السبت 1 يونيو 2024

أنا مدمن أم كلثوم

21-5-2017 | 10:43

بقلم: فؤاد الأطرش

يعتبر فؤاد الأطرش من أخلص «سميعة» كوكب الشرق أم كلثوم وفؤاد «سميع» قديم يحرص علي أن يكون في الصف الأول في كل حفل من حفلات كوكب الشرق الساهرة وكلما استبد به الطرب عبر عن اعجابه بحركات رأسه ويديه بل وقد يجلس القرفصاء علي مقعده من الانتشاء وأم كلثوم تعرف فؤاد الأطرش كما تعرف كل معجبيها الدائمين رواد صفها الأول وقد زارت أم كلثوم فؤاد وشقيقه فريد وشقيقتهما المرحومة اسمهان في مناسبات عدة ولم يتحرج فؤاد من أن يجلس علي الأرض عند قدميها ليسمعها ليكون حرا في ابداء إعجابه وفؤاد الأطرش هنا يروي قصة إعجابه بأم كلثوم....

أن صوت أم كلثوم هو سيد الأصوات في الشرق هو أحب صوت إلي نفسي هو من معدن خاص لا يتأثر ومهما جاء بعده أو قبله من أصوات فسيبقي هو «المعجزة» دائما ويكاد الشيء الوحيد الذي يستأثر باهتمامي في موسم حفلات أم كلثوم هو يوم الخميس الأول من كل شهر يوم سهرة أم كلثوم الغنائية ولقد أحببت أم كلثوم منذ جئنا إلي مصر وتربيت أنا وأخوتي فريد واسمهان الله يرحمها علي سماعه وأي صوت لمطربة أخري غير أم كلثوم يعتبر في أذني نشازا.

وكنت أجلس ذات مرة «أسمع» أم كلثوم في إحدي حفلاتها بمسرح الأزبكية وعندما اسمع أم كلثوم افقد شعوري كلية وأدي إعجابي بصوت مرتفع أو «أتربع» علي المقعد الذي أجلس عليه أو أمسك بيد الذي يجاورني حتي ولو لم أكن أعرفه وفي هذا الحفل رأني أحد الأمراء الشرقيين بعد الوصلة الأولي ممن حضروا الحفل وقال لي «جري إيه يا فؤاد» أنت شارب خمرة؟ وأجبته أنني لا أشرب الخمر ولكن صوت أم كلثوم يسكرني دائما..

ولعل أطرف ما يروي عن أم كلثوم هي أنها تعرف زبائنها الدائمين أنها تحتجز لهم الصف الأول وأنا وكل «سميعتها» المدمنين نأخذ تذاكرنا عن طريقها..

ومنذ أكثر من ستة عشر عاما دعيتها أنا وشقيقتي اسمهان إلي منزل فريد بالزمالك وكان فريد معنا هو وصديقي الطبيب المعروف عمر شوقي وعندما حضرت أم كلثوم جلست أمامها علي الأرض بينما راحت تشرب «الشاي بالنعناع» ثم بدأت تغني قصيدة «سلو كئوس الطلا» وعندما وصلت إلي لفظ «حمامة الايك» صاح الدكتور عمر شوقي ارحمي الحمامة المذبوحة عند قدميك ولم تكن الحمامة المذبوحة إلا أنا بالطبع قد كنت منتشيا ومندمجا جدا في الأغنية.

وكررت أم كلثوم زيارتها عدة مرات وهي في سهراتها محدثة بارعة لبقة حاضرة النكتة وهي تصطحت معها عادة القصبجي وأحمد الحفناوي وعبده صالح.

وفي إحدي زيارات أم كلثوم لنا غنت كوكب الشرق «ظلموني الناس» وكان الإعجاب باديا علي فريد لدرجة أنه كان يصيح من قلبه بعد كل مقطع «الله ... الله» وبكت أم كلثوم وهي تغني فأبكتنا جميعا بل إن فريد «بح» صوته من كثرة الصياح بالإعجاب الصادر من القلب...

وذات مرة زارتنا أم كلثوم في البيت وسألت عني ولم أكن موجودا ولكن فريدا كان يعلم أنني قد دعوت بعض الاصدقاء إلي السهرة في الأوبرج فأسرع يتصل بي ليقول لي إن أم كلثوم عندنا وأعترف هنا أنني قد أتيت بحركة «بلدي شوية» دفعت الحساب وأستأذنت من الاصدقاء وأسرعت عائدا إلي البيت لأكون بقرب أم كلثوم.

وأم كلثوم سيدة بارعة النكتة لا تفوتها مناسبة أبداً كانت لنا أنا وإيمان صديقة أجنبية هي صديقة لأم كلثوم أيضا ومرضت هذه الصديقة في يوم من الأيام فاتصل بي زوجها وطلب مني احضار أحد الأطباء فاتصلت بالدكتور الحفناوي زوج السيدة أم كلثوم وأخبرته ثم ذهبت أنا وإيمان إلي بيت الصديقة وهناك وجدنا أم كلثوم وقد أسندت رأس الصديقة علي صدرها وهي تقول لها «فتحي يا حبيبتي فتحي» وما أن رأتني أنا وإيمان ندخل الحجرة حتي قالت «غمضي ياحبيبتي غمضي.. فؤاد جه» وغطاني العرق من الحرج ومع هذا لم استطع إلا أن أضحك.

وقبل أن أتزوج كانت لي ككل عازف صديقة وكانت أم كلثوم تغني في الأوبرج وكانت تعرف صديقتي ولكني ذهبت وحدي بعد ان تشاجرت مع الصديقة وفي الأوبرج لم أجد مقعدا ورأتني أم كلثوم فطلبت لي مقعدا وضع بين أفراد فرقتها الموسيقية وعندما غنت كانت تنظر تجاهي وهي تقول:

«كل الأحبة اتنين اتنين وانت يا قلبي حبيبك فين»

وأم كلثوم من أهم الشخصيات في الشرق الأوسط العربي وصوتها معجزة فهي تؤدي كل الألحان وإن كنت اعتقد أن أنسب الألحان لها هي ألحان السنباطي ورامي خير من يكتب لأم كلثوم فهو شاعر شعبي حساس وهو «سميع» مدمن لأم كلثوم وأشعاره رقيقة تصل إلي القلب وأنا أسمع أم كلثوم ومعي صديقي الدكتور عادة لأنه سميع مدمن هو الآخر بل هو الذي أخذني أول مرة لأسمع أم كلثوم وأحب أغاني أم كلثوم إلي قلبي هي «سلوا كئوس الطلا» فقد سمعتها أنا وشقيقتي المرحومة اسمهان وأعز أمانيّ أن أري شقيقي فريد وأم كلثوم يشتركان معا في أوبريت غنائي.

الكواكب 388 - 6يناير 1959