حــوار : محمد عبدالحافظ
عدسة : إبراهيم بشير
حالة إنسانية فريدة فى عالم الطب، حياته تشبه فيلماً سينمائيا، مليء بالحبكات الدرامية، التى لم تؤثر علي حالة الرضا الإنساني التي يعيشها ويغمر فيضها مرضاه والمتعاملين معه ..
بالنسبة لي كان الحوار مع «حكيم العيون» دكتور حازم ياسين تجربة خاصة وممتعة، وأظن أن القراء سيشاركوننى بالغ الإعجاب بهذا النموذج الإنساني عقب إنتهائهم من قراءة الحوار..
د . حازم الطبيب الإنسان من أنت ؟
- أنا العبد الفقير إلى الله حازم ياسين اختارنى الله لكى أكون أحد أدواته فى علاج فقد الإبصار وأمراضه
لماذا اخترت الطب مهنة ومساراً.. وكيف ترى دور الطبيب فى حياة مرضاه؟
- منذ صغرى تربيت فى بيوت أخوالى وخالاتى وأذكر أن عائلة والدتى رحمة الله عليها كانت من الأطباء ،أو فى مراحل مختلفة من التعليم الطبى، فنشأت أحب هذه المهنة ..وكنت حين يسألوننى وأنا طفل «تحب تشتغل إيه؟» أقول على الفور دكتور.. مثل أولاد خالى وأولاد خالتى وحين التحقت بكلية الطب- السنة الرابعة تحديداً- اخترت تخصص جراحة العيون، لأن كل أساتذتى فى هذا التخصص كانوا يتمتعون بالخلق الرفيع، والصوت الهامس، والأناقة.. تشعر بأن الواحد منهم راقٍ فى تعامله مع الآخرين، وفى السنة السادسة أخر سنوات كلية الطب فقدت والدتى الإبصار فى إحدى عينيها وأصيبت بالمياه الزرقاء «ومحدش لحقها»، وفى هذا اليوم قررت أن أمتهن طب وجراحة العيون لأقضى على هذا المرض ، لأننى تأثرت نفسياَ بشدة بهذه الواقعة .
كيف تستطيع أن تتعايش مع كونك طبيب للعيون تستطيع دائما اكتشاف أغوار وسلوكيات الآخرين.. ربما من نظرة العين ؟
- أعتقد أن الطبيب إذا اكتفى بالجانب العلمى فقط فى عمله يصبح مثل الآلة، والأفضل أن يتفاعل مع من حوله سواء كانوا مرضى أو أطباء أو غيرهم.. هنا فقط يكتسب صفة الحكيم.
وما الفرق بين الطبيب والحكيم؟
الحكيم هو الصيغة المثالية الأفضل للطبيب.. فهو إلى جانب عمله كطبيب ماهر ينتقى ما يقول ويفهم خفايا النفس البشرية، يدرك متى يقول حقيقة المرض للمريض أو يخفيه إن لزم الأمر.. ومتى يتكلم.. ولمن وكيف؟ أعتقد أن هذه النقطة هى التى تمثل الفرق بين الطبيب والحكيم.. كذلك قدرتك على التأمل وتحليل الأشخاص من حولك، وأن ترى ما وراء الظواهر.. وهناك مقولة أؤمن بها وهى »أنك لاتستطيع أن تطيل عمرك ،الأعمار بيد الله عز وجل وحـده لكنك تستطيع أن تعيش عدة مرات فى حياة واحدة، من خلال اكتساب الخبرات وخوض التجارب ،وبالتالى تتسع بحياتك ويزداد عمقها.. فكأنك زدت خبراتك الحياتية واليومية وعشت أكثر من حياة وأسست «بنك خبرة».
