السبت 30 نوفمبر 2024

مقالات

5 دقائق فقط مع نجوى عامر بعد 45 عاماً من الغياب!

  • 14-7-2021 | 21:31
طباعة

خرجت مسرعاً من باب "دار الهلال" العتيق حتى ألحق موعدي مع الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء، كانت الساعة تقترب من الثانية ظهراً وموعدي كان بعد ساعة بالضبط.

 كان هذا في عام 2009.. ركب صديقي إبراهيم بشير شيخ المصورين في بر مصر سيارة المؤسسة أولاً، وبينما كنت أهم بركوبها استوقفتني سيدة محجبة قليلة الحجم "رفيعة يعني" قائلة: إزيك يا سليمان.. عامل إيه.. أنت أنت ما اتغيرتش من زمان.. من آخر مرة شفنا بعض فيها.. 8 من عام 1965.

 أنت لسه مش عارفني.. فكر كده يا سليمان.. فكرت وأنا أدقق النظر في وجهها.. دي نازلة معايا من المؤسسة.. يعني زميلة.. بس فين.. بس فين؟.. كاد حماري أن يغلبني.. كنت مستعجل جدا.. عندي موعد مع الوزير وعاوز أعرف وبسرعة طلعت لي منين الهانم المحترمة دي؟ أنا عارفها كويس.. عشت 5 دقائق في هذا المشهد المفاجئ الذي لم ولن أنساه.. وطوال تلك الدقائق كان إبراهيم ابن بشير يصيح هو مرة وزميلي الرائع محمد حسن مرة : يلا يا أستاذ سليمان.. ميعادنا مع الوزير حسن يونس بيقرب قوي.. علشان نوصل من شارع المبتديان لميدان العباسية المشوار طويل وهياخد ساعة وشوية .

 

 

طنشت بشير ومحمد حسن، ومرة أخرى كانت أخيرة، رحت أدقق النظر في تلك السيدة اللي طلعت لي فجأة في عز الضهر.. قلت من عام 1965.. اشمعني.. أكيد ده كلمة السر ومفتاح الحل.. تذكرت.. تذكرتها وقلت بصوت عالٍ تفاجأت به وتفاجأ به كل من كن معها ومن حولها: معقولة.. تبقي مصيبة لو كنتي إنتي.. نجوي عامر.. زميلة الدراسة من أولى ابتدائي حتى سنة سادسة.. معقولة يا رب معقولة.. أنا ما شفتكيش من 45 سنة.. ياه ياه.. إزيك يا نجوي.. إنتي بتشتغلي معانا هنا في المؤسسة.. قالت ضاحكة: لا.. أنا بافتش عليكم.. أنا أصلي بشتغل في الجهاز المركزي للمحاسبات.. ومكتبنا فوق في الدور التاني قصاد باب الأسانسير عدل.. من إمتي إنتي معانا.. كنت مسافرة السعودية مع زوجي ورجعت من 3 سنوات.. شفتك كذا مرة، واتكسفت أسلم عليك وكنت بأقول لزميلاتي ده كان زميلي وإحنا في إبتدائي وكان من يومه ذكي وشاطر قوي !

 

ياه ياه.. بعد 45 عاماً من الغياب التقينا.. أنا و نجوي عامر البنت الحلوة البيضاء الشاطرة اللي كانت بتعزم عليا دايما في الفسحة بساندويتش بسطرمة أو مربي بالقشطة أو جبنة رومي.. وكل يوم هي من أدبها تعزم.. وأنا من أدبي أخجل أن أكسفها.. أخد منها الساندويتش.. كنت باحب الأكل قوي.. خاصة أنني كنت بأحوش أنا وأخويا الأكبر إدريس 10 صاغ كل خميس ونشتري بسطرمة من عم عزت وأخوه كامل على 4 بيضات ببلاش طبعًا من عشة الفراخ بتاعت الحاجة فاطمة أمي في بلكونة مطبخ شقتنا في حدائق زينهم.

 

 

لم يستغرق لقائي مع نجوى عامر زميلة أول وأجمل مرحلة دراسية في حياتي سوي دقائق معدودات.. خمسة بس.. لأن بشير المزعج كان ما زال يناديني: يلا بقي يا أستاذ سليمان  هنتأخر كده على الوزير.

 

بعد إجراء حواري مع صديقي العالم الجليل الدكتور حسن يونس سألني بشير ونحن عائدون للمؤسسة: "مين دي.. أنا بأشوفها كتير.. بتدخل المكتب اللي علي الشمال قصاد الأسانسير.. مين دي.. أنا لقيتك مندهش ومذهول وإنت معاها.. مين دي؟.

