الجمعة 19 ابريل 2024

الدبلوماسية الثقافية والعلاقات الدولية

مقالات4-7-2021 | 15:15

فى عالم اليوم لم نعد نعيش فى قرية كونية صغيرة كما قال العالم مارشل ماكلوهان، بل أصبحنا نعيش حجرات صغيرة متقاربة، ولم تعد السموات مفتوحة بفضل الأقمار الصناعية فحسب بل إن هذه الحجرات أضحت بلا أسقف بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ساهمت التكنولوجيا فى نقل الأفكار بسرعة غير عادية، دون أن تترك مجال لحفظ الأسرار أو بناء الأسوار.

 

ومع عملية الانفتاح الفكري، أصبح الحوار بين الثقافات ضرورة حتمية، ليتم تبادل الأفكار والقيم والتقاليد فى مجالات الفن والرياضة والأدب والموسيقى والعلوم والأعمال والاقتصاد، بين الأفراد والدول، لخلق التقارب بين الشعوب والتفاهم ولتقوية العلاقات وتعزيز التعاون الاجتماعى الثقافى والدفع بالمصالح الوطنية ولتعزيز السلام والاستقرار فى جميع أنحاء العالم وللتأثير على "الرأى العام العالمي" خاصة حينما تواجه الدولة حملات دعائية مضادة وحروب شائعات تعمل على تشويه سمعتها.

 

ورغم أن مفهوم "الدبلوماسية الثقافية" أو "الدبلوماسية بين الثقافات" ظهر حديثاً إلا أن الدول كانت تمارسه منذ فجر التاريخ، من خلال المستكشفين والمسافرين والتجار والفنانين كسفراء غير الرسميين عن الدولة التى يمثلونها.

وقد قامت الحكومات بتوجيه اهتمامها للدبلوماسية الثقافية كأحد أدوات القوة الناعمة وتخلياً عن استخدام القوة الصلبة التى تستخدم العنف والإجبار عبر القوة العسكرية. لتعمل الدبلوماسية الثقافية كعنصر مؤثر على الدبلوماسية السياسية أو الاقتصادية. وكالحكومات كذلك وجهت شركات القطاع الخاص اهتمامها لفهم واحتضان القيم والاحتياجات المختلفة للثقافات حتى تحظى برأى عام إيجابى وصورة جيدة، وبالتالى تحقق أداءً ماليًا أفضل.

 

وعلى مر السنين سعت الدول لاستخدام الدبلوماسية الثقافية، كمحفز لتعزيز التعاون وتخفيف النزاعات، على سبيل المثال إطلاق برنامج فولبرايت، الذى قدمه جيمس ويليام فولبرايت عام 1946 أمام مجلس الشيوخ الأمريكى لإنشاء أول برنامج عالمى للتبادل التعليمى بهدف تعزيز السلام والتفاهم بين الأفراد والمؤسسات وقادة المستقبل فى البلدان فى جميع أنحاء العالم. وإطلاق الأمم المتحدة لبرنامج سفراء النوايا الحسنة، الذى بدأ عام 1954 لاستخدام قوة ومكانة المشاهير للوصول إلى جمهور عالمى بهدف تحسين حياة ملايين الأطفال فى جميع أنحاء العالم، حيث يتطوع نجوم السينما والموسيقى والرياضة والأدب للمشاركة فى المشاريع داخل مناطق ما بعد الصراع، لتحسين العلاقات بين المجموعات المتعارضة، وبالتالى تنفيذ الدبلوماسية الثقافية.

 

وتعتبر موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية لتوثيق السجلات البشرية العالمية نموذج فعال، للاهتمام بالدبلوماسية الثقافية فى الممارسة العملية لأنها تتجاوز الحدود الوطنية والثقافية واللغوية بين الناس. وكذلك معهد كونفوشيوس الذى أطلقته الصين كأداة للقوة الناعمة 2004 فى عدد من دول العالم لترويج وتعليم اللغة والثقافة الصينية فى الخارج.

 

ولمصر دور بارز فى تعزيز الدبلوماسية الثقافية وخير مثال على هذا متحف الحضارة المصرية بالفسطاط كأول متحف يتم تخصيصه لعرض مراحل تطور الحضارة المصرية أمام الزائرين من كافة أنحاء دول العالم ليروج لعظمة الحضارة المصرية ليس فقط داخل جدرانه ولكن خارج جدرانه عبر انطباعات الزائرين الذين ينقلونها لدولهم.