بقلم – حمدى عثمان
لأسباب عديدة، ارتبط مفهوم «تنظيم الأسرة» بالمرأة، باعتبارها المسئولة عن زيادة عدد أفراد الأسرة أو السيطرة علي تزايد هذا العدد، وبات مصطلح «وسائل تنظيم الأسرة» لدي أغلبنا يعني الوسائل المختلفة التي تستخدمها السيدة لمنع الحمل أو تأجيله، سواء كانت وسائل مؤقتة أو دائمة.
لكن هذا لا يمنع طرح التساؤلات عن دور الرجل في عملية تنظيم أو تقنين الإنجاب باعتباره الطرف الثاني في العلاقة الزوجية ..
يقول الدكتور نبيل مؤمن- أستاذ أمراض الذكورة والعقم والعلاقات الزوجية- بطب جامعة القاهرة: نعرف طرقا عدة لمنع الحمل تستخدمها السيدات مثل حبوب منع الحمل، واستخدام اللولب، أو استخدام كريمات قبل العلاقة الزوجية، لمنع وصول الحيوانات المنوية إلي داخل عنق الرحم، وهذه الكريمات تفقد الحيوان المنوي قدرته علي الإخصاب، أو الدخول في عنق الرحم لإحداث تخصيب البويضة.
وهناك أيضاً حجاب عازل يركب علي عنق الرحم بواسطة الزوجة قبل الجماع حتي لا تتمكن الحيوانات المنوية من الدخول، ولكن الطريقتين الأخيرتين غير عمليتين ولا يمكن استخدامهما لفترات طويلة.
ويضيف: أما بالنسبة للرجل فالطرق المتاحة فهي استخدام العازل الطبي، أو القذف خارج المهبل، وهناك عملية ربط الأحبال المنوية، أو حقنها بمادة جيلاتينية، وفي هاتين الحالتين لا يمكن التأكد من إعادة الخصوبة إلي الرجل وقتما يحتاجها، وهي أيضاً غير مضمونة إذا أراد الرجل الإنجاب، كما هو الحال بالنسبة للمرأة عند استخدام موانع الحمل، وإنما يحتاج إصلاحها لإجراء عمليات جراحية «ميكروسكوبية» أو اللجوء إلي الإخصاب المجهري، إذا أراد الإنجاب، وهذا لا يجد ترحاباً أو إقبالاً عند الرجال، كوسيلة لتحديد النسل، في مجتمعاتنا الشرقية.
ويستطرد: بعض الأبحاث بدأت في الماضي، ومازالت تجري في مراكز البحث حول استخدام الموجات فوق الصوتية لإيقاف انقسام خلايا الخصية لإنتاج الحيوانات المنوية، لكن لايمكن حتي الآن التنبوء بمدي قدرة الخصية علي استعادة نشاطها بعد توقف التعرض للموجات الصوتية، مما يجعل هذه الطريقة غير مقبولة علميا.
الطريقة الأخرى، والتى لا زالت في طور البحث هي استخدام «حقنة» عبارة عن خليط من هرمونات الذكورة وبعض الهرمونات الأنثوية «البروجيستيرون» المحضرة معملياً مما يؤدي إلي توقف الغدة النخامية مؤقتا عن إنتاج الهرمون المسئول عن انقسام خلايا الخصية وتحولها إلي حيوانات منوية، وهذه الحقنة مازالت في طور التجارب البحثية، حتي تثبت كفاءتها وتحديد مدتها، لأنه كما سبق لابد أن تكون وسيلة تحديد النسل منعكسة خلال فترة محددة، لضمان استعادة الرجل قدرته علي الإنجاب.
ويضيف دكتور نبيل مؤمن: هناك أيضاً تجارب علي بعض أنواع الحبوب بنفس الفكرة، ولكنها قد تؤثر علي القدرة الجنسية، أو علي وظيفة الخصية الإنجابية، ومنها استخدام هرمون الذكورة عن طريق الفم كحبة مانعة للحمل.
و يحذر دكتور نبيل من مضاعفات هذه الوسائل وتأثيراتها علي الخصية.
يشير دكتور نبيل إلي دخول علم الجينات لمجال البحث عن تحديد النسل، ولكنها مازالت تجارب في طورها المبكر، تجري علي فئران التجارب.