قلت أجاوب بشير وأقولكم إنتوا كمان بالمرة : "دي يا سيدي نجوى عامر زميلتي من 50 سنة في مدرسة زينهم الإبتدائية المشتركة من سنة أولى إبتدائى إلى سنة سادسة.. لم تقع عيني عليها منذ عام 1965 إلا مرات نادرة وبالمصادفة.. ومن أدبها كنت أتكسف أسلم عليها كنت أراها رايحة مدرسة أمين سامي الإعدادية المشتركة اللي جنب مدرستي المنيرة الإعدادية.. نجوى دخلت بعد كده مدرسة السنية الثانوية ودخلت أنا مدرسة المبتديان أيام ناظرها وصاحبها رجل التربية والتعليم القوي الأستاذ زكي الشيباوي رحمه الله.. تقدر تقول أنني شفت زميلتي العظيمة نجوي عامر ييجي عشر مرات بالعدد في سنوات الإعدادي والثانوي.. وبعدها لا حس ولا خبر ..ما أعرفش هي راحت فين بعد كده.

 

 بعد كام يوم.. تقريباً أسبوع أمسكت مجلة المصور أقرأ حواري مع وزير الكهرباء.. وتذكرتها.. تذكرت نجوي عامر التي أخرتني تلت ساعة  عن موعدي مع الوزير الدقيق جدًا في مواعيده والتزاماته.. اتصلت بعم عبد الله -الله يرحمه- وطلبت منه يحولني علي مكتب جهاز المحاسبات.. قالولي الأستاذة نجوي في أجازة.

 

الأسبوع اللي بعده برضه نجوي عامر أجازة.. واللي بعده واللي بعده كان الرد الموحد أجازة.. أجازة أجازة أجازة.. من كتر اتصالي وسؤالي عن نجوى إحدي زميلاتها سألتني: هو حضرتك الأستاذ سليمان الصحفي.. قلت نعم.. قالت: أنا فاكره دي مدام نجوى يوم ما شفتوا بعض علي باب المؤسسة من كام شهر كانت بتشكر فيك وفي ذوقك وأدبك وفوق كل ده وده كانت بتمدح في شطارتك وذكاؤك.. ادعي لها.. دي جالها مرة تانية المرض الخبيث.. وهي الآن بتعمل جلسات كيماوي في مستشفي خاص بمدينة نصر.

 

 انتهت المكالمة وقلت لنفسي: "يا عيني عليكي يا نجوي.. ربنا يشفيكي ويعافيكي.. يعني بعد كل هذا الغياب أسمع أنك مريضة بالسرطان.. يا عيني عليكي يا نجوى"..

 نجوي كانت الزميلة الوحيدة التي تنافسني على المركز الأول في المدرسة، وأتذكر أنني في سنة رابعة حصلت ونجوى على الترتيب الأول على المدرسة وطلعوا صورنا إحنا الثلاثة في جريدة "أوائل الطلبة"، لكن اختاروا مايسة محمود الجوهري اللى جايبه نفس مجموعنا لتكون الأولى وخلوا نجوى عامر والعبد لله الأول مكرر.. ليه؟ لسبب غريب أرجو أن لا يكون مطبقًا الآن.. إيه هو السبب ده.. مايسة الجوهري هي ابنة أبلة سيادة المدرسة القديرة المخلصة التي أسستنا من سنة أولى وحتى سنة رابعة.. محدش زعل لأننا كلنا كنا بنحب ونحترم ونجل أبلة سيادة التي ظللت على ود عميق معها استمر حتي التحقت بكلية الإعلام عام 1975، و كنت صديقاً لابنيها حسام وعلاء.

 

غابت عني أخبار العزيزة نجوى، وذات يوم في عام 2013 كنت جالساً بمكتب رئيس مجلس الإدارة حين دخلت مدام نهى رئيس مكتب جهاز المحاسبات .. انتهزتها فرصة ورحت أتحسس السؤال عن أخبار نجوى.. سألت الأستاذة نهى: أظن نجوى عامر هتطلع معاش السنة دي ؟.. فجاءت إجابتها بعد تنهيدة ..حزينة حزن كل المصريين بعد نكسة 1967 : مدام نجوى ماتت الله يرحمها من 6 شهور !..

 

ماتت نجوي عامر.. وكأنها حين تقابلنا صدفة على باب دار الهلال ونادتني وتكلمنا لخمس دقائق فقط.. إنما كانت تريد أن تودع منافسها الأول في مدرسة زينهم الجديدة المشتركة بعد أن ذهب كل منا إلى طريق.. طريق آخر !

ألف رحمة ونور عليك يا نجوى يا بنت عامر، الله يرحمك ويرحمه .

أخبار الساعة

الاكثر قراءة