الأحد 24 نوفمبر 2024

الطاهر أحمد مكي .. جسر بين ثقافتين

  • 21-5-2017 | 11:06

طباعة

محمد رضوان

فى الخامس من أبريل 2017 رحل عن عالمنا الناقد والباحث الكبير د. الطاهر أحمد مكى عن عمر يناهز الثالثة والتسعين أمضى أكثرها فى البحث والدراسة الجادة المتأنية وترك علامة بارزة فى تاريخ الدراسات النقدية والبحثية فى أدبنا العربى المعاصر.

فقد كان باحثاً قديراً فى الأدب المقارن خاصة بين آداب الأمم الإسلامية كما أضاف كثيراً للدراسات الإسبانية التى تخصص فيها وترك دراساته النقدية واللغوية التى تشهد له بالباع الطويل فى هذا المجال.

ونجد فى دراساته ذلك الانفتاح النادر على الثقافات الأجنبية والثقافة العربية تراثية وحداثية وفق منهجه فى رفض عبادة التراث ولكن دراسته بوعى وفهم وعمق.

وقد عرفت د. الطاهر مكى أول ما عرفته عام 1968 وهو يدرس لنا فى كلية دار العلوم فى السنة الأولى لى بها كتابه مصادر الأدب حيث وجدت فيه غزارة المادة والفهم العميق والجدية فى دروسه وبعد أن تخرجت عام 1971 وعملت فى مجلة الهلال عام 1972 كنت ألتقى به كثيراً سواء فى بيته بالدقى أو فى المجلة أو فى بعض الندوات والمحاضرات وقد وجدت فيه التمسك بالمبدأ والأصالة والجدية فى دراساته وأبحاثه.

ولد الدكتور الطاهر مكى فى 7 أبريل 1924بقرية كيمان المطاعنة مركز إسنا محافظة الأقصر بصعيد مصر «قنا سابقاً»، وحصل على الليسانس الممتازة مع مرتبة الشرف الثانية فى اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية ودبلوم الدراسات العليا للمعلمين بتقدير جيد جداً، ودكتوراه الدولة فى الأدب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية دار العلوم عام 1952.

ثم عين مدرساً بوزارة التربية والتعليم، وعضواً فى بعثة وزارة التربية والتعليم للحصول على الدكتوراه من إسبانيا، وأستاذاً منتدباً لتدريس الأدب العربى والحضارة الإسلامية فى جامعتى كولومبيا الوطنية والجزويت باللغة الإسبانية فى كولومبيا، ومدرساً بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وأستاذاً مساعداً بقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم، وأستاذاً بالقسم نفسه، ورئيساً لقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم، ووكيلاً للكلية للدراسات العليا والبحوث، وأستاذاً متفرغاً للأدب بقسم الدراسات الأدبية، وعمل أستاذاً زائراً فى جامعات: تونس، الإمارات العربية المتحدة، مدريد، الجزائر، وهران.

ومن أهم مؤلفاته: امرؤ القيس، حياته وشعره - دراسة فى مصادر الأدب - بابلو نيرودا، شاعر الحب والنضال - دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة - القصة القصيرة، دراسة ومختارات - الشعر العربى المعاصر - دراسات أندلسية فى الأدب والتاريخ والفلسفة - الأدب الأندلسى من منظور إسبانى - ملحمة السيد - الأدب المقارن - مقدمة فى الأدب الإسلامى المقارن - الأندلس، أصداء من الماضى والحاضر - السلطان يستفتى شعبه: حكايات شعبية مغربية.

وقد حقق عدداً من الكتب، أهمها: طوق الحمامة فى الألفة والألّاف - الأخلاق والسير فى مداواة النفوس - تحفة الأنفس وشعار سكان أهل الأندلس - الوافى فى علم القوافى.

وأهم ترجماته: الحضارة العربية فى إسبانيا - العجوز يرحل، رواية مترجمة عن البرتغالية - الأدب العربى فى إسبانيا وصقلية - الفن العربى فى إسبانيا وصقلية - التربية الإسلامية فى الأندلس - الشعر الأندلسى فى عصر الطوائف - مناهج النقد الأدبى - مع شعراء الأندلس والمتنبى - الرمزية، دراسة تقويمية.

أما مقالاته فهى كثيرة وموزعة على مختلف مجلات العالم العربى، كالهلال، والمجلة، والثقافة العربية، والفيصل، والحرس الوطنى، وآفاق عربية، والفكر العربى، والبحث العلمى، وغيرها.

وكان نشاطه الثقافى يتركز فى عمله كرئيس تحرير صحيفة دار العلوم للغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية - عضوية المجالس القومية المتخصصة ولجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة - واشترك فى عضوية لجان منح جوائز الدولة التشجيعية فى الأدب والترجمة، ورأس بعضها - عضوية مجلس إدارة دار الكتب المصرية - إشرافه على أكثر من 35 رسالة دكتوراه، و75 رسالة ماجستير فى الجامعات المصرية المختلفة - عضوية مجمع اللغة العربية.

ومن الجوائز والأوسمة: التى حصل عليها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1990 - جائزة الدولة التقديرية فى الأدب لعام 1992 - وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1992.

