الإثنين 17 يونيو 2024

.. ومتي يكتب المشير طنطاوي شهادته؟

14-1-2017 | 20:45

كان ظهور المشير محمد حسين طنطاوي إلي جوار الرئيس عبدالفتاح السيسي في افتتاح مجمع الجلاء الطبي الأربعاء الماضي مفاجئا للبعض، ومدهشا للبعض، ومحيرا للكثير، حبا أو كرها في المشير، بعضهم وجه انتقادات لاذعة للرئيس الذي يستحضر الوجوه القديمة في المشهد الراهن، وبدا منحازا لعصر مضي، مثمنا رجالاته، بمتوالية ظاهرة للعيان، استقدم الوزيرة فايزة أبوالنجا مستشارة للأمن القومي، واللواء أحمد جمال الدين مستشاراً لشئون الإرهاب، وهاهو المشير طنطاوي حاضرا في المشهد.

بعيدا عن اختيارات الرئيس وهو مسئول عنها، فإن حضور طنطاوي الافتتاح أهاج شجوناً كانت قد خمدت، واحيا اتهامات كانت قد سكنت، وأشعل هواجس كانت قد بعدت نسبيا بشأن عودة وجوه مبارك إلي صدارة المشهد، نال الرئيس هجومات علي خلفية حضور طنطاوي كان في غني عنها فعليا.

بعيدا عن الاحتفال، فإن حضور طنطاوي شاحبا، مريضا، لايكاد يصلب طوله وقوفا، يطرح سؤالا واجبا، ماذا لو تخلي المشير عن صمته، وكتب مذكراته عن ثورة 25 يناير منذ نزول القوات المسلحة الشارع مساء 28 يناير وحتي إقالته هو ورئيس الأركان الفريق سامي عنان مساء الأحد 12 أغسطس 2013 في مؤامرة إخوانية دبرت بليل، وحصنها المعزول بالإعلان الدستوري الصادم، فليكتبها دافعا عن شخصه اتهامات صدرت، وعن بدلته العسكرية قاذورات لحقت، كوسخ الودان، نالت من هيبة الرجل وسمعته بين الناس، لدرجة استنكاف حضوره محفلاً عسكرياً كما تقضي التقاليد العسكرية الراسخة، والرجل صامت يتألم في صمته، محتسبا ظلمه لله سبحانه وتعالي.

من حقه الصمت، طول عمره صموت، نادرا ما يتحدث، ومن حقنا عليه أن يتكلم، من حق التاريخ أن يسجل شهادته، أن يكتب هذا الفصل التاريخي في أوراقه، شهادة حية لوجه الوطن، شهادة حق، شهادة تنصف مظلوما، وتحق حقاً، وتضع نقاطاً فوق حروف شاهت، وباخت، وتشوهت بفعل فاعل.

حقنا عليه أن يضعنا في قلب الحدث، كان المرجل يغلي، وهو يكتوي بناره، وهناك من يرتدي زورا ثوب البطولة والفداء، كانت المركب تغرق وهناك من يرتقي الصاري العالي راكبا علي الموج من عل، صائحا أنا لها أنا لها، ومصر أكبر منه، كانت مصر تضيع وهو ممسك بدفة عتيقة والسفينة تجنح، وتشحط في صخور صلبة مسنونة، تتكسر جوانبها، وركابها يتصايحون، نجونا نجونا، ولهجة الموج تجرفهم إلي القاع.

من حقنا عليه أن يترك وثيقة بمن خان إخوانه في الميدان، وبمن باع وطنيته بثمن بخس، بمن أخلص وكان منصفا لوطنه حادبا علي أهله، من تآمر، ومن تواطأ، ومن وقف وقفة رجل في وجه ماحاق بنا من عواصف رعدية هائلة، تسونامي كادت تورثنا الغرق في بحر المؤامرات الكونية التي تنسجها المخابرات الأمريكية منذ خليج الخنازير في "كوبا" وحتي الفوضي الخلاقة في بلاد العرب، "لعبة الأمم" مستمرة ونحن عنها غافلون.

