الأربعاء 15 مايو 2024

الانفجار السكانى العدو الأول لمستقبل الدولة المصرية


أحمد باشا رئيس تحرير روزاليوسف

مقالات8-8-2021 | 20:20

عام بعد عام تزيد مصر سكانيًا بما يقارب أو يزيد علي تعدد شعوب دول بأكملها.. الأمر جد خطير وأصبحت المواجهة واجبة.. هذه الزيادة المتسارعة غير المنضبطة أصبحت تمثل ضغطًا وعبئًا رهيبًا على المرافق وتلتهم كل عوائد التنمية وترفع فاتورة احتياجات المواطنين.. نحن فى سباق سرعة غير تنافسى على الإطلاق.. فلا يمكن للنعامة أن تنطلق وتطلق قدميها للريح وهى مكبلة بملايين الفراخ المعلقة فى إحدى قدميها!

 

الأمر ليس بجديد، وكان على رأس اهتمامات الدولة إطلاق حملات توعوية لضبط الزيادة السكانية عبر أنظمة سابقة، إلا أن محاولة إسقاط الدولة فى 2011 وما تلاها من محاولة إشغالنا عن قضايانا المصيرية جعل القضية تتوارى وتتفاقم فى الوقت ذاته!

■ ■ ■

 الأسبوع الماضى، وأثناء افتتاح مصنع الصناعات الغذائية بمدينة السادات، كان أن التقى السيد الرئيس بعدد من رؤساء التحرير والإعلاميين ودار حوار ونقاش حول قضايا الساعة، دفة الحوار توقفت كثيرًا عند قضية الزيادة السكانية بعدما تحولت إلى وحش يفترس كل معدلات التنمية التى نجحت الدولة فى تحقيقها. الرئيس أشار إلى أن الاستمرار بنفس هذه المعدلات فى الزيادة السكانية أمر لم يعد مقبولًا ولا تستطيع أى دولة بكامل مواردها ملاحقة وسد هذه الفجوة بما يؤثر على جودة الخدمات وتحقيق المتطلبات التى يحتاجها المواطن المصرى.

إشارة الرئيس لم تكن الأولى فى هذه القضية، سبق أن تطرق لها فى أكثر من مقابلة منها ما جرى فى لقاء سابق مع المخرجة «ساندرا نشأت» وتحدث بوضوح عن أزمة الزيادة السكانية وتساءل صراحة عمن ينجب خمسة أبناء وكيف سينفق عليهم، ومن كان سينفق عليهم غيره؟!

صراحة الرئيس قد تبدو صادمة لدرجة تفوق القدرة على استقبالها، لكن تساؤلاته هذه لم تكن بغرض الاستفسار بل تعبر عن حالة تعجب واستنكار!

مما يلزم الدولة بكل مؤسساتها بوضع خطة قومية لا تقبل التأخير لوضع حد للمشكلة السكانية التى أدت لتحول البشر من «ثروة قومية» إلى «أزمة قومية»!

■ ■ ■

  قبل أن يزايد علينا البعض عند الحديث عن التعداد السكانى باعتبار أن الزيادة ليست أزمة فى حد ذاتها، وجب التوضيح أن ما قصده الرئيس وما نقصده هنا هى الزيادة المتسارعة غير المنتظمة التى لا يواكبها تطور فى الموارد ومعدلات العمل والإنتاج. أى نتحدث عن كيفية السيطرة على معدلات الزيادة السكانية بعد أن تحولت إلى أزمة. تحولت معها الثروة البشرية من طاقة إنتاجية إلى عبء استهلاكى، ولذلك كان المصطلح الرسمى المتصدى لهذه الأزمة هو «تنظيم الأسرة».

أتذكر جيدًا كيف واجهت حملات «تنظيم الأسرة» منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى حملات مضادة قد تمت تحت وازع وشعارات دينية زائفة تدعو لزيادة التناسل والتكاثر، وهو استخدام فى غير محله لأن التكاثر قد حدث بالفعل وتجاوز الهدف المطلوب منه!

