الإثنين 29 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (21)


د. محمد أبو الفتوح غنيم

مقالات26-6-2021 | 20:11

د. محمد أبو الفتوح غنيم

وُلد وليم ماثيو فلندرز بتري، في "شارلتون" في إنجلترا عام 1853م، وجاء إلى مصر عام 1880م؛ ليبدأ رحلة من أعمال الحفر والتنقيب امتدت لأكثر من أربعين عاماً من الحفائر والاكتشافات في مصر والشرق الأوسط، فقام بقياسات في أهرامات الجيزة في الفترة من 1880-1883م، ثم ما لبث أن عمل لصالح "جمعية استكشاف مصر Egypt Exploration Society"، التي أنشئت في لندن عام 1882م بدعم من أثرياء وكُتَّاب ومثقفين بريطانيين وأمريكيين؛ بغرض تمويل ودعم الدراسات الأثرية المصرية والحفائر الجارية في مصر.

 

ورغم صعوبة خروج قطع أثرية من مصر، حسبما ينص القانون في ذلك الوقت؛ باعتبار أن الآثار المكتشفة في مصر هي ملك للمتحف المصري في بولاق، فإن بتري قد توصَّل إلى حل مع "ماسبيرو" مدير مصلحة الآثار المصرية، فقد أقنعه بأن يعمل في مصر وكيلاً لمتحف بولاق، وأن يكون لديه تفويض بأن يشتري الآثار نيابة عنه، وفي النهاية سوف يقدِّم المجموعة، التي سوف يقتنيها أو يشتريها، بكاملها لمصلحة الآثار، ولا يطلب إلَّا أن يسمح له بأن يأخذ معه إلى بلاده تلك الأشياء التي لا يريدها ماسبيرو، وعندها تكون تلك الأشياء متاحة للصندوق كي يقوم بتوزيعها على المتاحف البريطانية والأمريكية، ووافق ماسبيرو شريطة أن تظل الاتفاقية بينهما سرِّية.

قام "بتري" بحفائر في أماكن أثرية عديدة في مصر، منها "تانيس"، السهل الواقع على شاطئ بحيرة المنزلة، وكانت مهداً للأسرة الـ 21 الفرعونية، وكان ذلك عام 1884م، وهناك كشف بتري عن معبد رمسيس الثاني وبقايا تمثاله العملاق المتناثرة، الذي اعتقد أنه أكبر تمثال تمَّ نحته (30.5م).

وانتقل بعدها إلى "نقراطيس" غرب الدلتا، و"الدفنه" في وسط الدلتا، التي قضي فيهما عامين متتاليين حيث اكتشف العديد من كِسر وأواني الفخار، مكنته من أن يثبت أن كلا الموقعين كانا من المراكز التجارية المهمة فى الفترة الإغريقية.

وفي 20 نوفمبر 1891م، بدأ بتري الحفر في "تل العمارنة"، حيث مدينة "أخيتاتون" التي اتخذها أخناتون عاصمة لدولته بعد أن هجر طيبة. وسرعان ما وجد "بتري" في منطقة القصر الأرضية المرسومة برسومات ملونة، التي تبلغ مساحتها 76م.

لينتقل بتري بحفائره بعد ذلك إلى "فقط" شمال الأقصر، حيث اكتشف تماثيل من الحجر الجيري للمعبود "مين Min"، ثم استخرج في نقَّادة إلى الجنوب قليلاً، مقبرة كبيرة تحتوي على الآلاف من القطع البدائية، ومنها سكاكين من الصوان، و"بالتَّات" أي أدوات رسم حجرية Palettes، ورؤوس صولجانات، إضافة إلى فخار لم يكن مصنوعاً بواسطة عجلة الفخار. ولم يكن هناك أي أثر على وجود الكتابة في أي مكان، فعرف بتري أنها حضارة أقدم من أية حضارة سبق التعرف عليها.

وفي عام 1899م حصل بتري على امتياز بالتنقيب في "أبيدوس"، موقع مقبرة "أوزوريس"، بعدما رُفض طلبه عدة مرات، وقد سبقه بالحفر في هذا الموقع كلا من: "مارييت"، و"ماسبيرو". ورغم أن عمليات الحفر السابقة قد أفرغت جوف الأرض من كل شيء ذا قيمة، إلَّا أن اهتمام بتري كان ينصب على الكِسر والقطع الأثرية الصغيرة، التي يمكن أن تكون دلائل أثرية وتاريخية مهمة، فقد يمكن التعرف على أسماء الملوك من كِسر الأوعية الحجرية وأختام الجرار، وعن طريق المقارنة بينهما في التشابه والاختلاف في الأسلوب تمكّن بتري من وضع تتابع تاريخي.

