منذ بضع سنوات وأنا أتصفح موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" فوجئت بنصِ رسالة من القيادى الإخوانى محمد البلتاجى يغازلُ فيها ثوار يناير، وكتب البلتاجى فى رسالته المعنونة "د.محمد البلتاجى يكتب من سجن العقرب إلى ثوار يناير".. يقولُ فيها: "أردتُ أن يُدرك ثوار يناير الذين جمعتهم الثورة العظيمة، بكل طيفهم السياسى والوطني، ثم فرقهم بعد ذلك حجمُ التآمر، ليس فقط على نتائج الثورة، بل حتى على تاريخها وصفحاتها الوضاءة، لعلنا نستدركُ ما فات، ونُعِيدُ الاصطفاف الوطني، على قاعدةٍ أكثرَ صلابة، مستفيدين من دروسِ الماضى وأخطائه التى وقعنا فيها جميعًا".
ويواصل البتاجى فى رسالته المثيرة للجدل: "أردتُ أن يعلمَ الجميع أننا سددنا، وما زلنا نسدد، من أرواحنا ودمائنا وحرياتنا وأولادنا فاتورةَ ثورة يناير المجيدة. نقولُ هذا ليس منة منا على الوطن وعلى الثورة، وإنما فداءً للحرية والكرامة التى حلمنا بها وجاهدنا فى سبيلها، وحفاظًا على مستقبلِ وطن، حلمنا لكل مَن فيه بالحياة الكريمة العزيزة، ترفرفُ عليهم راياتُ الحق والعدل والحرية، وصونًا لحقوقِ 25 يناير، وكُلُنا أمل فى مستقبلٍ عظيم لأمةٍ ووطنٍ عظيم نفتديه بأرواحنا ودمائنا (قل عسى أن يكون قريبا).
ولا أعلمُ يقينًا كيف واتت محمد البلتاجى الإرهابى الأكبر فى جماعةِ "الإخوان" هذه الجرأة فى كتابة رسالته من داخلِ سجنه لكى يخاطبَ ثوار يناير محاولاً خِدَاعهم مرةً أخرى مثلما فعل هو وجماعتُه فى العام 2011، وهو ليس علينا ببعيد. ألم ترفضْ جماعة "الإخوان" الانضمام للمشاركين فى "يومِ الغضب" فى 25 يناير 2011، بعد أن شاركوا فى الإعدادِ له، بحجة أنهم لا يعلمون أهدافه ومن دعا إليه خشيةَ فشله، وذلك حفاظًا على كِيان "الجماعة" التى هى لديهم أغلى من الوطن الذين لا يعرفون له قيمة؟.
إن جماعةَ "الإخوان" لم تقرر النزولَ إلى ميدانِ التحرير إلا بعد أن وافقَ مكتبُ الإرشاد على نزولِ كوادر الجماعة للانضمام للثورة مساءَ "جمعةِ الغضب" بعد أن ترنحَ النظام وأصبحت الأمورُ فى يدِ الثوار.. هنالك دعا أعضاءُ الجماعة "دعاءَ الرُكوب" وقرروا النزولَ لرُكُوبِ الثورة وامتطاءِ جَوَادَهَا الجامح وخِدَاعِ الثوار الشباب المتحمسين عديمى الخبرة وسرقةِ ثورتهم التى أشعلوها.
إن التآمرَ الذى تم على الثورة الذى يتحدثُ عنه البلتاجى فى رسالته لم يقمْ به سوى جماعةُ "الإخوان" نفسها، ألم تهرولْ الجماعةُ بإرسال محمد مرسى وآخرين للجلوس مع نائبِ الرئيس اللواء عمر سليمان الذى دعا للحوار مع الثوار، فذهبت "الجماعة" وقاطعَ الثوارُ الحوار، وكان ذلك يمثل خيانةً للثورة التى كانت فى الميدان، والسعى لجنى المكتسباتِ والغنائم على حسابِ دماءِ الثوار التى أُريقت فى الميادين، واستطاعت الجماعة أن تنتزعَ لنفسها حزبًا سياسيًا وتعودَ للحياةِ السياسية من جديد فى صفقةٍ مشبوهة مع النظام القديم، ولا عزاءَ للثورة والثوار.
إن تآمرَ الجماعة على الثورة هو الذى جعلَ الجماعة تُخْرِجُ الثوارَ من المشهد، ليرفعَ أعضاؤها راياتِ الجماعة، ويرفعَ السلفيون أعلامهم، ويتحولَ ميدانُ التحرير فى مليونياته "الإسلامية" إلى "قندهار" الأفغانية التى تضمُ كل قوى التطرف والإرهاب الذى عشنا نكافحه على مرِ السنين. ألم تتخلَ الجماعةُ عن الثوار فى أحداث "محمد محمود"، وهو ما جعلَ الثوارَ يُعلقون لافتةً على مدخل الشارع كُتب عليها "ممنوع دخول الإخوان"؟. ألم تزأر حناجرُ الثوار فى "محمد محمود" ضد الجماعة التى خانت الثورة وتسببت فى إراقة دماء الثوار "اشهد يامحمد محمود.. كانوا كلاب.. وكنا أسود"؟. ألم تتخلَ الجماعة "الخائنة" عن الثورة والثوار لتذهب لتحشد لنفسها فى الانتخابات البرلمانية، لتسحب البساط تمامًا من تحت أقدام الثوار لتقول "الشرعية للبرلمان وليست للميدان"؟.
لقد آلَ اللهُ على نفسِه فى كتابِه العزيز "ولولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض"، لقد أفسدتم الأرضَ بعد أن طهرتها دماءُ ثوار يناير الذكية التى داستها أقدامُكم الدَنسة، فسلطَ اللهُ عليكم الثوارَ "يومَ الاتحادية" إذ أعجبتُكم كثرتُكم وأدارت رؤوسكَم لذةَ السلطة وشهوتَها، وحاصرَ الثوارُ رئيسَكم المخلوع – لا أعادَهُ الله – فى القصر، فما كان منكم إلا أن أطلقتم رصاصَ الغَدرِ والخيانة على صدورِ الثوارِ العارية، لكى يعلموا أنكم مَن خَانَ ثورتَهم واستحلَ دماءَهم على مَرأى ومَسمع من الدُنيا كُلِها، ولم يستطع يومَها رئيسُكم أن يواجهَ الثوار، ففرَ هاربًا من البوابةِ الخلفية لقصرِ الاتحادية كالجُرْذ المذعور.
وبعد عزلِ مرسى والقبضِ عليه، وأثناءَ اعتصامِ "رابعة"، خرج علينا البلتاجى – كاتب الرسالة- ليقولَ "إن اللحظةَ التى يعودُ فيها مرسى إلى قصرِ الاتحادية تتوقفُ فيها أعمالُ العنفِ فى سيناء"، وهو ما يُعَدُ تصريحًا بأن الجماعة الإرهابية هى من تقف خلفَ كلِ الأعمالِ الإرهابية فى سيناء وفى عمومِ البلاد، انتقامًا من الجيش والشرطة والشعب والقضاة والأقباط بعد ثورة 30 يونيو. فمَن الذى يضعُ يدَهُ فى يَدِ جماعةٍ إرهابية يدُها ملوثةٌ بدماءِ المصريين. إن آخر مَن يضعُ يدَهُ فى يَدِ جماعةِ "الإخوان" هم ثوارُ يناير الذين تجرعوا خِيَانَةَ الجماعة وتآمرَها عليهم، ولن يُعيدوا الكرةَ ثانيةً.
