما اقدرش.

وعندما يسأله الخطيب عن القلق الذي ينتابه قبل كل مباراة يقول له محفوظ: القلق في حياة المشاهير حقيقة واقعة. وأنت ماشي لفوق المسئولية محدودة ولا يعرفك أحد، ولكن لما توصل القمة، فهنا المشكلة. فالمحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، فهناك جيش زاحف لمنافستك. في الأول يمكن تظهر بحالة 60 في المائة، ولكن دلوقت أي حركة، البلد كلها بتبص للخطيب. وأنا شخصيا أشعر بالقلق دوما، ولا تصدق أن أحدا لا يحس به، أما إذا زال القلق فهنا الغرور والنزول من القمة.

ويؤكد محفوظ أن الرياضة أمر خطير، وهي من أسباب وحدة الإغريق، وبالتالي الوحدة العالمية في الألعاب الأوليمبية، والرياضة إحدى العوامل الرئيسية للتربية، وفيما يتعلق بكرة القدم فعندما نتوصل بحسن مستواها إلى إمتاع الجماهير، فيجب أن تعتبر كفن مثل أي فن آخر كالغناء مثلا.

ويوصي محفوظ الخطيب بالتقوى ومقاومة الشهوات. وقال له: لقد عرفت في زماني أبطالا عظاما، كانوا ضحية للشهوات، وقوام الإنسانية القيم والسمعة الطيبة، والإيمان ثقة بالنفس وقوة على بذل الجهد، ويحمي من شرور لا حصر لها.