ما هوايتك عندما تجد وقتا؟
- هذا قليل جداً فى الوقت الحالى.. ربنا يدينى العافية ..أنا أعمل يومياً ًحوالى 81 ساعة بين العيادة والعمليات وغيرها بين قصر العينى والمستشفيات الأخرى، وحين تكون هناك أعياد وأوقات فراغ محدودة تصبح هوايتى الوحيدة »النوم».
على ذكر النوم ..لكل منا عاداته قبل النوم.. ما هى عاداتك قبل النوم؟
- غالباً لا أستطيع النوم إلا والتليفزيون » شغال «وإذا تم إطفاؤه أستيقظ ..من عادتى وأنا أعمل أن تكون هناك موسيقى، تحديدا السيدة العظيمة فيروز.
وماذا عن الحب فى حياتك ؟ ألايزال قلبك ينبض به؟
- أول حب فى حياتى هو والدتى ووالدى.. أتذكر كلام أستاذى فى اللغة العربية الأستاذ عبد الحفيظ أبو زيد الذى أعتبره أستاذى فى الحياة، وأنا صغير قال لى :حين تمتهن مهنة.. أجعلها هوايتك . وفى هذه الحالة لن تفقد قدرتك على الابتكار ولن يصيبك ملل ،بل ستطور من مهنتك وتنجح ..!لذلك أشفق على الناس التى تمارس مهنتها «قضاء واجب»..هذا تدمير للذات وللمهنة على السواء ..أنت تعطى مهنتك وهى تعطيك فى المقابل، هذا فى اعتقادى جوهــــــر الحب ..هذا حب غيرمرتبط بأسماء أو أشخاص وهو يوصلك للرضا عن النفس والسلام الداخلى .
ما دمنا نتحدث عن الحب والشعور العاطفى ..هل تشعر بآلام مرضاك؟
- جداً ..لا يوجد واحد من مرضاى إلا وأهتم أن تكون هناك علاقة إنسانية بينى وبينه.. وفى بعض الأحيان أكتب فى ملف المريض أشياء ،تزيل من نفسه الرهبة .. مثلا إذا أخبرنى المريض باسم ابنته ، أدون فى ملفه اسمها، وفى زيارته التالية أسأله مثلاً: أخبار نسمة أيه.. أقصد ابنته لا تتصور المودة التى تنشأ فى هذه الحالة ولا تنسى أن الأهالى دائما ما يخيفون أبناءهم من الأطباء ويقولون لهم لو «ما سكتش ح أوديك للدكتور «!بتبقى العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض كذلك شعوره بالأمان معك، هذه نقطة أساسية للغاية فى العلاقة، هذا من إبجديات المهنة .. إلى جانب تخليص المريض من الشعور بالألم والمرض أن تخلصه من الرهبة الوهمية بين الطبيب والمريض ..!
هناك خصوصية شديدة أعتقد أنها لابد أن تربط الطبيب بالمريض، وإذا فقدها الطبيب ذهبت أهم جزئية فى المهنة .
وهل تنفذ التعليمات التى تنصح بها مرضاك؟
- لا أخفيك سراً ..أنا أخاف جداً من المرض أدعو الله تعالى دائما أن يسترد وديعته دون أن أحتاج إلى خوض معاناة صحية، وطبعاً الأعمار بيد الله ونهايات البشر وصحتهم ليست بأيديهم بل بيده عز وجل، ولكن فى الحقيقة أشفق على المريض جداً وأدرك أن المريض يتألم نفسياً لا بدنياً وحسب.
هل لك صداقات عميقة يمثل أصحابها توائم روحية فى حياتك؟
- والدتى رحمة الله عليها، هى توءم روحى ،ورغم مرور عشر سنوات على فقدى لها، لكنها لا تزال توءم روحى.. شقيقتى «سحر» عوضت جزءاً كبيراَ من علاقتى بوالدتى رحمها الله، لكن علاقة الابن بوالدته تظل هى العلاقة الأساسية فى حياته ،وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت أقدام الأمهات» كان يقرر واقعاً ملوساً فى حياتنا ليوم الدين، الإنسان لايشعر باليتم إلا حين يفقد والدته حتى لو كان عمره حين فقدها سبعين سنة .