وكم زرته فى بيته أو بمعنى أصح صومعته المليئة بالكتب والأوراق وكنت لا أكاد أجد مكاناً للجلوس من كثرة الكتب التى امتدت حتى صالون البيت وكم دارت مناقشات مثمرة حول آرائه وأفكاره ومواقفه من كل التيارات الأدبية والنقدية فى الساحة الأدبية وكنت أجد عنده إصراراً شديداً على التمسك بأصول الشعر العربى وأصالته ورفضه لكل خروج على أصول الشعر العربى الأصيل، ولذلك كان رفضه الحاسم للشعر الحر حيث كان يرى أن الشعر العربى تعرض لألوان من التمرد فى القديم والحديث انتهت إلى لا شيء وكانت «الموشحات» هى الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة، وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت محاولة جديدة للتخلص من رتابة القافية دون تركها تماماً وتنويع التفعيلات دون التخلص من الإيقاع وهو ما سمى «بالشعر الحر» وهو مصطلح كان يرى د. الطاهر أنه غير واضح المعالم والحدود لأن أصحابه اتفقوا على التحرر من الوزن القديم والقافية الواحدة وليس معنى ذلك أنه مكى كان يرفض التجديد ولكنه كان يؤمن بالتجديد فى الشعر ولكن داخل أوزان جديدة وموسيقى واضحة المعالم ونابعة من أحاسيس الناس الذين يقال لهم الشعر وينشد فى لغتهم.

وكان رأيه الذى كان يجاهر به دائماً أن الشعر الحر فشل تماماً فى اقتحام معاقل تقوم أصلاً على الشعر وتلعب دوراً كبيراً فى دفعه بعيداً وإشاعته بين مختلف الأوساط فهو لا يغنى بداهة لأنه يفتقد الموسيقى الصالحة، والأخذ والعطاء بين الشعر والغناء متبادلان وافتقار الشعر إلى النغم والموسيقى يجعل منه غير صالح للتأثير على الناس لكنه رغم ذلك الموقف الحاد والحاسم من الشعر الحر الذى أدخله فى معارك أدبية عديدة مع أصحاب هذا الاتجاه كان منصفاً فى الإشادة بقلة من هؤلاء الشعراء الذين تسلحوا بثقافة واسعة اختطوا لأنفسهم طريقاً مختلفاً ولم يسيروا على دربه جهلاً أو تقليداً وكان يخص بالذات الشعراء صلاح عبدالصبور ونازك الملائكة وفاروق شوشة بتقديره وإعجابه.

وكان رأيه فى النقد الأدبى عنيفا، إذ كان يرى أن النقد الأدبى ما زال متخلفاً عن الإبداع فى الحداثة العربية، فالناقد لم يكتسب مشروعية الحضور داخل النص لكى ينتج نفسه من خلال التواصل لأن حضور المؤلف يطغى على حضور الناقد ويجعل حضوره ثانوياً بالقياس للمبدع لأن العقل العربى لم يستوعب التعدد فكما يبحث عن الفاعل فى الجملة ويصبح مركزاً للهوية، كذلك التعدد الإبداعى للنص الواحد من خلال التناثر لم يتحول إلى بنية شعرية وعقلية فالناقد يرضى بدوره فى رد النص الحداثى إلى ذاكرته دون أن يقيم عملية معايشة مع النص قد تكون نصاً مضاداً يسخر من كل ما فى النص الأصلى.

كانت فى حياة د. الطاهر أحمد مكى الكثير من المفارقات، فقد عاش طيلة حياته «عزبا» لم يتزوج ولم يعرف السر إلا قلة من المقربين إليه، وكان ذلك بسبب أنه أحب أثناء دراسته العليا فى الأندلس عام 1960 فتاة إسبانية جميلة من أسرة عريقة وثرية وقفت بجانبه كثيراً لأنها أحبته بصدق لكنه بطبيعته المحافظة خشى مواجهة أهله وعشيرته فى الصعيد وخوفه من قلة إمكانياته المادية فضلاً عن رفض أهل الفتاة فكرة زواجها من شاب مسلم غريب رغم تمسكها الشديد بالزواج منه فلم يكمل مشروع زواجه بها واعتذر وكانت صدمة العمر لها، فعاشت بقية حياتها راهبة متبتلة لم تتزوج وعاش هو على ذكراها يكن لها كل مشاعر الحب والاحترام والتقدير وظل بقية حياته يتذكر هذه الحبيبة االمخلصة ويستعيد ذكراها بكل الحنين والشوق الغلاب والأسى لهذا الحب الطاهر الذى لم يتوج بالزواج والمفارقة الأخرى العجيبة فى حياة

د. الطاهر أنه رحل عن الحياة يوم 5 أبريل 2017 قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الثالث والتسعين بيومين فقط وحزن عليه كل محبيه وعارفى فضله كواحد من رواد الأدب المقارن فى مصر وأحد أعلام الدراسات الأندلسية فى مصر.

عاش الطاهر مكى حياته راهباً متبتلاً فى محراب الفكر، يقرأ فى صومعته الهادئة بحى الدقى كثيراً، ويكتب، ويصدر مؤلفاته ودراساته ويكتب خواطره لنفسه لا يجد متعة أخرى له فى الدنيا إلا مع القلم والورق والكتب بعد أن فقد حبه الكبير والوحيد فى حياته يطوى أحزانه فى صدره ويخوض حياته ومشاركاته فى نشاط وحيوية كأنه مازال شاباً فتياً!

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة