الأحد 20 اكتوبر 2024

مرتب الوزير..

1-2-2017 | 12:45

بقلم –  حمدى رزق

طبعا مرتب الوزير فى حدود ٣٠ ألف جنيه شهريا لا يمثل مغنما، ولكن متى كانت خدمة الوطن تقدر بمال، أعرف وزراء قضوا سنوات عمرهم الوزارى متطوعين، ومنهم من كان يتصدق براتبه على العاملين البسطاء فى مكتبه، مكتفيا بثروته أو ورثته عن أبويه، وخرج من الوزارة وزراء على حد الكفاف، لم يغتنوا أو ينهبوا أو تطاردهم الرقابة الإدارية فى يوم من الأيام.

مرة بعد ثورة يناير دخلت على وزير من الأصدقاء، كان مبلبلا محيرا من حجم المخصصات الوزارية لشخصه ومكتبه، طابور من العربيات، وجاء سائقه الخاص ليخيره أى السيارات يفضل، وكلها طرز حديثة باهظة الأثمان، ونثريات مكتبية تفوق المائة ألف فى الشهر.

رفض الوزير الشاب وهو حى يرزق كل هذا واختار سيارة مناسبة وأخرى احتياطية، وقرر ضم بقية السيارات إلى حملة الوزارة تمهيدًا لبيعها، ورفض دفع مبلغا وقدره جمارك سيارة لمكتب الوزير كانت محتجزة فى الميناء، وردها إلى وزارة المالية، التى خصصتها ضمن أسطول من السيارات للوزراء، ورد إلى خزينة الوزارة مبلغ النثريات، واكتفى بباكت شاى وربع بن من عبدالمعبود وعلبة شيكولاتة أمامه من هدية وصلته تبريكا بالوزارة لاستقبال الضيوف.

هذا فى سالف العصر والأوان، وكان معلومًا قبل الثورة أن هناك ظرفا مغلقا على مافيه من مبالغ يصل الوزير بداية كل شهر من رئاسة الوزراء، فوق مرتبه الوزارى، الله أعلم بما فى هذا الظرف الثمين، ولكن الوزراء ما قبل وبعد الثورة بقليل كانوا فى عيش رغد ونعيم مقيم، كانت الوزارة مطمعًا، قيمة وسيمة وسيارات ومخصصات وحوافز ومكافآت، تهطل على رؤوسهم كالمطر.

وبعد سنوات عجاف، ومع استعادة الدولة لعافيتها، جرى تحديد راتب رئيس الجمهورية بـ٤٢ ألف جنيه، تبرع بنصفها، وتبعه وزير الدفاع وقيادات القوات المسلحة المصرية، وتحدد الرقم ٤٢ ألف جنيه كحد أقصى للأجور، وتحدد راتب الوزير بثلاثين ألف جنيه فقط لاغير، وهذا معمول به حتى ساعته وتاريخه رغم شكوى بعض الوزراء.

ليس فى الإمكان أكثر مما كان، فى دولة تترجى الله فى حق النشوق، يصبح الرقم كبيرا ومحترما وكافيا، بل ودعوات صالحات بتبرع الوزراء برواتبهم أو نصفها أو جزء منها، وهناك وزراء بالفعل يتبرعون، وليس كل تبرع يعلن، والغالبية لايقفون كثيرا أمام رواتبهم، هى مهمة وطنية يترجون فيها النجاح، والخروج المشرف أو الاستمرار فى خدمة الوطن.

ولكن ربنا رزقنا بطائفة من النواب لا تعرف لهم مذهبا أو مشربا، أو تبع مين بالضبط؟، أحدهم فى ظل هذا الغلاء الفاحش، والمعاناة التى يرزح تحت وطأتها الشعب، وتدهور العملة، وانهيار الجنيه، والناس تترجى من الحكومة العلاوة الدورية، والمعاشات صاروا أمواتًا وهم أحياء، فى ظل هذا الغلاء والكوا، يخرج علينا نائب بمشروع قانون لزيادة رواتب الوزراء!!.

حاجة تجنن الجن وتعفرت العفريت، يخرج علينا نائب الشعب ليطلب زيادة رواتب الوزراء، هم الوزراء اشتكوا لنيابتك، هل نيابتك «من النايبة أو من النيابة» فوضوك فى هذا القانون، وكلوك عنهم لتتحدث باسمهم، يعنى رئاسة الوزراء، التى تقترح القوانين عاجزة عن طرح مشروع بقانون لزيادة رواتب الوزراء!

عيب، هناك ما يسمى باللياقة السياسية، المواءمة المجتمعية، الإحساس بالناس، هل حسبت وقع هذا القانون على المطحونين فى الشارع، هل قدرت الخسائر السياسية المترتبة على مثل هذا القانون، وزارة تنشفها على الناس ونيابته يقترح رفع رواتبها، وزارة قطعت الحليبة والرايبة عن الخلق، ونيابته يبشبشها على الوزراء، إسراف من نيابته على الوزراء وتقتير على الناس.

قلبه قلب خساية، وقلب النائب على الشعب حجر، وقلبه على الوزراء انفطر، سلامة قلبك، فعلا الشوف مش نظر، الشوف الحقيقى وجهة نظر، سيادتك نائب عن الشعب أم نائب عن الحكومة، كلمنى، فهمنى، كلم كلم كلم.. كلمنى، فهم فهم.. فهمنى!!.

لو تقدم سيادته بمشروع الحد الأدنى للمعاشات لحملناه على الأكتاف، لو تقدم بقانون لتخفيض رواتب الوزراء لكان نائبا شعبيا بامتياز، لو تشملل نيابته وأعلن مشروع قانون يجعل النيابة تطوعا بلا مخصصات شهرية أو سنوية لكان نموذجا ومثالا، لو شخصيا تبرع بمخصصاته شهريا وسنويا والبدلات، وأعلن نفسه متطوعا لكان خيرا، فليقل خيرا أو ليصمت.

ناس عايشة فى دنيا تانية، سادرة فى غيها، كان خليقا برئيس المجلس الدكتور على عبد العال أن يرفض هذا الهراء فى هذا التوقيت ويعلن على الملأ حتمية التقشف حكوميا، ولا يسمح أبدا بمرور مشروع هذا النائب إلى لجان البرلمان، يقطع عرقًا دساسًا ويسيح دمه، هكذا تكون رئاسة البرلمان قلب على الشعب، وعين على الحكومة.

والشاهد أن الحكومة براء من هذا القانون، وعليها أن تتبرأ منه، وأن يخرج بيان من رئاسة الوزراء برفض القانون تضامنا مع الفقراء، الوزارة، التى تعلن إجراءات تقشفية ينقصها البيان العملى على التقشف، بيان على المعلم، بيان على رئيس الوزراء، ما أغناه عن راتبه، وهو رجل بترولى ذائع الصيت، فليضرب مثلا فى الإيثار.

الحكومة يجب أن تكون نموذجا ومثالا، الرئيس يتبرع والوزراء يصفقون.. يا سلام، لماذا يتبرع الفقير بقروشه القليلة وأنتم عنه غافلون، الحاجة زينب تبرعت بحلقها، وهو كل ما تملك وادخرته للخرجة والكفن، استقيموا يرحمكم الله، الكفن مالوش جيوب، صدق من قال.