إن أكبرَ عِقَابٍ من ثوارِ يناير لجماعةِ "الإخوان" الإرهابية، هى أنهم تركوها تواجه مصيرَها الأسود، بعد أن تخلت عنهم وعن المصريين وعن بنى جلدتهم من السلفيين، وانفردوا وحدهم بالحكم، وشَرَعَوا فى "أخونة" الدولة اعتقادًا بأن مِصْرَ قد دانت لهم. إن جماعةَ "الإخوان" لا تسددُ فاتورةَ ثورةِ يناير، بل إنها تسددُ فاتورةَ خيانتِهَا للثورة والثوار، تسددُ فاتورةَ دَمِ الثوار الذى داستُه أقدامُها أو قد تكونُ هى مَن أراقتُهُ بقناصيها لتحصدَ مكاسبَ سياسية فى الشارع من جَرَاءِ ذلك، وإلا قولوا لنا كَم من شباب الإخوان استُشهدوا فى الأيامِ الأولى من ثورة يناير.
إن الفاتورةَ التى تسددها جماعةُ "الإخوان" الإرهابية هى فاتورة الغباءِ السياسى والوطنى للجماعة التى لم تتعلم السياسةَ رغم ممارستِهَا لها منذ نشأتِها فى العام 1928، ولأنها لا تعلم معنى كلمة "وطن"، لأن "الوطن" فى أدبياتِهَا "ليسَ سِوَى حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ عَفِن".
إن ثوارَ يناير لن يَضَعُوا أيديهم فى يَدِ مَنْ خَانَ الثورة وأَرَاقَ دِمَاءَ الثُوَار.
لقد كتب الشعبُ المصرى بكلتا يديْه شهادةَ وفاةِ جماعةِ الإخوان حينما ثار ضدهم فى 30 يونيو 2013، وانحاز جيشُ الشعب إلى الثورة ولم يسمح لأى كان أن يمسَ شعرةً من مواطنٍ مصرى أو يلمسَ طرفَ ثوبٍ لمواطنةٍ مصرية خرجت للتعبير عن رأيها، وهى حريةُ التعبير التى حبسها الإخوان فى صناديق الموتى الانتخابية.. وصدقوا الصناديقَ الصامتة ولم يُنصتوا لصوتِ الشارعِ الهادر ضدهم، وتلك هى عادةُ الإخوان فى كل انتخابات، تترك للناخبين حريةَ الانتخاب، وبعد ذلك تُنحى الناخبينَ جانباً لتفعلَ ما تشاء بمنأى عن إرادتهم؛ ونظرةٌ واحدة إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية بل وانتخابات النقابات والاتحادات الطلابية التى شارك فيها الإخوان توضح الفكرةَ بجلاء.
وقد كتبتُ بيدى هاتيْن "شهادةَ وفاةِ الإخوان" فى مقالٍ مُطَول، وهو ما تلقفه نشطاءُ شبكاتِ التواصل الاجتماعي، بل ورسموا له الرسومَ التعبيرية لتجسيدِ العبارة الشهيرة التى ذكرتها للتأريخ للجماعة التى ماتت، وهى تلك العبارة التى اقترحت أن توضع على مقبرتها بعد تشييعها إلى مثواها الأخير: "ولدت عام 1928 وماتت عام 2013". والواضح أن موتى الجماعة يعودون إلى الحياة سواء بشكلٍ حقيقى أو بشكل أشبه ما يكون بالموتى الذين يعودون إلى الحياة فى شخصية "الزومبي" الشهيرة التى جسدتها أفلام هوليوود.
فقد عاد للحياة بعد أن سمع صفوت حجازى منه الشهادتيْن وظهرت صورَه مبتسماً وهو ميت وكأنه مستبشرٌ بما كتبه اللهُ له من نعيمٍ مقيم ذلك الإعلامى الأفاق "نور الدين عبد الحافظ" الذى كان يعمل فى قناة "مصر 25" الشهير بـ "خميس"، وبعده سمعنا أن ابنة القيادى الإخوانى المحرض على الدولة المصرية الداعم لإرهابيى سيناء محمد البلتاجى المسماة أسماء تعيش فى العاصمةِ السودانية الخرطوم باسمٍ مستعار.. وهكذا يعود الأفاقون المحتالون من الإخوان إلى الحياة بعد استشهادهم المزعوم فى رابعة.
