حوار: عمرو محيى الدين - عدسة : مدحت صبري
من خلال جمعية محبي فريد الأطرش دخلنا إلى عالم هذا الموسيقار الكبير الذى أعطى الفن حقه، وأمتع الملايين، اصطحبنا فى هذه الرحلة لعالم فريد الأطرش رئيس جمعية محبيه عادل السيد، الذى كشف عن كواليس فى حياته التى لا يعرفها الكثيرون، شاهدنا صوراً قديمة للأطرش يعود زمنها منذ أن كان تلميذا فى مدرسة الفرير، وعرفنا كيف أحب العود وارتبط به، وكيف عشق تراب هذا الوطن وتشبع بثقافته.
وفى مقر الجمعية وجدنا صورا لفريد مع المطربة بديعة مصابني وصولاً من كواليس فيلم الحب الكبير وكذلك و هو يقرأ الاسكريبت بينه وبين الفنانة مديحة يسرى، وصورا أخرى وهو يحيى حفل زفاف الملك حسين، وأخرى فى بيته أثناء دعوة أصدقائه لحضور حفلات كان يقيمها فى بيته ويشارك فيها عدداً من الفنانين منهم عاطف سالم وهند رستم ويوسف وهبى ونجاح سلام ويوسف شاهين ومحرم فؤاد وسهير البابلى وهدى سلطان وعصام بصيلة ومحمد الموجي .
بدأ عادل السيد رئيس جمعية محبي فريد الأطرش حديثه قائلا: دائما ما نحتفل بالفنانين الذين شاركوه أفلامه مثل هند رستم وصباح التى كانت تعتز به كثيرا، وانتهزنا فرصة وجودها فى القاهرة وأقمنا تكريماً لها فى اتيليه القاهرة حيث تم تخصيص أمسيتين لنا كل اسبوع فى هذا المكان العريق لتكريم الفنانين ونتمنى ان نصنع أكثر من ذلك ونحن نسعى أن نحيى ذكرى فريد الأطرش فقط أن نكرم أيضا فنانين لهم مواقف إنسانية معه.
ويضيف: أذكر أن الملك حسين عند زفافه لم يرد مطربا أن يحيا حفل زفافه الا فريد الأطرش الذى أحيى له حفلا كبيرا جدا لانه كان أميراً مثله وكان ذلك عام 1955.
ويتحدث السيد عن المواقف الإنسانية التى يحفظها عن ظهر قلب لفريد الأطرش فيقول: أتذكر عندما كنت أسير فى الجيزة وجدت رجلاً على باب بنك مصر يضع صورا بجوار بعضها لفريد ليبيعها فأشتريت عدة صور وقال لى أنا لدى صور كثيرة له ووصف لى بيته وحدد مكانه لا أعلم شيئا عنه وقال لى إنه حتى الآن يذهب لفؤاد الأطرش ويعطيه " اللى فيه النصيب" لأنني أنا بياع العرقسوق فى أغنية الربيع، وقال إنه عمل مع فريد فى هذا المشهد فقط وفريد أعطاه 100 جنيه وقال له فى كل مناسبة تعال مر علىّ، فتكفل فريد تماما به.
ظرف فريد للموجي
ويتابع: رغم أن الملحن محمد الموجي لم يتعامل مع فريد ولكن كانا يجتمعان فى جمعية المؤلفين والملحنين وقال الموجي: فى مرة حكيت لزميلى أننى متعثر ماليا وعندما وصلت بيتي فوجئت بظرف مع زوجتى من فريد الأطرش وعندما فتحته وجد به 1000 جنيه، وعندما اتصل فريد قال له لماذا لم تحك لى أنا موجود وسداد وظل الموجي يحمل هذا الجميل وحتى أولاد الموجي يتحاكون بهذا الموقف حتى الآن.
حكاية كمال الشناوى والأطرش فى المغرب
ويشير السيد إلى أن كمال الشناوى قابل فريد فى فرنسا وذهبا معا إلى أحد الفنادق أيضا فيه 10 أيام لم يمد كمال يده فى جيبه لأنه كانت هناك صداقة قوية بينهما وتعاونا فى فيلم رسالة غرام وكان موضوع الفيلم أن كمال يحب حبيبة فريد ويتزوجها وكان فريد ينفق عليه وعندما ذهب كمال وفريد لعرض الفيلم فى المغرب أوشك جمهور المغرب أن يضرب كمال الشناوى من فرط تعاطفهم مع فريد فى الفيلم وقال كمال مازحا : حرمت السفر إلى المغرب عشان فريد.
وعندما عجب فريد برواية دعاء الكروان وأخذها لينتجها فيلما وذهب إلى المخرج بركات الذى أخرج لفريد 12 فيلما، وقال فريد لبركات هيا بنا ننتج هذه القصة فيلما سينمائيا فرد بركات عليه أن الدور لن يناسبك والجمهور لن يقبله منك فقال له فريد حلال عليك قصة الفيلم وأخذها بركات وجاء بأحمد مظهر بدلا من فريد الأطرش وكانت فاتن حمامة من ترشيح فريد، واخرج بركا ت الفيلم وحقق نجاحا كبيرا.
