تحقيق : مروة لطفى
مساكين نحن النساء، فدائماً ما نتهم بانفعالاتنا الحادة، فهذه يلومها زوجها على تكشيرتها ويتهمها دوما بالتسبب فى النكد وافتعال المشكلات، وتلك يغضب منها صغيرها إذا ارتفع صوتها جراء عناده وشقاوته ليل نهار، وكأن المرأة مخلوق من حجر ليست لها مشاعر ولا تتأثر بالضغوط!.. فهل بحث أحدهم في ما نتحمله من أعباء قبل أن يشكو من عصبيتنا ويصفنا بأشياء أبعد ما تكون عن طبيعتنا؟
بدايتنا كانت مع نساء يتلقين اتهامات يومية جراء عصبيتهن فتقول نرمين عبد ربه، موظفة: تزوجت منذ عشر سنوات ورزقنى الله بولد وبنت، وكغيري من الموظفات استيقظ مبكرا لأدخل فى رحلة العذاب اليومية بدءا من إيقاظ الأولاد وتوصيلهم للمدارس مرورا بزحام المواصلات وسخافات الشارع ثم مشاكل العمل والعودة للبيت لتجهيز الطعام والاستذكار، ووسط كل هذا مطلوب منى أن أتحمل خناقات زوجى غير المبررة بحجة الضغوط المادية وكأنه وحده من يتحملها وأتعامل بهدوء مع دلع الأولاد أثناء المذاكرة وإذا ما نفثت عن غضبى أصبحت امرأة شريرة يعاني تكشيرتها الزوج ويهرع من صوتها الأبناء!.. فهل أذنبت إذا طلبت من زوجي الكف عن الشجار بلا سبب أو تجرأت وقلت لأبنائي كفاكم إضاعة وقت في الشات وركزوا فى المذاكرة؟!
علاقة متصدعة
«أقر وأعترف أن أعصابي أصبحت نارا على فوهة بركان » بهذه العبارة بدأت سهام عدلى، مدرسة حديثها وأضافت تزوجت منذ 15 سنة وأنجبت ثلاثة أبناء تحملت لأجلهم ما لا يطاق، علاقة زوجية متصدعة، وخيانات عاطفية متكررة، فهل يشعر أحدهم بتضحيتي؟! للأسف، إهمال في المذاكرة، وإصرار على الرأي الخطأ، وخروج معظم الوقت، فيسبوك ليل نهار ما يفقدني أعصابي لأجد نفسي في وصلة صراخ حتى يجلس كل منهم على مكتبه ويلتزم بمذاكرته، كل هذا وزوجي المصون لا يبالي بل ويلومني على صوتي العالي!
إصلاح وترميم
تقول الكاتبة سلمى شلاش: لا شك أن المرأة تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية وعاطفية، والأخيرة تحديدا تؤثر بشكل كبير على نفسيتها، فهي كالوردة تحتاج للرعاية والاحتواء، فإذا أهملها الرجل جفت وذبلت وأصبحت أكثر حدة وعصبية مع أبنائها، وعلى الجانب الآخر يعذر الرجل لمعاناته أزمات مادية طاحنة تؤرقه ليلا.. فكيف نطلب ممن استحال عليه إغماض جفنه أن يستيقظ نشطا ويغمر زوجته بالحنان؟!.. لذا أرى أن مشاعر الرجال والنساء على حد سواء بحاجة إلى الترميم والإصلاح، وقد لمست ذلك مع بناتي فكثيراً ما أنتقد عصبيتهن مع الأبناء وعندما أقارن نفسى بهن حين كنت في نفس عمرهن أجد أنني لم أذاكر لأحد لأن المدارس قديما كانت تقوم بدورها على أكمل وجه، كما أنني لم أعاني من زحمة المواصلات الخانقة والأعباء المادية الطاحنة ومن ثم كنت أكثر هدوءاً واحتواء لهن، على عكس ما تفعله بناتي فهن يذاكرن للأبناء ويتحملن عبء توصيلهم للدروس، كل ذلك وسط ضغوط لا نهائية فمن الطبيعي أن يفقدن أعصابهن على أهون سبب!