والأدهى من ذلك، أن بعضَ "الزومبي" من قياداتِ الجماعة "الميتة" يدعون فى بياناتٍ صادرة عن الجماعة أنه يجب أن يستمر الحراك الثورى فى ذكرى فض اعتصام رابعة، وأن استمرارَ الحراك الثورى هو مطلبٌ شعبى وفى القلبِ منه جماعةُ الإخوان. والمشكلة أن هؤلاء الزومبى من جماعةِ الإخوان لا يدركون أن الشعب المصرى لم يتفاعل معهم طيلة العاميْن الماضييْن، فكيف يتفاعل مع نداءاتهم الآن، ثم أين هو ذلك الحراك الثورى المزعوم، وكيف لجماعةٍ ماتت تدعو الناسَ إلى هكذا خرافات وتهيؤات لا يوجد لها ظلٌ فى الواقع المُعاش، وكيف لجماعة ماتت تعتقد أن ثورتها مازالت مستمرة..!
ألا يخجل هؤلاء الزومبى الذين ادعوا الموت ثم عادوا للحياة.. وألا يخجل هؤلاء الزومبى من قيادات ماتت فى عين أعضاء الجماعة من الشباب عندما هربوا كالفئران المذعورة إلى قطر وتركيا والسودان والسعودية من أن يدعوا الأخوات والصبية للمشاركة فى مسيرات "توم وجيري" التى سُرعان ما يظهرون فيها ثم يهربون عند أول ظهور لأبطال لشرطة المصرية، الذين أحياناً ما ينأون بأنفسهم عن إلقاءِ القبضِ على بعضِ السيدات أو الصبية الذين لا يعرفون ماذا يفعلون؟
ثم لماذا يشارككم المصريون هذه الخزعبلات والألاعيب الصبيانية، ألم ينتخب المصريون رئيسهم بأغلبيةٍ غيرَ مسبوقة، ألم يروْا فيه المنقذ والمُخلص لهذا الوطن من بين يدى جماعة أنشبت أظفارها فى مقدرات الشعب وفرطت فى تراب الوطن بدولاراتٍ معدودة، ألم يسطر الرئيس الحالى فى سجل الإنجازات ما لم يستطع الإخوان تحقيق أحد هذه الإنجازات العظيمة التى يفخر بها كل مواطن مصري.
إن الرئيس الإخوانى المخلوع هو وحكومته وجماعته لم يرصف طريقاً ولم يشق ترعة ولم يحفر نفقاً ولم يقيم دنيا ولم يحيى ديناً.. ورغم ذلك يريد أن يعود إلى سُدَةِ الحكم، وهو لا يعلم أن الموتى لا يعودون.. إننا لا نريد أن يحكم مصر "زومبي" إخواني.. لأننا فى عالم الأحياء، وكما قال الرئيس السيسى فى خطابه الأخير " إننا ننتصر على الإرهاب بالحياة.. وعلى الكراهية بالحب"؛ فنحن الآن نعيش فى وطن نحبه، ومستعدون للموت دونه، ولن يستطيع الأموات أن يرهبونا بقنابلهم البدائية أو غير البدائية.
أيتها الجماعة: استمتعى بالموت لأن الحياةَ لدينا تنتصر على الموت الذين تريدون أن تنشروه فى ربوع الوطن.. أيتها الجماعة تمسكى بأهدابِ قبرِك لأن الحياةَ لا تريد من يحاول أن يهدمها بمعاولِ الهدم بدلاً من أن يبنيها بأدواتِ البناء.. إن البنائين المصريين العِظام من عهدِ الفراعنة حتى يومنا هذا لن يسمحوا بهدم وتدمير منجزات هذا الوطن.
لقد ماتت رابعة.. وماتت جماعةُ الإخوان.. ولن يعودا للحياةِ تارةً أخرى.