شهادة طنطاوي علي مبارك، شهادة علي عصر كامل، كان في مقطعه الأخير وزيرا للدفاع، الدفاع عن الحدود وعن الدولة وعن أغلي اسم في الوجود، شهادة عسكرية منضبطة، علي الحرف، لايهمني أدان مبارك أو أنصفه المهم هي شهادته للأجيال، لا لمبارك لكن لمصر.

شهادة عن ثورة 25 يناير كاملة غير منقوصة، شهادة علي ثورة غيرت وجه مصر، شهادة حق، تزيح الزيف جانبا، وتحق الحق، وتزهق الباطل الذي يتتري علي ألسنة تبخ سما زعفا في عروق شباب نفرت، وتهدجت حبا في مصر، ونزفت من أعمارها فداء المحروسة.

فليكتب المشير يومياته، يكتب عن المرائين، عن المرجفين، عن باعة الثورات، ومتبضعي الدماء، وعن الثائر الحق، وعن الباطل اذا يثور متدثرا بعباءة الدين، مكورا قبضته في وجه المصريين، وهو من هو.. كان (المشير) مصبا ومحلا للتقارير، والتقديرات، والأحداث، والوقائع، يوما بيوم، وساعة بساعة، ودقيقة بدقيقة، بالثانية، كانت أنفاسه تتلاحق وهو يري مصر تتهاوي، وكان يجب أن ينتصر.

شهادة عن أحداث عبرت، تلونت بلون الدم القاني، من محمد محمود إلي مجلس الوزراء إلي ماسبيرو، شهادة علي الدم المراق، شهادة من لا يخشي في الحق لومة لائم، شهادة من يرجو لقاء ربه، شهادة له وعليه، للجيش وعليه، للشرطة وعليها، للثورة وعليها، للإخوان وعليهم، للأقباط وعليهم، قولة حق وإن كذبه المجترءون، وإن صدقه المحبون، وإن وقف علي حروفه نقدا وتجريحا، والجرح من التعاليم الإسلامية ومنها جرح الحديث الشريف، يضع كل هذا وأكثر خلف أذنيه، وليسمع شعبه صوتا كريما بالحق يقول، لا يبتغي إلا مرضاة الله سبحانه وتعالي.

شهادته علي الإخوان ورئيسهم مرسي، شهادة لوجه الله، هل فاز مرسي برئاسة الجمهورية حقاً؟ هل نال الفريق شفيق الهزيمة صدقا؟ هل تدخل في توجيه النتيجة انحيازاً للإخوان.. هل سلمهم البلد.. هل خشي من باس الإخوان.. هل خاف علي المحروسة من الحريق الكبير، حريق القاهرة الثاني؟

هل كان مرسي منصفا مع مصر أولا، هل كان مرسي لمصر أم للإخوان، هل كان صادق الوعد، هل كان وفيا للعهد، هل خان الأمانة، هل فرط في الأمن القومي، ولماذا خرج المشير ورئيس أركانه هذا الخروج المريب، وهل فعلها خشية، أم قبلها اتقاء لشرور هو يعلمها وعزت علينا معرفتها، هل خشي المشير الأمريكان ومن والاهم من الأعوان، هل كان مرغما أخاك لا بطل؟

شهادته علي السيسي مديرا للمخابرات الحربية، وزيرا للدفاع، رئيساً للجمهورية، شهادة حق علي رجل أتي بما لم يأت به طنطاوي، لم يخش الإخوان، وأخرجهم من الحكم بليل، وعزل رئيسهم، مستندا إلي ثورة 30 يونيه الشعبية العارمة، وسجن مرشدهم، وشتت شملهم في الأرجاء.

ألم يدر بخلد طنطاوي وهو جالس إلي جوار الرئيس، كيف تبدلت الأحوال من حال إلي حال، ألم تمر أمام ناظريه المشاهد والأحداث الجسام التي انتهت بالمشير إلي جوار الرئيس، وهو من هو من تم تجاهله يوم الاستلاب الإخواني للنصر العظيم في استاد القاهرة، وهو المحارب الجسور في حرب العبور، قائد ناصية الدبابات في معركة المزرعة الصينية التاريخية، ألم يتحرك لسانه بالحمد لله علي الصحة وما تبقي منها يكاد يكفي أطال الله في عمره، لكتابة شهادته للتاريخ، شهادة محارب عظيم اسمه محمد حسين طنطاوي.

كتب : حمدى رزق