يُقدم الدكتور محمد حسن البنا، في كتابه "الصحافة في خطر"، والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، محاولة جادة وموضوعية، لتحليل أسباب الخلل في إدارة المؤسسات الصحفية القومية، ويقترح ما يمكن المساهمة به في تحسين مستوى أدائها، بتطبيق أساليب الإدارة العلمية الحديثة والفعالة من خلال حوكمة المؤسسات وتطبيق مبادئها، الشفافية والنزاهة والمساواة والمساءلة واللامركزية، وإعادة تنظيم الهيكل الإداري، وتحديد توصيف دقيق للوظائف والمهام، وتوزيع المسؤوليات في نطاق تشريعي يتيح الإفصاح عن المعلومات، والمشاركة والاستجابة مع الالتزام بمبادىء تنمية الموارد البشرية والتدريب المستمر.
وتبرز أهمية الكتاب من الناحية العلمية باعتباره إضافة علمية للمكتبة العربية عامة، والمكتبة الصحفية على وجه الخصوص، فرغم تعدد الكتب والدراسات التى تناولت الحوكمة من جانب، وكفاءة الأداء من جانب آخر، إلا أنه لم يسبق التطرق الى دراسة إنعكاس تطبيق الحوكمة على المؤسسات الصحفية القومية، وهو ما يؤكد أهمية هذا الكتاب في سد العجز الحادث من هذا الجانب، إضافة إلى سد نقص في الدراسات المتعلقة بادارة المؤسسات الصحفية القومية، حيث لا تهتم إدارة المؤسسات بالحوكمة وعناصرها ومعايير تطبيقها.
أما من الناحية العملية فلا يمكن إغفال الدور الخطير الذي تلعبه المؤسسات الصحفية بوجه عام، والقومية على وجه الخصوص في بناء ثقافة المواطن المصري، ومده بالمعلومات التي يترقبها، وأن أى خلل يصيب هذه المؤسسات سينعكس بشكل مباشر على هذا الدور، وقد يؤدى إلى ضعف مستوى المنتج، ومن ثم إنصراف القارىء عنها، وما قد يترتب عليه من إنعكاسات ربما تكون سلبية.
ومن أهم التوصيات التي وصل لها المؤلف خلال هذا الكتاب:
- إعادة هيكلة مؤسسات الصحف القومية، بطريقة إقتصادية ومالية وإدارية سليمة، وإدارة أصول المؤسسات بكفاءة اقتصادية ومالية، ووضع آليات تنفيذ مبادىء الحوكمة، من خلال معايير موضوعية، يتصف منفذها بالحيدة والموضوعية والنزاهة لإعلاء شأن المصلحة العامة وإقامة شركات إعلان وتوزيع وطباعة، والسماح للمؤسسات بالتنسيق مع بعضها البعض.
- الفصل بين منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، ويفضل أن يكون رئيس مجلس الادارة من المتخصصين في الإدارة والاقتصاد والاستثمار، بينما يكون رئيس التحرير مهني مبدع.
- إعلاء قيم الكفاءة المهنية والخبرة في إختيار القيادات، وإخلاص النية وإعلاء المصلحة العامة فوق أية إعتبارات سياسية أو إجتماعية، لتكون القرارات صائبة.
- تأهيل القيادات الصحفية بالتفكير الإبداعى وإفساح المجال أمامها بتشجيع الإبتكار والإبداع في مجال العمل الصحفي والتجاري وتحقيق منظومة التدريب والتطوير المستمر للعاملين بمختلف التخصصات كشرط للترقي وتولي المناصب وصرف الحوافز والعلاوات، ووضع معايير اختيار القيادات بشفافية وعدالة.
- تفعيل الدور الرقابي لكافة الأجهزة الرقابية على مؤسسات الصحف القومية فيما يتعلق بالجوانب الإدارية والمالية والفنية، وتوحيدها. وتحقيق المتابعة المستمرة وتصحيح الأخطاء أولا بأول سواء من الهيئة الوطنية أو التشكيلات الرسمية بالمؤسسة أو الجهاز المركزي للمحاسبات أو الرقابة الإدارية أو مجلس النواب.
- تقييم الموارد الإقتصادية للمؤسسات الصحفية على أسس علمية سليمة.
