صوت رخيم، وموهبة كبيرة وفنان يحمل رائحة زمن الفن الجميل، هو "جان" سينما الستينيات، وصاحب الأدوار الصعبة، تجده "الحاج درويش" الأبن الأكبر لـ "فاطمة تعلبة" الذي يحمل على عاتقه مسؤولية أشقائه في "الوتد"، وهو اللواء محسن ممتازالذي يتمتع بالرزانة والقوة  في "رأفت الهجان"، و"سلامة فراويلة" الذي أغراه المال في "المال والبنون"، و"حافظ رضوان" في "الشهد والدموع"، بينما في "الضوء الشارد" تجده "وهبي السوالمي" الذي يحاول أن يرتقي بعائلته ليتحدى بها عائلة "العزايزة"، هو "رزق الهلالي" في "السيرة الهلالية"، وصاحب كل الأدوار والشخصيات الشاهدة على موهبتها الكبيرة الفنان القدير يوسف شعبان. 

ولد يوسف شعبان في  16 يوليو 1941، في حي شبرا بمحافظة القاهرة، لأسرة لأحد منها لديه ميول فنية، كان الأبن الاكبر بين أشقائه، في طفولته حفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم، والتحق بمدرسة الإسماعيلية بشبرا ليتلقى تعليمه، وهو في المدرسة أكتشف موهبته عندما وقف أمام ميكروفون الإذاعة ليلقي كلمة فى الإذاعة بمناسبة المولد النبوي، نال بعدها استحسان وتصفيق الجميع ليدرك حينها قدرته على الإلقاء وظل حلم التمثيل يراود، التحق بعدها بمدرسة التوفيقية الثانوية وهناك أنضم إلي فريق  التمثيل في مدرج الطبيعة، وكان من بين زملائه الفنان حمدي، بينما يشرف على المسرح المدرسي الفنان صلاح سرحان الذي ما أن رأه حتى وجده أنه صغير السن فنصحه بأن يأتي مرة آخرى  في العام القادم، وعندما ذهب له بعد مرور عام منحه دور في مسرحية "سالومي" التي حصل منها على جائزة عن دوره". 

بعد حصوله على التوجيهية كان يتمنى دخول كلية الطيران، ومع خوف ورفض والدته قدم أوراقه إلي كلية الشرطة، ولكنه رسب في كشف الهيئة، ما دفعه إلي الإلتحاق بكلية الحقوق جامعة عين شمس، ومن فريق التمثيل في الكلية كانت وجهته، إذ وجد هناك الفنانين سعد أردش وكرم مطاوع، وسعيد عبدالغني، وصلاح السقا والكاتب إبراهيم نافع، كان كرم مطاوع يقوم ببطولة مسرحية "هاملت" لينضم لها يوسف شعبان ويحصل عالى دور في المسرحية التي كان يخرجها حمدي غيث الذي نصحه هو و"مطاوع" بالالتحاق بمعهد التمثيل، وبالفعل اجتاز اختبارات المعهد التي كان يتولاها الفنان حسين رياض، ليترك بعدها كلية الحقوق وهو في السنة الثالثة ويتفرغ للدراسة في معهد التمثيل.

سنحت له الفرصة وهو طالبا السنة الثالثة بمعهد التمثيل أن يقابل حسن إبراهيم مساعد المخرج هنري بركات الذي أسند له دور مهم في فيلم "في بيتنا رجل" 1961،  وبعد تخرجه من المعهد شارك في فيلم "المعجزة" 1962 مع شادية والمخرج حسن الإمام الذي رشحه لدور"فرج" في فيلم "زقاق المدق" وتوالت أعماله وقدم في فترة الستينيات عدد كبيرة من الأفلام لعل أبرزها "بياعة الجرايد، أم العروسة، للرجال فقط، مراتي مدير عام، الثلاثة يحبونها، شىء في صدري، معبودة الجماهير، الطريد، ميرامار". 

لم يتوقف يوسف شعبان عن العمل وقدم فترة السبعينيات عدة أفلام أبرزها "هروب، نهاية الشياطين، حادثة شرف، حمام الملاطيلي، امرأة سيئة السمعة، الرصاصة لا تزال في جيبي، دائرة الانتقام"، وفي فترة الثمانينيات قدم يوسف شعبان للسينما "قهوة المواردي، ليلة القبض على فاطمة، الدباح، فقراء لا يدخلون الجنة"، وفي التليفزيون قدم "الشهد والدموع" في دور "حافظ رضوان" بجزأيه الأول والثاني، بينما صنع أسطورته في الدراما عندما قدم دور "محسن ممتاز" في مسلسل "رأفت الهجان" مع محمود عبد العزيز، وتألق في السينما في عدة أفلام في تلك الفترة منها "اغتيال مدرسة، حارة برجوان، الدنيا على جناح يمامة".

 

فترة التسيعنيات قدم الجزء الثاني من "رأفت الهجان"، و"ضمير أبلة حكمت" مع فاتن حمامة، بينما تألق في مسلسل "المال والبنون" في دور "سلامة فراويلة"، وقدم دور "الحاج درويش" في "الوتد" أمام هدى سلطان، ودور "رزق الهلالي" في "السيرة الهلالية"، و"المعلم سيد أبو ليلة" في "ليالي الحلمية"، ومع سميرة أحمد قدم دور "الأستاذ إلهامي" في "امرأم من زمن الحب"، بينما وصل إلي ذروة نجاحه في "الضوء الشارد" في دور "وهبي السوالمي"، وفي السينما قدم عدة أفلام ابرزها "كشف المستور، العذراء والعقرب". 

فترة الألفية كان للتليفزيون النصيب الأكبر من موهبة يوسف شعبان وقدم عدة مسلسللات أبرزها "أميرة في عابدين، نجوم الضهر، أحلام في البوابة، دموع في حضن الجبل، قضية معالي الوزيرة، أوراق التوت"، وكانت آخر أعماله مسلسل "ملوك الجدعنة" مع عمرو سعد ومصطفى شعبان وعرض رمضان الماضي، وفي السينما فيلم "الهرم الرابع"، وما بين السينما والمسرح والتليفزيون قدم يوسف شعبان خلال مشوراه الفني أكثر من 300 عمل فني.

تزوج يوسف شعبان 3 مرات، الأولى كانت من الفنانة ليلى طاهر بعد قصة حب جمعتهما أثناء تصوير مسلسل "الحب الكبير"، ولم يستمر الزواج إلا 4 سنوات وتم الطلاق، والزيجة الثانية كانت من نادية إسماعيل ابنة الأميرة فوزية، ولكن الزواج لم يستمر سوى فترة قصيرة لينتهي بالطلاق وأنجب منها ابنته "سيناء".

 وكانت الزيجة الثالثة من سيدة كويتية تدعى "إيمان"، وأنجب منها "زينب ومراد" ويعيشان في دولة الكويت.

 نجح يوسف شعبان في انتخابات نقابة الممثلين وشغل منصب رئيس النقابة في 1997، وخلال فترة رئاسته النقابة استطاع تسديد جميع الديون المتراكمة عليها، وأنشأ بها نادي كبير في القاهرة، وفي أيامه الأخيرة أصيب بفيروس كورونا، وبعد فترة كبيرة قضاها في غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات، خسر معركته مع المرض، وتوفي في يوم 28 فبراير 2021 عن عمر ناهز الـ 90 عاما متأثرا بإصابته، رحل "وتد" السينما المصرية ولكنه ترك خلفه أعمالا شاهدة على موهبته وشخصيات لا تنسى.