عن هذه السيدة الاستثنائية فى حياتك والدتك رحمها الله ..من هى؟ وما أهم الدروس التى استفدتها منها؟
- اسمها دكتورة «سهام قداح» استشارى قلب، وظلت تعمل حتى آخر حياتها.. من مواليد 0391 كانت العاشرة على الجمهورية فى الثانوية العامة ، من قرية بجوار المنصورة اتخذ جدى رحمه الله قراراً شجاعاً وراقيا بأن يرسلها إلى القاهرة لدراسة الطب، كان هذا حدثاً استثنائياً فى تلك الفترة بالطبع ،كان تعليم الفتيات لا يزال محدوداً، وخصوصاً فى الطب، وكان لها توأمتها.. خالتى «نبال» كلتاهما كان اسمهما اسم أداة من أدوات الحرب، وكلتاهما التحقت بكلية الطب سوياً، والدتى كانت الطبيب المقيم للدكتور مجدى يعقوب، وزاملها، كانت أكبر منه بنحو سنتين ،وكانت رحمها الله تحكى لى كثيراً عن عبقرية مجدى يعقوب .. كانت أيضا تقول لى كلمة لا أنساها ، كانت تقول «السيدات جميعهن حين يحملن فإنهن يحملن فى الرحم أما أنت فقد حملت فيك فى قلبى» وتشير إلى قلبها.. أعتقد أن جزءاً كبيراً من قيمى ومثلى أخذتها منها، وهى السيدة التى مررت بجميع مراحل عمرى إلى جوارها وكثير من القيم المزروعة بداخلى جاءت من أمى، لقد كنت محظوظــــا بها ولقد طبقت فى حياتى الآية الكريمة التى تقول «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيراً» لم أخالف والدتى ذات يوم.. «أنا عايش لغاية دلوقتى ببركة دعاها».. ظلت تعمل حتى اللحظات الأخيرة من حياتها.
لماذا فكرت فى الهجرة عقب رحيلها.. وكيف تتذكرها الآن؟
- كنت مرتبطاً بوالدتى جدا ..ًلدرجة أننى كنت غاضباً وبشدة من موتها طبعاً استغفرت الله كثيراً بعد ذلك، لكن كان حرمانى منها صعباً للغاية ..وأعتقد أنه حين وقعت حادثة الفنان أحمد السقا، كنت قد توقفت عن العمل اعتراضاً على موتها ..ربنا سبحانه وتعالى أرسل لى أحمد السقا وإصابته ليستردنى سبحانه وتعالى ويجعلنى أداة لشفائه وليعيدنى إلى عملى ..وفى نفس السنة!
طبعاً أنت تعلم مدى صعوبة الحج.. وصعوبة الحصول على تأشيرة للحج.. فى نفس سنة وفاة والدتى وحادثة السقا قمت بالحج وبسهولة بل بتسهيلات ربانية أحمد الله عليها وسأظل أحمده بقية حياتى ..آخر طائرة أقلعت للحج كنت عليها ،ولم أكن دفعت مقابل التأشيرة قالوا لى اتجه إلى المطار وهناك نتحاسب ،طالع على متن الطائرة وماليش مكان فيها.. الحج ذاته لم أجد فيه أية مشقة ولا زحاماً، كانت تسهيلات الله فوق الخيال، كأنه كان ينادينى فى نفس سنة وفاة والدتى.. ربنا أرحم بكثير مما نظن.
