كما الأحباش هم القاسم المشترك في مسألة نهر النيل، كذلك الفرس في القضية اليمنية، وفي تقاطع مريب يجتمع الطرفان على اليمن، لذا لم يكن مستغرباً عودتهما إلى حيث بدأت القصة القديمة في التوسع والهيمنة، أي النيل واليمن، كأن التاريخ يعيد نفسه، مع اختلاف الأدوات والأشخاص.
بدأت قصة تدخل الأحباش في اليمن في العام 533 ميلادية، حين غزوه واحتلوه، وعلى الإثر كانت هناك محاولات عدة للتخلص من حكمهم لكنها فشلت، حتى استعان سيف بن ذي يزن بالفرس الذين أرسلوا له 800 جندي، بقيادة عسكري يدعى وهرز، وهؤلاء بالأصل سجناء محكوم عليهم بالإعدام لارتكابهم جرائم جنائية في ذلك الوقت.
هزمت تلك القوة الجيش الحبشي بقتلها قائده، غير أن الأمر لم يستتب لسيف بن ذي يزن، إذ أدرك فوراً الورطة التي أوقع نفسه فيها، حين رفض القائد الإيراني الدخول من بوابة صنعاء التي كانت منخفضة بعض الشيء كي لا يطأطئ رأسه وهو على ظهر الحصان، لذلك أمر سيف بن ذي يزن بهدم البوابة وكان له ما أراد، وكانت تلك أولى خطوات الهيمنة الفارسية ووقوع البلاد بقبضة أولئك السجناء القتلة، وحينها تحالف الأحباش والفرس لفترة وجيزة، لكن النوازع التوسعية لكلا الطرفين أدت إلى اندلاع الحرب بينهما.
في تلك الفترة بدأت أنظار الفرس تتجه إلى مصر، التي كانت تمثل مجالاً حيوياً للأحباش منذ قرون، لا سيما بعد حربهم الأولى مع الفراعنة خلال حكم الأسرة الثالثة والعشرين، ويومها اتخذوا من النيل سلاحاً لتهديد المصريين، غير انهم هُزِموا في تلك الحرب، وتخلوا عن طموحاتهم التوسعية.
للمفارقة اليوم يعود الطرفان إلى صدارة السعي التوسعي ويتفقان على مناطق النفوذ الحيوي القديمة ذاتها، أكان من خلال وريث العمالة الفارسية عبدالملك الحوثي، الذي هو في الحقيقة أكثر دناءة في تعامله مع سيده الإيراني من سيف بن ذي يزن، إذ تحول دمية بيد الحرس الثوري بقيادة حاكم الظل، سفير طهران في صنعاء، وهرز الفارسي هذا العصر حسن إيرلو.
ربما لا ينتبه كثير من المراقبين إلى العلاقات الإيرانية- الإثيوبية، ودور الشركات الإيرانية في المشاريع المساندة لسد النهضة، التي تتخذ منها الاستخبارات ستاراً لتنفيذ مخططها في القارة السمراء انطلاقاً من أديس أبابا، في وقت يعمل كل من الطرفين على تحقيق هدف إستراتيجي وهو تقويض الأمن القومي العربي، كل وفق مصالحه، فالإيرانيون يسعون إلى السيطرة على الجوار العربي باعتباره حديقتهم الخلفية تحت شعار "تصدير الثورة" وفرض ثقافة مذهبية ضيقة، بينما الأحباش يعملون على تعطيش مصر والسودان من خلال حبس مياه النيل سعياً إلى إضعافهما ليصبح بعدها من السهل التغلغل في المحيط الإستراتيجي الأفريقي.
عند هذه النقاط تلتقي مصالح نظام الملالي مع أديس أبابا، ومن هنا يبدأ ما يمكن اعتباره توزيع أدوار، هو في الحقيقة نسخة مكررة عما جرى في القرن السادس الميلادي، وكذلك في حملة الخديوي إسماعيل على الحبشة في القرن التاسع عشر، ودعم الفرس للأحباش وقتذاك، وحالياً فإن هذا التقاطع المريب يلاحظ عند كل منعطف في تطور الأحداث، أكان في اليمن أو مسألة سد النهضة، لا سيما بعد إعلان بعض شركات الطاقة الإيرانية البدء في تنفيذ مشاريع على هامش مشروع السد في إثيوبيا.
انطلاقا من هذه الحقيقة، يمكن النظر الى التهديدات الفارسية الحبشية للأمن القومي العربي، والتعاطي معها على أساس أن ما يهدد المملكة العربية السعودية يهدد مصر ودول الشمال الأفريقي العربية، وكذلك ما يمس بالأمن المصري، الاقتصادي والمائي، يعتبر عدواناً على الدول العربية الأخرى.