وعليه فإن المقصود بالفعل هو عملية تخطيط لترشيد السلوك الإنجابى يعبر عن تصدى الدولة لمسئوليتها الاجتماعية ولتحقيق ما يعرف بالتنمية المستدامة.

■ ■ ■

 الأصل فى المشكلة أنها أساسًا ناتجة عن تراكم سلوكيات غير رشيدة لما يمكن تسميته بـ«السفه الإنجابى» حيث تبدأ المشكلة من رب أسرة يدرك تمامًا مصادر دخله وحدود إمكانياته ومستوى قدراته، مع ذلك يصر على تكوين مجتمعه الخاص بما يفوق تلك الإمكانيات، بشكل يعبر بوضوح عن الفشل فى إدارة الذات، ومن أسرة إلى أخرى تتضخم الأزمة ويقذف بها فى وجه الدولة التى تجد نفسها مطالبة بإدارة حالة من الفشل الاجتماعى العام.

■ ■ ■

 المدهش فى الأمر أنك تجد استخدامًا صار مبتذلًا لمفهوم «العدالة الاجتماعية» التى أصبحت تستخدم سياسيًّا للضغط إلى ما لا نهاية على أى نظام، يتم الحديث عنها بكثافة دون أى ربط بينها وبين الزيادة السكانية ، التى هى أساس تعطيل أى مشروع لتحقيق العدالة الاجتماعية.

 هى حالة مشتركة لانعدام جماعى للشعور بالمسئولية تستدعى ضرورة العمل الفورى المؤسسى لترسيخ وفرض ثقافة ما يمكن تسميته بـ«العدالة الإنجابية»، إذن قد آن الأوان للتكريس المجتمعى لهذا النوع من العدالة عنوانًا لمسئولية قومية، الجميع مطالب بأداء دوره فيها.

نحن أمام حالة شديدة الوضوح تضيف بندًا إلزاميًا للعقد الاجتماعى الحاكم للعلاقات بين الأفراد بعضهم البعض وبينهم وبين الدولة.

لعلنا يمكن أن نجمل مفردات هذه العدالة من خلال ما يلى:

■ كل أسرة مسئولة بشكل مباشر  ومحدد عن إدارة نفسها وفقًا لمواردها.

■ كل أسرة تدرك جيدًا إمكانياتها وقدراتها.

■ كل أسرة يجب أن تكون مدركة أن الخلل فى سلوكها الإنجابى يؤثر على المجتمع بأكمله.

■ كل أسرة يجب أن تدرك أنها شريك أصيل فى تحقيق التنمية المستدامة التى تحفظ حقوق الأجيال القادمة.

■ كل أسرة ملزمة بتلقين تلك الثقافة للأجيال الحاليّة لخلق حالة مواجهة مستقبلية.

■ ضرورة الترسيخ المباشر بالتأثير الإيجابى الحتمى لإقرار تلك العدالة على الحياة الكريمة وعلى المستوى المعيشى الجيد.

■ الخلل فى السلوك الإنجابى ينعكس بالضرر المباشر على عموم المجتمع وبالتالى نحن أمام حالة تمنح الدولة حق التدخل ترغيبًا وترهيبًا.

 نحن أمام أزمة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بسلوك المواطن وبالتالى فإن الحل لن يبدأ إلا بتعديل هذا السلوك بالنصح والإرشاد والتوعية والتحفيز تارة، وتارة أخرى بالإلزام القانونى، نحن أمام سلوك لا تترتب آثاره على من يسلكه بل تمتد بقسوة إلى أجيال حالية وأخرى مقبلة، نحن أمام ما يمكن تسميته بـ«الأضرار المركبة» نتجت عن سلوك خاطئ لأجيال سابقة ورثتها أجيال حالية تصر على توريثها لأجيال قادمة، فبدلًا من أن تترك الأجيال المتعاقبة لبعضها ودائع للتنمية فإنها تعمدت ترك ديون اجتماعية متراكمة ستدفع أثمانها أجيال لم يصدر عنها أى سلوك تسبب فى تراكم آثار المشكلة.