كيف أثرت علاقتك بوالدتك فى مسار حياتك؟
- أولاً: بامتهان مهنة طب جراحة العيون لأنها كما ذكرت أصيبت بالمياه الزرقاء فى إحدى عينيها وأنا فى السنة السادسة من كلية الطب، وفى أثناء حياتها حين كنت أذاكر ماجيستير طب وجراحة العيون كانت تذاكر معى وتسألنى فى كل جزئية مما ذاكرناه تكرر نفس الأمر فى الدكتوراه وفى 6002 وقبل المولد النبوى الشريف بيومين وكانت قد أصبحت لديها عين واحدة سليمة ، استيقظت وقالت لى: «على فكرة أنا مش شايفة حاجة خالص»!
أخذتها و«طرت» بها على عيادتى الخاصة وفتحت العيادة، واكتشفت أنها مصابة بالمياه البيضاء .. قلت لها” لابد أن تجرى جراحة «كانت المفاجأة أنها قالت لى» مادام عندى مية بيضاء، أكيد أنت اللى ح تعمل العملية ! قلت لها :في مليون حد أحسن منى ! قالت لى: أنت بالنسبة لى أفضل من يجرى لى هذه العملية.
أستاذى الفاضل و«أبويا الروحي» »د.محمود أبوستيت» قلت له : إن والدتى تريدنى أن أجرى لها العملية بنفسى.. قال لى: خذها إلى المستشفى بعد غد - يقصد يوم المولد النبوى - المستشفى «حتبقى فاضية ومفيهاش حد» .. وهكذا تتخلص من العبء النفسى وخلال الـ48 ساعة المتبقية ظللت أفكر ماذا لو فشلت العملية؟ وعقدة الذنب التى ستنشأ عن فشل العملية إذا فشلت، كانت أصعب جراحة أجريتها فى حياتى، والصعوبة أتية من أنها تدرى بكل التفاصيل الجراحية .. فتسألنى من لحظة إلى أخرى وأنا أجرى العملية: عملت كذا..؟ وعملت كذا وأنا أجيبها: أيوه . نفسى أقول لها اسكتى، لكن احتراماً وحبا لها لم أنطق، كل ما أتذكره أننى بعد العملية أخذتها وذهبنا إلى المنزل، ونمت36 ساعة دون انقطاع لم أذهب إلى الحمام ولا شربت ماء.. هذا يعطيك فكرة عن العبء النفسى الذى كان بداخلى وأنا أجرى لها الجراحة.. كأننى كنت فى مارثون اختراق ضاحية ربنا رحيم لو كانت حصلت مشكلة كنت سأظل تحت قدميها أخدمها.. المهم ربنا ستر والعملية نجحت .
إذا كان الوالدان هما جذور الإنسان فإن الفروع والثمار هى الأبناء والأسرة الصغيرة ..حدثنى عن أسرة الدكتور حازم وعلاقته بأبنائه وطريقته فى تربيتهم؟
- عندى ابنة اسمها «فريدة» وحالياً فى مرحلة دراسة الطب فى أمريكا وأنا أحاول أن أثنيها عن دراسة الطب، لأننى أشفق عليها وأقول لها :هذه مهنة صعبة جداً.. وأضرب لها أمثلة.. فأقول لها مثلاً: عندنا فنان عبقرى اسمه يحيى الفخرانى كان طبيباً وعمل بنصيحة أستاذ اللغة العربية بتاعى.. هوايته هى مهنته.. انظرى لما يسعدك واتخذيه كمهنة..أعتقد أنها فى امتهان الطب متأثرة بى.
علاقتى بابنتى كلها قائمة على الصداقة نحكى لبعض الكثير من التفاصيل برغم أن كلا منا يعيش فى بلد.