فقدان الاستقرار
وتتفق الكاتبة والفنانة نادية رشاد مع الرأي السابق وتضيف: فقدان العديد من الأسر للاستقرار زاد من عصبية الرجل والمرأة على حد سواء، فغالبية زيجات هذا الجيل تتم في شقة إيجار قانون جديد ما يؤدى لكثرة التنقل وما يصاحب ذلك من نقل مدارس الأولاد، كذلك تتحمل المرأة أعباء كان الرجل يشارك فيها في السابق.. فمثلا دائما ما كانت المذاكرة مسئولية الرجل وهو ما كان واضحا فى الأعمال الدرامية حتى فترة السبعينيات أما الآن فأصبحت المذاكرة مسئولية المرأة وحدها بعد أن أصبح للرجل عمل أضافي لتحسين دخله، إلى جانب عملها داخل المنزل وخارجه للمشاركة في المصاريف، فكيف نلومها لو خرجت عن شعورها؟!
الفوضى السائدة
وتؤكد د. سهير صالح، أستاذ مساعد إعام تربوى بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع ومن ثم تتأثر بما يطرأ عليه من تغيرات، وقد سادت الفوضى خلال الآونة الأخيرة وأصبح المكسب لصاحب الصوت العالى سواء في الشارع أو العمل أو حتى وسائل الإعلام، فضلا أن المجتمع الذكورى الذى نعيشه فرض على المرأة الصوت العالى، فعلى سبيل المثال نجد البعض في الشارع والمواصلات يستضعفها كونها أنثى ويحاول فرض سطوته بالبلطجة فإذا لم تنهره ويعلو صوتها فقدت حقها، ولأن الإنسان لا يتجزأ فطبيعي أن يعلو صوتها فى البيت أيضا ويصبح أسلوبا معتادا في تعاملها مع ذويها.. المشكلة في ما يعكسه الصوت العالي على الأبناء فهم أيضا يصبحون أكثر جدلا وعنادا وعلو الصوت يزيد من عدوانيتهم وتمسكهم بمواقفهم ومن ثم تنشأ أجيالا أكثر عنفا وعصبية.
وتشير د. ناهد رمزي أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمهتمة بشئون المرأة إلى الأعباء العديدة الملقاة على كاهل المرأة فضلا عن ارتفاع الأسعار وعدم وجود وسائل تعينها على أعبائها فهى تعمل داخل المنزل وخارجه فلا توجد خادمة لمساعدتها مثلما كان فى معظم البيوت من مختلف الفئات الاجتماعية حتى منتصف السبعينيات، حتى التعليم أصبح بأسعار خيالية والنتيجة فقدانها لأعصابها معظم الوقت.
تمارين الاسترخاء
ويرجع د. جمال فرويز استشاري الطب النفسي حدة انفعالات المرأة إلى تركيبتها الهرمونية، فلديها هرموني الاستروجن والبروجستيرون بنسب عالية ما يؤثر على مادة السيراتونين التى يفرزها المخ وتؤدي إلى الشعور بالسعادة، وهذه المادة تقل نتيجة التغيرات الهرمونية التي تحدث للمرأة قبل موعد الدورة الشهرية بعشرة أيام فتكون أكثر عصبية ويزداد الوضع سوءا مع تعرضها للضغوط الخارجية المختلفة، من هنا يشكو أبناؤها من صوتها العالي، والمشكلة أن العصبية تورث بمعنى أنها تنعكس سلبا على نفسية الأبناء فتؤدي إلى إصابتهم بالعديد من الاضطرابات السلوكية، ورغم أن العصبية أصبحت سمة سائدة في هذا الزمن لكن علينا ألا نعمم فكثير من النساء يمتلكن ثباتا انفعاليا يساعد على تجنبهن العصبية الزائدة، وأنصح من يفتقدن هذا الثبات بمحاولة التغلب على مشاعرهن السلبية بالامتناع عن بعض العادات الخاطئة التي تزيد من العصبية كالتدخين وتناول القهوة والشاي، مع الإكثار من تناول المشروبات المهدئة كالينسون والكراوية والكركديه وسماع الموسيقى الهادئة وممارسة تمارين الاسترخاء والنوم لمدة عشر دقائق دون مخدة وإغماض العينين وتخيل منظر خلاب دون التفكير في شيء، وليكن ذلك بعد العودة من العمل يوميا.