السبت 20 ابريل 2024

عيد الأب.. ولامؤاخذة

مقالات21-6-2021 | 20:18

 يحددونه عالميا اليوم، 21 يونيو من كل عام، ويضعونه فى المقررات الاحتفالية ببعض البلدان على هيئة لافتات دعائية تنتشر طواعية باجتهادات خاصة، لكن لا يجد الحدث صدى حقيقيا كبيرا لدى مؤسساتها وخاصة التشريعية المشغولة بما يتاح لها من مشروعات القوانين التى تحاصر وجوده.

 

إنه عيد الأب الذي لا يحتفل كثيرون به بيننا، وقد فقدوا أبوتهم بتشريعات طاغية منذ قرن، ارتقت لمستوى القدر بتعديلات متعاقبة خلال العقدين الأخيرين، لتصبح الأبوة رهنا باختيار وتقدير آخرين، وتخييرا لصغير مضلل عند سن المراهقة، أو قل هى رخيصة بعرف دعاة قطع الأرحام ومصطلحات جلساتهم الخاصة، ولا تزيد عن محاولة لانتقاص شيء من عجرفة نسوية معاصرة أشبه بالذكورية البالية.

 

حصريا؛ وفى تشريعات بلدان أفقدت مجتمعاتها توازنها بفعل استبعاد أحد عنصريها، ستجد إنتاجية الفرد متراجعة وحالته غاية الاستسلام، أو ترصد رد فعله خارج على القانون لو دافع عن حقه فى رعاية ابنه وحق الأخير فى بنوته، وقل ما تشاء فى آلاف الآباء الأرامل وكذا الملايين من أبناء الشقاق الذين تحولوا إلى مشروعات آباء متى كبروا فى ظل تشريعات توسعت فى أسباب الطلاق، وفكروا مع بلوغهم فى مشروع الزواج بذات القواعد التشريعية والمجتمعية.

 

لم تذهب تشريعات بهؤلاء إلى احتساب الأعياد الدينية والاجتماعية أحداثا سعيدة فى حياتهم، وهكذا الطرف الآخر من الأبوة "الأم غير الحاضن"، والتى تحرمها مثل هذه القوانين حقها فى رعاية أطفالها لزواجها، أو تجد مأساتها فى ضياع شبابها فى حماية أمومتها خوفا من سقوط "الحضانة" وضياعها.

 

فى عيدي الأب والأم لن تجد كثيرين وكثيرات فى سعادة أو محتفلين بمناسبات كهذه، تجدهم أكثر شقاء وشعورا بالحرمان والسخرية من أحوالهم فى الوقت ذاته، وقد يرصد متخصصون نفسيون مظاهر مختلفة لأوضاعهم كعدم استقامة عباداتهم أو سيطرة اللامبالاة عليهم، وهى سمات ناتجة عن ميراث تشريعات لا يبالي بها علماء عقائد أو مشرعون غالبا.

 

أتصور أن حكومات بلدان كهذه لا تمرر قوانين معززة للشقاق دون أن تدرس عوائدها وتحتسب قاعدة المستفيدين منها لتشجع بقائها وتطورها تحت مزاعم دعم لجندرية تقودها جماعات الضغط والمصالح، ومع سياساتها تنشأ فكرة الحماية الذاتية أو قل يظهر أرباب فكرة فرض قانون القوة فى مواجهة قوة القانون غير المتزن، وهو وضع لن يتغير كثيرا على الأغلب دون رحيل أجيال وتضحيات أخرى.

 

فى مجتمعات كهذه ربما تجد مؤمنين بأن "صدقة جارية وعلم ينتفع به" أكثر ضمانة من ولد صالح يدعو لهم لم يرب بين يدي أبيه أو أمه، وستجد معتزلين كثر فضلوا الحياة بعيدا عن الصراعات المفتعلة فى مشروعات اجتماعية واهية عنوانها الزواج والطلاق، وسترصد إلى جوارهم حالات كثيرة فضلت أن تكون الأبوة حربا أهلية كما يفرضها القانون أو أحد طرفي المعادلة عليهم، وبين هؤلاء وأولئك لا تسأل أين ومتى وكيف تنشأ الكراهية فى تلك المجتمعات خاصة لدى النشء.

 

هذه المعاناة المستمرة التى لا يسمع معها مشرع صرخات آباء وأمهات، ويتحايل عليها منتفعون ومنتفعات من آلام هؤلاء وأولئك، لا يصح معها احتفالا مخادعا بالعيد "الأكذوبة" للأب، الذي لا يناسب كثيرين بمجتمعات كهذه لا يحتملون مزيدا من الكذب والتجمل فى ظل قوانين ظالمة، بينما تخرج مجتمعات أخرى ألسنتها لهم متباهية بما تفرضه من مسؤوليات وتصنعه من أحلام لمستقبلها بحضور أب وأم وطفل فى كافة مشروعاتها الوطنية.

 

إن استعادة النماذج المثالية للأب والأم والطفل الشركاء فى أحلام أوطانهم، تحتاج إلى إجراءات سريعة واسعة النطاق تستهدف استثمارا حقيقيا فى البشر، لا استثمارا فى أزماتهم التى اصطنعتها قوانين مؤسسية أو مجتمعية أزالت التكامل والمشاركة من أفكارهم، وربما انتقصت من حقوق المواطنة لديهم بطريقة غير مقبولة.