وقد قام بتري لسنوات عديدة بأعمال حفر على نطاق واسع في أبيدوس، وفي غيرها من المواقع، وكشف عن كثير من المدن والجبانات والأهرام القديمة. وحفر في معظم مناطق مصر من الأهرامات إلى الدلتا وفي مدافن العصر الروماني في هوارة، وفي العمارنة، وفى ميدوم، وفي المنيا، والنوبة، وسيناء، ولا يوجد من عمل في كل هذا العدد من المواقع سواه. وأسَّس مدرسة في التنقيب، أو الحفر الأثري، استطاعت الكشف عن فترة طويلة من التطور فيما قبل التاريخ، وذلك بتركيزها على الأشياء الصغيرة أو المهملة. كما قام فى السنوات الأخيرة من عمره بالعديد من أعمال الحفر فى فلسطين وغزه.

وكان بترى قد باع مجموعته الكبيرة، التى قدرت بالآلاف من الآثار المصرية، وكان قد جمعها من حصيلة حفائره الكثيرة، لتنضم إلى مجموعة "إميليا إدواردز"، الصحفية والرحالة البريطانية المحبة للآثار المصرية، وتشكِّل قوام واحدة من أكبر مجموعات الآثار المصرية القديمة خارج مصر، والمعروفة بالمتحف الذي حمل اسمه "متحف بترى للآثار المصرية" في لندن. أنشئ هذا المتحف ليكون مصدراً ومرجعاً تعليمياً لطلبة قسم الآثار المصرية، ودراسات فقه اللغة، فى كلية جامعة لندن فى نفس الوقت، الذي أسس فيه هذا القسم وكان ذلك عام 1892م.

ومن بين مقتنيات هذا المتحف العديد من الأقنعة الجصية الملونة التى كانت توضع على أوجه المومياوات،

يمثل القناع صورة مطابقة لوجه المتوفى، ربما كان الغرض منه حماية الوجه فى حالة تعرض الجسم للتحلل أو للتعرف عليه فى حالة تغير ملامح ومعالم الوجه.

 ظهر القناع الجنائزي منذ بداية عصر الأسرات أو ربما قبل ذلك، وفي عصر الدولة القديمة، وربما قبلها، في صورة الرأس البديلة التي تطابق ملامح صاحبها، وهو نوع ظهر أول مرة في عصر الملك "خوفو" وكانت توضع فى حجرة الدفن، ليسهل على الروح التعرف على صاحبها، وبعد تشكيلها من الحجر الجيري تترك دون طلاء، بعد إضافة بعض الملحقات كالأذنين.

ولقد صنعت الأقنعة من مواد مختلفة جاءت من مواد بسيطة فى البداية من الخشب، ثم تطور بعد ذلك ليصبح من معادن ثمينة مثل القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون. وفى العصر اليوناني الروماني صنعت هذه الأقنعة من طبقات من الكتان أو البردي الملتصقة ببعضها جيداً بالغراء حيث تتماسك هذه الطبقات مع بعضها، ثم يتم وضع طبقة من الجص (الجبس) الرقيقة فيما يعرف بـ "الكارتوناج". وهذا الطلاء الجصي الأخير يعطى سطحاً أو أرضية مستوية وناعمة وبيضاء للتصوير عليها بالألوان ويتميز بثباته عن الكتان أو البردي وحده.

وكانت هذه الأقنعة تتميز بالمرونة، فتأخذ شكل الجسد الملفوف، أو المومياء المحنطة التى ستوضع داخلها.  واستعملت أقنعة "الكارتوناج"، إضافة إلى حماية المومياء؛ لتصويرها وتزيينها، حتى يسهل تعرف الروح على صاحبها حسبما كان يعتقد المصريون القدماء في البعث بعد الموت.

وهذه الطريقة كانت تستخدم منذ الأيام الأولى للدولة الوسطى (2050-1710ق.م)، وقد استخدم فى البداية لعمل الأقنعة المجسمة للمومياء ثم تطور استخدامه ليغطي الجزء العلوي من الجسد ثم للجسد كله. وقد انتشر فى العصر الروماني عمل هذه الأقنعة الملونة للمومياوات، ثم أوجه شخصية مسطحة وملونة لأوجه الموتى كانت توضع على أوجه المومياوات والمعروفة مجازاً بـ "وجوه الفيوم"، حيث تحررت إلى حد كبير من التأثير الفرعوني القديم، وكانت بمثابة صور شخصية لأصحابها بملامحهم الخاصة.

Dr.Randa
Dr.Radwa