اللهجة الصعيدى
أما عن أسباب ميل أغانى الأطرش إلى الشجن يقول السيد: كل انسان يميل للشجن، وجمهور فريد ما زال يسمع أول همسة ويا قلبى يا محروم ونجوم الليل حيث الأهات والشجن وفريد كان لديه قوة استعراض صوت وكل المقامات الموسيقية للمطربين لم تكن كاملة مثلما هى كاملة عند فريد، ودائما ما تجد 5 أغان فى الفيلم منها أغنية على اسم الفيلم مثل "لحن الخلود"، وتجد أخرى بها فرح مثل " يا حليوة" متميزة باللحن الشعبى، لأنه لم يكن يضع كل الأغاني تشبه بعضهما البعض، وكذلك غنى فرانكو أراب كان يقدم أغانى بألوان مختلفة فقد وضع تانجو مثلا فى " إياك من حبي" و "وحياة عينيكى" وهو يعطى لجمهوره جرعة متكاملة من ألوان الغناء، وكذلك غنى باللهجة الصعيدية والفلاحي، رغم أن العندليب مثلا من الشرقية ولم يغن باللهجة الفلاحي، لأن فريد تشرب من نيل مصر وتأثر بها، كانت مدرسة " الفرير" التى بها فريد قريبة من المحمل الذى يخرج منه الجمال لنقل كسوة الكعبة، فكان يرى ذلك واختزنه فى ذاكرته، وعندما كبر ترجم ذلك فى أغنية قال فيها "عليك صلاة الله وسلامه ده محملك رجعت أيامه" ، وتشبع فى شوارع المعز والقاهرة القديمة بثقافة مصر، فلحن لصباح أغنية " من الموسكى لسوق الحامدية أنا عارفة السكة" ولشريفة فاضل " من بوابة المتولى للصاغة للغورية ولفهد بلان "مقدرش على كده ومقام السيدة"، فعبر عن المناطق التى عاش فيها، وغنى " ودينى يا زين للفلاحة متشاج وجاتلنى الشوج" التى تجد اللهجة الصعيدى و"غالى يا بوي والله عليا" .
ويكشف عادل: سافرت بعض الدول العربية وهناك تجد فريد فى العالم العربى يتم السماع له بقوة، وأذكر أننى فى العراق وجدت كازينو باسم فريد الأطرش، هذا الرجل الأصيل الذى طلب أن يدفن فى تراب مصر، ولم يكن يمتلك أدوات لتسليط الأضواء علي فنه، ولم يطرق أبواب الصحفيين وقتها للكتابة عنه وعن حفلاته مثلما فعل كبار المطربين، وله تسجيل صوتى يقول فيه: العمل الفنى هو الذى يتحدث عن الفنان، وأعمالك هى من تتحدث عنك، وعبدالحليم مثلا كان يطرق كل ابواب رؤساء تحرير الصحف ويسوق لنفسه قبل كل حفل، عكس فريد، وعندما غنى فريد "عدت يا يوم مولدي" وقتها طرحت أغنية " لا تكذبي" لنفس الكاتب كامل الشناوي إلا أن الضجة على " لا تكذبي" كانت أكبر وأضخم، رغم أن المتخصصين من لجنة الموسيقي العليا قالوا فريد صنع لحنا سابق الزمن بـ 100 عام فى "عدت يوم مولدى"، وقد كان فريد مضطهدا، وكان يحارب من المطربين الكبار أما عن المشوار السينمائى فريد الأطرش فقد بدأه عام 41 فى فيلم " انتصار الشباب" وقبلها كانت أفلام الموسيقار عبدالوهاب وأم كلثوم، وهذه الأفلام كانت تهدف لعرض الأغانى الخاصة للمطرب، أما فريد الأطرش فقد كان أول من وضع الحبكة الدرامية والفيلم الرومانسي للسينما، فمثلا "لحن الخلود" عام 52 بطولة فريد وماجدة وفاتن حمامة ومديحة يسري، كانت له حبكة مختلفة تماما، وكان لفريد رسالة فى كل فيلم يقدمه، وكذلك " رسالة من امرأة مجهولة" وكان فى فيلمى "آخر كدبة" و" عفريتة هانم " له حس كوميدي، وقد أراد الموسيقار محمد عبدالوهاب فى بداية فريد الفنية أن يحاربه فأخرج فنانين ومطربين أمامه ومنهم محمد أمين وجلال حرب وسعد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.
