السبت 23 نوفمبر 2024

دين ودنيا

وكيل الأزهر: التكييف الشرعي والقانوني للمستجدات المعاصرة برهان ساطع على مرونة الشريعة

  • 11-8-2021 | 16:30

وكيل الأزهر الشريف

طباعة
  • دار الهلال

أكد الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، أن التكييف الشرعي والقانوني للمستجدات المعاصرة برهان ساطع على مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، بما يضمن الأمن للجميع، وإن هذا الأمن المجتمعي هو حجر الزاوية الذي يرتكز عليه التقدم وتعتمد عليه التنمية؛ فلا تقدم ولا تطور ولا رقي إلا في ظل جو ينعم فيه الجميع، أفرادا ومجتمعات وأوطانا، بالأمن والأمان.

جاء ذلك في كلمة وكيل الأزهر في المؤتمر الدولي الرابع، والذي تنظمه كلية الشريعة والقانون بطنطا تحت عنوان (التكييف الشرعي والقانوني للمستجدات المعاصرة وأثره في تحقيق الأمن المجتمعي)، وذلك خلال يومي 11 و12 أغسطس الجاري، بحضور لفيف من قيادات الأزهر الشريف وعلمائه، برعاية من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.

وقال الضويني، إن هذا المؤتمر يعد امتدادا لمسيرة التجديد التي يعمل عليها الأزهر، حيث يتبنى قضية مهمة ومحورية تأخذ بأيدي الناس إلى سعة الشريعة، وتؤدي بالضرورة إلى الأمن المجتمعي الشامل، وتعمل على حماية الفكر والثقافة من محاولة الاختطاف والهيمنة من قبل أفكار ومشروعات تخرج بين الحين والآخر تحاول غزو العقول والمجتمعات والهيمنة على شبابها، وتنفيذ مخططات تدمر الأمم والشعوب وتؤرق أمنها وأمانها".

وأضاف: "المؤتمر استكمال لجهود الأزهر الشريف في مناقشة قضايا الحياة المعاصرة في إطار شرعي يتناسب مع ما تقتضيه تغيرات الحياة، وفي الوقت نفسه لا يخرج عن الثوابت بل يحافظ على الضروريات الخمس، التي تدور عليها وحولها الأحكام الشرعية، بحيث لا يتصور عمران مجتمع ولا صلاح واستقامة أمور أفراده إلا من خلال حفظها، ولا يتصور حفظها إلا في ظل وجود أمن، وخاصة الأمن المجتمعي".

وأشار إلى أن العالم يمر بأزمات يندى لها جبين البشرية، وليس عالمنا الإسلامي والعربي بمعزل عنها، بل إن منطقتنا العربية تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية إلى كوارث متلاحقة أصابت كثيرا من الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، نتيجة أفكار وانحرافات عن جادة الصواب استغلها المغرضون لتدمير عقول الشباب وتفكيك وحدة الأوطان فغاب الأمن والأمان، في الوقت الذي نقر فيه أن الشريعة الإسلامية بما فيها من أحكام مختلفة تحرص على تحقيق الأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات.

وشدد الضويني على حرص الأزهر على التعاون الثقافي والتواصل الحضاري مع المؤسسات الدينية الرسمية داخل مصر وخارجها؛ لتبادل الرؤى والأفكار حول ترسيخ قيم التعايش ونبذ العنف ومواجهة التطرف وإرساء دعائم المواطنة وقبول التعددية الفكرية والتنوع الثقافي، وتبني حوار حقيقي يعترف بالهويات والخصوصيات ويحترم الرموز والمقدسات ويعمد إلى المشتركات ولا ينبش في الاختلافات.

ونوه بأن جهود الأزهر الشريف في الحوار بين أتباع الأديان توجت بتوقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية"، انطلاقا من تأمل عميق لواقعنا المعاصر، ومعايشة آلامه ومآسيه وأزماته، التي تعود في جملتها إلى تغييب الضمير الإنساني وإقصاء الأخلاق الدينية، واستدعاء النزعة الفردية والفلسفات المادية التي تؤله الإنسان، وتقدم القيم المادية الدنيوية على المبادئ العليا.