ويقول: من المؤكد أن أكثر الطرق قبولاً عند الزوجين، هي حبوب منع الحمل واللولب عند الزوجة، والعازل الطبي وجراحة ربط الأحبال المنوية عند الزوج، و تجري في أمريكا وأوروبا، لكنها لا تحظي بالقبول في مجتمعنا الشرقي.
ويتابع: من الضروري أن نشير إلي أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية خصوصا في المنطقة العربية تفرض ضرورة استخدام وسائل تنظيم الأسرة، حتي يمكن الاهتمام بطفل أو طفلين، ومنحهم فرصة كريمة من التعليم والاهتمام بنشأتهم نشأة صحية واجتماعية سليمة.
ويلفت دكتور نبيل إلي تزايد حالات العقم في السنوات الأخيرة بسبب تلوث البيئة، ودخول الهرمونات في غذاء الثروة الداجنة والحيوانية، وانتشار الملابس غير الصحية، مثل «الجينز» الضيق الذي يؤثر سلباً علي وظيفة الخصية، وبعض المهن التي يتعرض أصحابها للمبيدات الحشرية والكيماويات ودرجة الحرارة العالية، دون الأخذ في الاعتبار استخدام وسائل الحماية اللازمة.
ويتابع: مادة «الديكوسين» المستخدمة في صناعة العبوات والأكياس البلاستيكية، تسبب العقم أيضا ، والدول المتقدمة باتت حريصة علي نشر الوعي بعدم استخدام العبوات البلاستيكية لمرات متعددة واستبدالها بالأكياس والشنط الورقية لحماية الأغذية من التلوث، ولتأثير هذه المادة الضارة علي وظيفة الخصيتين.
ويعتبر دكتور نبيل مؤمن أنه من المهم نشر الوعي عند الرجال في الأسر التي لديها أكثر من ثلاثة أطفال بأهمية استخدام وسيلة ربط الحبل المنوي، التي يفضلها الأزواج في الغرب، بعد استشارة الأطباء كوسيلة طويلة الأمد أو دائمة لتنظيم الأسرة.
دكتور حسنى عوض-أستاذ أمراض الذكورة والعقم- بطب جامعة القاهرة- رصد التجربة الهندية التي تحاول الحد من الزيادة السكانية بتعقيم الرجال، تعقيما دائما أو مؤقتا وقال: المجتمع الهندي مختلف تماماً عن مجتمعنا المصري- والحقن والحبوب التي يستخدمونها مازالت خاضعة للتجارب وتسبب العديد من المشاكل.
ويضيف: فضلاً عن الفوارق النفسية والثقافية وحتي الدينية فإن تحويل الرجل إلي إنسان عقيم باستخدام الهرمونات له مشاكل كثيرة وآثار جانبية، تجعلها فكرة غير مقبولة، كحل لمشكلة الزيادة السكانية.
واستطرد: نحتاج لمنظومة توعوية متكاملة ليعرف الناس مخاطر الانفجار السكاني، لأن تعقيم الرجال يمكن أن يتحول إلي عقم دائم، وبالتالي إلي مشكلة اجتماعية خصوصاً في الريف إلي جانب أننا لا نضمن الآثار الجانبية ليس علي الإنجاب فقط، ولكن علي القدرة الجنسية فيما بعد.
وأكد الدكتور حسنى علي ضرورة التوعية الشاملة بمخاطر الانفجار السكاني، والاهتمام بالتعليم، والثقافة الجنسية، وأن نعلم الناس أن المسالة ليست بالعدد أو الكم بل بالكيف، بمعني أنني عندما يكون لدي ولدان وأربيهم تربية سليمة وأعلمهم «كويس»، أفضل من أن يكون عندي 6 أو 7 أبناء ولا استطيع تعليمهم وإعالتهم ومن المفروض أن تتولي وزارة الصحة نشر الثقافة الجنسية وتحويلها إلي موضوع يدرس للطلبة في المرحلة الثانوية أو الجامعة.
ويتابع: نعاني من انفجار سكاني مرعب، لكن الحل ليس بتعقيم الرجال لأن هذا سيسبب أزمة اجتماعية كبري، وعلينا مراعاة البعد الديني والثقافي والاجتماعي.
أما علميا فإن ربط الحبل المنوي، وإعطاء هرمونات من أجل قتل الحيوانات المنوية، كل ذلك فشل فشلاً ذريعاً