من خلال علاقتك بابنتك كيف ترى العلاقة بين جيل الآباء والأبناء على وجه العموم؟
- أعتقد أن الجيل القديم يرى الجيل الجديد أرعن، متسرعاً ليس لديه وعى أوحكمة، والجيل الجديد يرى القديم «راحت عليه».. أولاً: أعتبر أن الحياة هى رحلة الاستمتاع بتعلم أشياء جديدة.. إذا ارتكنت لما تعلمته فى السابق فلن تستطيع أن تساير العصر.. والفجوة تضيق بين الأجيال إذا وجدت الأجيال الجديدة الأجيال القديمة تستخدم نفس مفردات وتفاصيل الحياة .. مثلا علاقتى قوية للغاية بأولاد أختى ، دائما أجلس معهم وأقول لهم :علمونى كيف هذا.. وكيف هذا.. وهكذا ،أحاول معرفة مفرداتهم اللغوية.. حين تشاهد اليوم فيلما قديماً تجدهم يقولون «ممنون لك» أو «نهارك سعيد»، وهذا مختلف عن لغة جيلك ، وهى بدورها مختلفة عن مفردات الجيل الأصغر.. أهتم كثيراً بمعرفة مفردات هذا الجيل لأفهمهم.
علاقة الطبيب بمرضاه معقدة.. وتتداخل فيها عوامل متعددة.. كيف تصف علاقتك بمريضك؟
- لابد أن يحرص كل طبيب على البعد الإنسانى فى علاقته بمريضه.. هذا أهم شيء فى رأيى، وأيضالا بد للطبيب، كلما ازداد علمه أن يتعلم كيف يتعامل مع المريض وبمنتهى الأمانة ينصح له.. وحين يطلب المريض مثلا المزيد من الوقت قبل إجراء الجراحة «ماتكهربوش» إلا إذا كانت هناك فعلاً مشكلة، التهيئة النفســــية والجـــانب الإنسـانى مهمــــــــان للغايــــــة .. أحيـــاناً «يتوهـــــم المــــريض على نفسه» ويصبح مريضا نفسياً ،فإن لم يجدك كطبيب بجواره فى لحظة ما» تركبه» الأوهام ويصاب بحالة نفسية سيئة جداً، إنه يريدك إلى جواره طوال الوقت.. هنا لا بد أن تخلص مريضك من الارتباط النفسى المرضى بالطبيب.
قيمـــــــــة الكشـــــف أو» الفيـــزيتـــا «يعتبره بعض الأطباء دليلاً على نجاحهم فى تخصصاتهم ويراها آخرون وسيلة لتخفيف الضغط عليهم ..لماذا لا تتجاوز قيمة الكشف فى عيادتــــك رقمـــــاً يدفعــــــه المريض لطبيب ناشئ؟
- أعتقد أن الأطباء جميعاً أدوات علاج والشفاء من عند الله تعالى .. فإذا استطعت تخفيف المعاناة المادية للمريض، فهذا لن ينتقص من تقديرك العلمى أو اسمك ومثلما هناك زكاة مال فلماذا لا تكون هناك زكاة عمل؟ أو زكاة عن صحتك؟ المريض أصلا يعانى من المرض فلا تسع أنت إلى زيادة معاناته مالياً، وليس معنى أن المريض غير قادر مادياً أن يكون حقه فى العلاج غير موجود.. فلنرفع عن كاهل المرضى بعض الأعباء.. أستاذنا الدكتور «إبراهيم بدران» ظل يكشف بعشرة جنيهات لآخر حياته، وهو رجل يمثل قيمة طبية عظيمة.. لا تأخذ من الطب إلا ما يكفيك لأمور الحياة المعيشية.. والمقابل المادى إذا أحببت مهنتك هو الذى سيطاردك وليس العكس! أعتقد أن هذا تهذيب للنفس بصورة أو بأخرى وقد تحمل لك قيمة الكشف المنخفضة هذه سترا من الله فى مواقف أخرى .
ارتبط الأطباء فى مخيلة الشعب المصرى بالإحسان إلى الفقراء كملائكة للشفاء.. ربما يكون هذا قاصراً على المصريين كيف ترى الأمر؟ ولماذا يبدو سهلاً جداً عليك أن تقرر إجراء جراحة مجانية أو علاج بلا مقابل؟
- فعل الخير هو أن تشعر بمعاناة الآخرين ،وتصبح أحد العوامل التى تساعد على قضاء حوائج الآخرين.. هذا نوع من أنواع غذاء الروح والتطهر الصوفى وإذا كان المصريون لديهم هذا الحس - الإحسان للفقراء فأدعوهم إلى المزيد.