كما أكد أنه إذا أريد لهذه الوثيقة المعاصرة أن تؤتي ثمارها، فيجب نشر ثقافة التعايش بين أبناء المجتمع تطبيقا لا قولا فقط، وعدم نسبة الإرهاب أو العنف أو التطرف إلى الدين السمح الذي جاء ليحفظ الحياة والأحياء، وألا نحمل الدين السمح إثم الشاذين وعارهم، وأن ندعو الجميع إلى تبني برامج حقيقية تؤسس للتواصل البناء، والحوار الهادف الذي يصل بالأفراد والشعوب والأوطان إلى الأمن والأمان.

واستطرد: "في ظل ما يعانيه العالم اليوم، فإن الأمن والأمان ومد جسور التعاون والتلاقي بين الشعوب تزداد ضرورتها وأهميتها، ولن يتحقق ذلك إلا بالسلم، ولن يتحقق السلم بين الناس إلا إذا اتفقوا على المبادئ الكبرى التي تجمعهم في أخوة متينة لا تنفصم عراها".. مبينا أن الأمن المجتمعي يرتبط ارتباطا مباشرا بالتنمية والبناء وتقدم الأوطان؛ فباستقرار أمن المجتمع تنطلق عجلة التنمية، وهو ما يترتب عليه تقدم الدولة وقوة اقتصادها وتحقيق حياة أفضل لمواطنيها، وباختلال أمن المجتمع تستنزف الثروات والموارد وتتراجع التنمية وترتفع نسب البطالة.

وأوضح أن الأمن المجتمعي أحد المحاور التي عني بها مؤتمر الأزهر للتجديد؛ حيث ناقش المؤتمر في هذا المحور عددا من القضايا المتعلقة بالمجتمع وسلامة أفراده، ومنها: (المخدرات وأثرها على شباب الأمة، الانتحار، خطورة الشائعات على المجتمع، التوصيف الشرعي لجرائم قتل المواطنين ورجال الجيش والشرطة، مقاومة الفساد، جرائم الثأر، واجب الدول والمجتمعات والمؤسسات في مواجهة جماعات التطرف والتشدد والعنف، واجب الدولة نحو حماية أخلاقيات المجتمع من مخاطر وسائل التواصل، والمواقع الضارة، ملكية الدولة للآثار، حماية السائحين).

ولفت إلى أنه لم تتوقف جهود الأزهر عند حد المعالجة النظرية، بل سلك الأزهر طريقا عمليا من خلال عدة مسارات تقدم جهودا كبيرة على أرض الواقع من أجل تحقيق الأمن المجتمعي، ومنها: اللجنة العليا للمصالحات، والتعاون مع مؤسسات الدولة مثل وزارات الدفاع، والداخلية، والشباب، والتربية والتعليم، والتضامن الاجتماعي؛ لتنفيذ برامج دعوية وتثقيفية مختلفة، فضلا عن مواجهة فوضى الفتاوى من خلال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ولجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر، ولجان الفتوى المنتشرة في كل مدن الجمهورية ومراكزها، بالإضافة إلى القوافل الطبية والإغاثية على المستوى المحلي والدولي، فضلا عن مكافحة التطرف والإرهاب، ووحدة لم الشمل التي تهتم بحل الخلافات الأسرية وتأهيل الشباب المقبلين على الزواج لمواجهة خطورة الخلافات الأسرية والقدرة على حلها.

جدير بالذكر أن المؤتمر يهدف إلى وضع ضوابط محددة لدراسة المستجدات وتكييفها بصورة لائقة تتواءم مع تطور المجتمع وتلبية احتياجاته، مع إلقاء الضوء على بعض التكييفات التي تؤثر على أمن المجتمع واستقراره، فضلا عن إبراز منهج الإسلام الوسطي في تناول المستجدات دون إفراط ولا تفريط مع بيان العلاقة الوثيقة بين مقاصد الشريعة ودراسة المستجدات والنوازل المعاصرة، بالإضافة إلى السعي لتطوير عملية البحث العلمي في مجال تكييف المستجدات بما يتناسب مع الواقع العملي للمجتمع.

 

الاكثر قراءة