- استخدام أساليب الإدارة الحديثة والاعتماد على منظومة تنمية الموارد البشرية، بدلا من إدارات شئون العاملين، وترشيد العمالة وإعادة توظيفها بشكل إنتاجي، وضع معايير وضوابط التعيينات والترقيات، وأن يكون التعيين لتجديد الدماء من دون التفريط في الخبرات النادرة والتي يصعب تعويضها، وتعزيز كفــــاءة المؤسسـة من خلال التخطيط لبرامج تدريبية وبعثات وغيرها، فإدارة الموارد البشرية اصبحت من الادارات التي تدخل في دائرة صنع القرار، ولها تأثير بالغ على معدلات نجاح أي مؤسسة، كما أن لها دورا كبيرا وملموسا في استقرار المؤسسة والحفاظ على الثروة البشرية، بل والعمل على رفع كفاءتها للحصول على افضل النتائج، ولزيادة معدلات الانتاج داخل المؤسسة، مع وضع منظومة حاسمة وحازمة للثواب والعقاب.
- اتباع مبدأ تفويض السلطة، لأنه يحل الكثير من المشكلات الادارية.
- ضرورة إعادة النظر في مسئولية المراجع الداخلي تجاه المؤسسة ككل، وذلك من حيث قيمتها الاقتصادية والمخاطر المختلفة التي تواجهها في توسيع دائرة أنشطة المراجعة الداخلية لتضم بجانب الفحص المالي والإداري فحص وتقييم وتحليل وإدارة استراتيجيات المنظمة، وذلك من حيث نقاط القوة والضعف وأيضا من حيث الفرص والتهديدات، ضرورة إعادة النظر في صلاحيات ومسئوليات وسلطات ومهام المراجعين الداخليين وتوصيف أبعاد علاقتهم بكل من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية ولجان المراجعة والمساهمين والمراجعين الخارجيين، إعادة النظر في الوضع التنظيمي لإدارة المراجعة الداخلية بالمؤسسات والعمل علي تدعيم كفاءة وفعالية هذه الإدارات بنظام لجان المراجعة.
كما يمكن للجنة المراجعة المساهمة بدور في تحسين جودة التقارير المالية للمنشآت، عن طريق ممارسات معينة والإفصاح عنها في تقاريرها التي يجب أن تتضمنها التقارير السنوية، وذلك بهدف تفعيل حوكمة المؤسسات، وتطلب الدراسة الإفصاح عن المعلومات العامة للشركة، الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بإدارة المؤسسة، الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بهيكل تمويل المؤسسة، الإفصاح عن المعلومات المالية، الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بمعاملات الأطراف ذوي العلاقة، الإفصاح عن التطورات الحديثة والمتوقعة وأنه من المفترض أن يمثل مجلس الإدارة مصالح المساهمين، يمنح أعضاء مجلس الإدارة واجب استئمانى Fiduciary Duty لإدارة أنشطة المؤسسة وزيادة أرباحها والقيمة الشرائية لأسهمها.
ويمنح أعضاء المجلس واجب الولاء والتعامل العادل فيتعين عليهم وضع مصلحة المساهمين قبل مصالحهم الشخصية، ويتعين علي أعضاء المجلس كذلك ممارسة واجب العناية وذلك بأن يتصرف بالعناية التي يبذلها أي شخص يتصف بالرشد في أي موقف مماثل.
جدير بالذكر أن الدكتور محمد حسن البنا كاتب صحفى بجريدة "الأخبار"، صاحب عمود يومي "بسم الله"، شغل منصب رئيس تحرير الأخبار، كما كان وكيلا للمجلس الأعلى للصحافة، محاضر في "علوم الصحافة، والإدارة والحوكمة "والبيئة وقضايا المجتمع المدنى والأهلي. ومستشار التدريب الصحفي في عدد من الهيئات والمراكز، حاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم الإدارية 2019، وكانت رسالته في حوكمة المؤسسات الصحفية، وحاصل على ماجستير في ادارة العمل الصحفي وتحسين المهارات الصحفية 2010، ودبلوم الدراسات العليا في إدارة البيئة بأكاديمية السادات للعلوم الادارية 2002. ودبلوم الدراسات العليا فى الادارة العامة بأكادمية السادات للعلوم الادارية 2003، إضافة إلى دورات تدريبية في الحرب المعنوية والنفسية والاعلام العسكري من إدارة الشؤن المعنوية بالقوات المسلحة 1978 وأكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1988.