علاقة خاصة تربطك بصوت فيروز.. ما الذى يميز أغنياتها ؟
- فيروز أسمعها منذ طفولتى ، صوتها الملائكى وألحان الأخوين رحبانى بما فيها من صفاء ورقى، وتستطيع أن تجعلها خلفية لحياتك دون أن تشكل حاجزاً أو عائقاً ،هى قيثارة الغناء العربى فى رأيى ، ولا أستطيع أن أعمل دون أغنياتها.
من غير فيروز تستمع إليه ويعجبك؟
- أصوات شيرين عبدالوهاب وأنغام ووائل جسار ومروان خورى ..أما عبدالحليم حافظ فهو نجمى المفضل من الرجال مثل فيروز فى السيدات ..حليم هو الذى يشكل وجداننا جميعاً، تاريخـــــه لـــــــــن يمحى أبداً.
وفى التمثيل ..من نجمك المفضل؟
- أخى الحبيب أحمد السقا بالطبع.
كيف تتعامل مع كبار النجوم حين يدخلون عيادتك طلباً للعلاج؟
- عندنا فى الطب، ما يطلق عليه «لعنة الشخصيات المشهورة» لأنه مع زيادة الاهتمام بشخصية المريض قد يحدث شيء غير متوقع تماماً ، إنها حالة معروفة فى اللاتينية بكلمة »ريكومندايش» ريكومند يعنى «موصى عليه و«آيش» أى التهاب.. ومعناه التهاب التوصية، حصلت حالة التهاب من فرط التوصية ،تجرى جراحة فتخرج نتيجتها عكسية ،يحدث هذا كثيراً مع المشاهير والنجوم، أنا والفريق الطبى الذى معى نطبق عشر خطوات مع كل المرضى بصرف النظر عن كونهم مشاهير أو غير مشاهير، وبالتالى تصبح فى معزل عن ناحية أهميته، المشاهير من ضمن البشر.. لكن خصوصية المرض من ضمن الأشياء التى نحرص عليها جميعاً، وأشفق على المرضى المشاهير نظراً لتسليط الضوء عليهم،لاسيما أن قدسية المرض مهمة ويجب احترامها.. والعلاقة بينى وبينهم حسب الظروف، بعضهم تقتصر علاقته معى على العلاج وبعضهم يصبح صديقاً لى مثل أحمد السقا.
ما طبيعة هذه الكمياء الفريدة بينك وبين السقا؟ وكيف تصفه؟
- خصوصية الحدث فى واقعة أحمد السقا.. لقد أصيب فى عينه اليمنى يوم الأربعين الخاص بوفاة والدتى وكنت -خلاص -قد أحجمت عن العمل، لكن أخته الأستاذة فاطمة السقا لم تكن تعرفـــنى ، وبحـــثــــت عن رقم دكتور أزال من قبل قطعة زجاج من عين محمد هنيدى ،وصــــديقتها أخت زوجة هنيدى راحوا على بيت هنيدى وأخذوا رقم السكرتارية الخاصة بى، واتصلوا كثيراً.. لكننى حين تم إبلاغى رفضت وألحوا على، فى النهاية جرى اتصال بينى وبين الأستاذة فاطمة، وأخبرتنى بأن عينه «اتصفت» وأنهم أخبروه بذلك فى مستشفى الأقصر، فقلت لها على الأقل إذا لم نستطع الحفاظ على النظر فلنحافظ على المنظر العام.. قالت لى: هو فى الأقصر ويركب الطائرة الآن.. المهم حين رأيت عينه اكتشفت أنها منتهية لدرجة أننى اكتشفت أن الجراحة ستأخذ 21ساعة مثلاً، وبمجرد أن انتهيت وجدت الممرضات والطاقم المحيط بى يقبلوننى اكتشفت أن الله عز وجل أجرى له العملية أيضا مثلما حدث مع عملية والدتى التى ذكرناها من قبل.. وأذكر أن والدته السيدة نادية السقا سجدت لله شكراً.. الغريب أننى حين ذهبت لأطمئن على الجراحة وجدت نزيفاً شديداً وفقداناً كاملاً فى الرؤية، قلت :معقول يا رب بعدما ترفعنى لسابع سما تنزلنى لسابع أرض؟ سألت: ما الذى حدث؟ فأخبرنى أن مجدى صلاح منصور وهو منتج منفذ صديق جداً للسقا قد توفى، فظل يخبط رأسه فى الحائط من الانفعال فحدث النزيف ،كان الحل أن تظل جالساً فى وضع رأسى لمدة 84 ساعة دون حركة ،وأخبرت السقا فانفعل.. وقال لى مش هقدر ..قلت له أنا جنبك وربطناه فى السرير ووضعنا له وسادات فى الناحيتين وجعلنا السرير فى وضع قائم نسبياً ،وظللت إلى جواره من12 ليلاً إلى ٧ صباحاً وجاءنى فى الصباح أهالى المرضى الذين كنت من المفروض أن أعالجهم قبل وفاة والدتى.. ظلوا يلحون على فى أن أكشف على ذويهم ويستحلفوننى بوالدتى رحمها الله.. وفى 4 ساعات انتهيت من 25 حالة والناس من حولى فى حالة ذهول ..كانت بداخلى طاقة كامنة رهيبة ،ورجعت للسقا ورفعت الغيار عنه فوجدت النزيف قد امتص والعين التأمت ..بفضل الله، وهذا لايحدث علمياً!
ربنا بيديك علامات على الرحمة.. فى اليوم التالى دخلت على السقا فوجدته يبكى ويقول لى أنت أنقذتنى فقلت له أنت اللى أنقذتنى، وربنا نادى لى من خلالك ..وارتبطنا بصداقة، وأصبحت والدته هى والدتى وأصبحت العلاقة عائلية، وأصبحت بمثابة أخيه الكبير.. وهو يصاب كثيرا ً،لكن أقول: إن أحمد السقا هو مثال للرجل المصرى الجدع ..وكمية المرضى الذين يعالجهم فى السر كبيرة للغاية .. علاقتى الإنسانية الوطيدة به كبيرة.. وبرغم نجوميته الكبيرة لم يصبه الغرور.
أنت أهلاوى أم زملكاوى؟
- أهلاوى ولعبت كرة فى الأهلى قبل التحاقى بالكلية ..لكن أعتز جداً بصداقة بعض الزملكــــاويــــة مثل حسن شــــحاتـــه وإسـماعيل يوســـــف وحلمى طولان.. أنا غير متعصب كروياً على الإطلاق.. والكرة تسعد الشعب المصـــــرى وتســــهل عليه حياته، الشعب سيدات ورجال وأطفال وشيوخ جميعهم ينسى مشاكله أمام الكرة ومبارياتهــــا ، أنــــــــــــا مصراوى قبل أن أكون أهلاوياً.
من هم اللاعبون الذين تحبهم؟
- كابتن محمود الخطيب الذى اعتزل سنة 1988 وستمر الذكــــــــــرى الثلاثون لاعتزاله السنة المقبلة، ولا يزال نجم النجوم ..قمة الأخلاق والذوق كنت وأنا صغير انتظر طويلاً فى النادى ،لكى ألتقط صورة معه بصعوبة وحين يأتينى الأن ليغير مثلاً مقاس نظارته أقول له إنى كنت أنتظر ساعات لالتقط معك صورة فقط.