وسام عبدالناصر
ويتابع: رئيس جمعية فريد الأطرش كرمه الرئيس جمال عبدالناصر فى عيد الفنون والأدب سنة 1962 وكذلك منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وهو أعلى وسام حتى أن الرئيس الأسبق السادات لم يجد وساما أعلى من ذلك ليكرمه به وقد كان عبدالناصر قد كرم فريد بوسام حب من القلب أيضا وليس نيشانا فقط وأذكر أن فريد الأطرش عندما عرض له فيلم " عهد الهوي" فى سينما ديانا، وكان قد اصيب بذبحة صدرية ولم يتمكن من حضور الفيلم مع جمهوره كعادته، ، فطلب من اخيه ان يرسل خطابا للرئيس جمال عبدالناصر كتب فيه " سيادة الرئيس جمال عبدالناصر يرجى حضور فيلم عهد الهوي بدلا مني بناء على طلب الجماهير" فاصطحب عبدالناصر مجلس قيادة الثورة كله وذهبوا إلى الفيلم فى حضور الجمهور، ليخصص فريد بعدها 7 أسابيع من إيرادات عرض الفيلم للمجهود الحربي.
أما عن علاقته بأخته أسمهان فيقول السيد: علاقة فريد بأخته كانت قوية ووفاتها كانت السبب الرئيسى لأزمات فريد القلبية لأنه كان يبنى عليها آمالاً كبيرة منذ فيلم " انتصار الشباب"
جمعية محبي فريد الأطرش
وعن الجمعية التى يرأسها يقول: هناك مجموعة من أصدقاء فريد الأطرش قاموا بتأسيس جمعية أصدقاء فريد الاطرش فى الاسكندرية فعندما كان فريد يقوم بإحياء حفل فى الإسكندرية كانوا يقومون بتوزيع بوسترات فى الشوارع للحفل، وكان فريد يرعاهم دائماً ماديا، وأنا رأيت فريد من خلالهم، فكنت أرى الإعلانات بكثافة لحفلاته، وأحببت أن أحضر إحدى حفلاته وكان عمرى 16 عاما. وقتها عام 1972 قبل وفاته بقليل، وتقابلت معه وتأثرت به فعلمت أنه كان يدفع مصاريف 10 طلاب غير قادرين بجامعة القاهرة كل عام، حيث إنه رأى شاباًَ كاد ينتحر من فوق كوبرى الجامعة، أثناء مرور فريد بسيارته واستوقفه وعلم أن هذا الشاب لا يجد المال لينفق على تعليمه، فقرر أن يتكفل به وقال لنفسه بالتأكيد ليس هو الوحيد الذى يعانى الفقر فقرر أن يتكفل بـ "10 طلاب" حتى التخرج، لقد رأيت الإنسان فريد الأطرش الذى فتح بيوتا كثيرة حتى أنه أول مرة رآنى سألنى عن أحوالى وعن وظيفة والدى ليعرف حالتى المادية، إنها أخلاق الأمراء، فريد أيضاً تكفل بالمتضررين من سيول قنا عام 1954، ودعم الجيش المصري فى نكسة 67 وكان خارج مصر وقتها للعلاج، وقام بتلحين نشيد وطنى بعنوان " شعبنا يوم الفداء .. لا تقول ضاع الرجاء" وبالفعل انتصرنا عام 1973 وكأنها نبوءة بالانتصار، عندما توفى الأطرش عام 1974 قمت بتأسيس جمعية أصدقاء فريد الأطرش لرعاية مرضى القلب ولكمن نقص الدعم أوقفها عام 1976، ومن خلال الجمعية أيضاً قمت بتقديم بعض الأمسيات وندوات لإحياء ذكرى فريد الأطرش، والاحتفالات المختلفة خاصة فى عام 2000، وبعد ذلك تركز اجتهادى فى احياء ذكرى فريد وفى عام 2009 تم إشهار جمعية محبي فريد الأطرش وكذلك أسست فرقة الفن الأصيل لإحياء تراث فريد الأطرش، لأن هناك فرقاً بأسم أم كلثوم وسيد درويش وغيرها من الفرق، والأطرش يستحق أن تكون هناك فرقة باسمه، والفرقة تهدف لرعاية المواهب وسماعهم فى الغناء والشعر وعزف العود وعمل أمسيات مختلفة، وأبرز الأماكن التى يتم إحياء الحفلات فيها برعاية صندوق التنمية الثقافية، فى ساقية الصاوي أو قصر الأمير طاز، وكانت علاقتى ممتازة أيضا بأخيه فؤاد الأطرش الذى كتب لى بقلمه على إحدى الصور إلى الصديق الوفي عادل السيد.
ويتابع: وتقوم الجمعية دائما بتكريم الفنانين الذين شاركوا فريد فى أفلامه أو أبنائهم، حتى أننا قمنا بتكريم شادية وحضر عنها أقاربها، وكذلك أبناء عماد حمدي، ولبنى عبدالعزيز، وعزت العلايلى فى أول ظهوره الفنى فى فيلم "نغم فى حياتى" وهو أيضاً آخر افلامه وكان أول فيلم يقوم به عزت فى دور طبيب.