■ ■ ■

 الخطورة هنا ليست فيما تتسبب فيه تلك الأزمة فقط من التهام عوائد التنمية بدءًا من التأثير السلبى على معدلات استهلاك الكهرباء والمياه امتدادًا إلى أزمة المواصلات ومرورًا بالحصول على الخدمة الصحية والتعليمية اللائقة وصولًا إلى الحق فى السكن الملائم، ليس هذا فحسب بل الخطورة الحالية والحادة والمستديمة هى ما تخلفه تلك الحالة من مجتمعات عشوائية مشوهة الوعى والثقافة فتكون مصنعًا وحاضنًا لتجمعات بشرية أكثر قابلية للاستقطاب من تنظيمات إرهابية طالما كانت ولاتزال تستثمر آلام الشعوب، وبالتالى فإن خطورة تلك الأزمة فى كونها أصبحت المورد الأساسى للمادة الخام البشرية القابلة لإعادة التكرير التنظيمى لتصنيع نماذج بشرية مخلقة ضد أوطانها ومجتمعاتها، وهى حالة لا تنضب وقادرة على التجدد ذاتيِّا طالما لم يتم التصدى المؤسسى لها جذريًّا.

نحن أمام مواجهة حقيقية مع الحاضر من أجل المستقبل، نحن أمام حالة لن تنجح مواجهتها إلا من داخل كل أسرة دليلًا عمليًّا على تحمل المسئولية الجماعية. لن يكون هناك مجال للحديث عن العدالة الاجتماعية أو التكافل الاجتماعى طالما ظلت هذه القضية دون حلول جذرية، وطالما ظل تجاهلها منهجًا اجتماعيًّا يتم ربطه عمدًا بمكون دينى ليس له أى أساس شرعى.

 لن يكون هناك مجال للحديث عن العدالة الاجتماعية طالما ظلت هذه القضية متروكة عائقًا أمام عدالة توزيع الثروات والموارد وعوائد التنمية.. لن يكون هناك مجال للحديث عن أى عدالة طالما ظل الإصرار على ممارسة السلوك الظالم للأجيال الحاليّة والقادمة. لكن الحقيقة تقول إن مصائر الأمم لا تترك أبدًا لضمائر الشعوب أو أمزجتها أو موروثاتها، مصائر الأمم تحددها قواعد القانون التى تصنع من العقد الاجتماعى واقعًا عمليًّا ملزمًا لكل أفراد المجتمع الذين ارتضوا هذا العقد.

■ ■ ■

 ليست هناك علاقة تعاقدية سليمة إلا إذا رتبت التزامات كما ترتب حقوقًا، فإذا أخل أحد الطرفين بالتزاماته المتفق عليها فإن عليه أن يدرك أن مقابل ذلك هو إخلال بحقوقه، فإذا ترتب على سلوكه ضرر للمجتمع فإن ذلك حتما يمنح الدولة حق التدخل بقوة القانون لتقويم هذا السلوك، فمن غير المنطقى أن تترك الدولة رهنًا بقرار غير مسئول لعملية انتحار قومى.

نحن أمام دولة ملزمة بقوة القانون لإنقاذ نفسها وإنقاذ الأجيال القادمة التى تدفع ضريبة فاتورة لم تنفق منها شيئًا، نحن أمام حالة ضد الفطرة السليمة فبدلًا من أن يترك الآباء لأبنائهم مالًا أو علمًا ينتفع به فإنهم يتركون لهم شقاء وبؤسًا ومعاناة.

 الآن ودون تأخير آن الأوان لهذا الوطن أن يتدخل بكل الوسائل الاجتماعية والتربوية والتعليمية والقانونية للتصدى لحملات الانتحار الجماعى.