لاشك أنه يوجد منطق للإيمان بوجود الله تعالى والغيبيات وفق ما جاء به الإسلام، كما يوجد منطق آخر لمن يتبنى أفكار الإلحاد ويتنكر بها لوجود الله تعالى والإيمان ببقية الغيبيات، والحوار بين منطق الإيمان ومنطق الإلحاد قديم جداً، فقد انحرفت بعض العقول البشرية عن الفطرة السليمة، التي بها يعظم الإنسان ربه ويرى أثر قدرته فى كل شيء حوله.
هذا وقد سجل القرآن الكريم الكثير من الحوارات بين من يمثل الإيمان وبين من يمثل إنكار ما وراء الطبيعة، واتضح ذلك جلياً في كثير من آيات القرآن الكريم كحوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع عبدة النجوم والكواكب، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[الانعام:75-79].
وبعد ظهور بعض الشباب الملحد على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، معلناً تحديه للمؤمنين ببعض الأسئلة التي يراها الملحد سبباً في عدم إيمانه، ومعتقداً اعتقاداً جازماً أن العقل البشري لا يستطيع الرد عليه؟ رأيت من الواجب عليَّ عرض هذه الأسئلة وإجابتها في صورة مناقشة هادئة بين العقلين، لعلها تكون فيها الإفادة واليقين.
والقضية الأولى التي يتناقش حولها المؤمن والملحد هي قضية وجود الله سبحانه وتعالى.
فهل الله موجود؟ وما دليل ذلك؟ وما حقيقة قانون السببية الذي يعني أن لكل صنعة صانعاً.. ولكل خلق خالقاً.. ولكل موجود موجداً، النسيج يدل على الناسج.. والرسم يدل على الرسام.. والنقش يدل على النقاش، ألا يحق للعقل أن يسأل بنفس قانون السببية: ومن خلق الخالق؟
والجواب: أن سؤال من خلق الخالق؟ فاسدٌ عقلاً ومنطقاً للآتى:
أولاً: لأنك جعلت الله خالقاً ومخلوقاً في نفس الوقت، فتقول: الله خالق وفي نفس الوقت تسأل: من خلق الله؟
فالله لو كان خالقاً! لا يمكن أن يكون مخلوقاً! ولو كان مخلوقاً لا يمكن أن يكون خالقاً !وهو سبحانه وتعالى الخالق الذى خلق الخلق من العدم ، ويستحيل عقلاً تصور الجمع بين كونه خالقاً ومخلوقاً
ثانياً: أنك تتصور أن الخالق يخضع لقوانين مخلوقاته.. فالسببية قانوننا نحن المخلوقين (أبناء الزمان والمكان)
والله الذي خلق الزمان والمكان.. خارج عن نطاق الزمان والمكان، لا يتقيد بهما، وهو الذي خلق قانون السببية وأيضاً لا يتقيد به.
فالإنسان الآلي -مثلاً - الذي يعمل بالريموت كنترول والبطارية لا يمكن أن يصنع إنساناً آلياً مثله!
وقديماً ذكر أرسطو تسلسل الأسباب قائلاً: إن الكرسي من الخشب، والخشب من الشجرة، والشجرة من البذرة، والبذرة من الزارع، واضطر إلى القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللانهائي، لابد أن ينتهي بنا في البدء الأول إلى سبب في غير حاجة إلى سبب، ومحرك في غير حاجة إلى من يحركه، وهو نفس ما نقوله عن الله سبحانه وتعالى.
فالله تعالى هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل، لأنه ظاهر في النظام والدقة والجمال والإحكام .
ظاهر بقدرته في ورقة الشجر.. في ريشة الطاووس.. في جناح الفراشة.. في عطر الورد.. في ترابط النجوم والكواكب.
فلو قلنا إن الكون قد جاء صدفة لكنّا كمن تصور إلقاء قطع غيار سيارة في الهواء لتتجمع وتصبح سيارة بدون صانع أو خبير! فهل تستطيع المصادفة أن تنشئ طريقاً برياً سريعاً؟ أو هل تستطيع المصادفة أن تنشئ شركات للنقل وتنظم عملها بإتقان؟
وهل منطق السيد هلسكى للتدليل على أن الصدفة قد تصل لدرجة دقة التصميم فى الكون صحيح؟
قال هلسكى: لو جئنا بستة قرود وأخذت القرود تضرب على الكيبورد مئات السنين ستخرج قصيدة كما قصائد شكسبير !
هذا بالطبع مستحيل!، ومثال يدلل عكس اتجاه الملحد! ويناقض فكرة اللا سبب، لو افترضنا حدوث ذلك! حيث إن القصيدة هذه جاءت عبر تفاعلات عدة أسباب وعلل لإنتاجها فالقرود والضرب على الآلة الكاتبة والآلة نفسها والحبر والورق والزمن كلها أسباب تتفاعل لإنتاج هذه القصيدة، فلا نستطيع أن نقول إن القصيدة طبعت صدفة دون سبب.
فضلاً عن أن التفاعلات الطبيعية فى الكون لا يمكن أن تصل إلى دقة صنع هذا الكون العجيب.
إذن مثلما كان من المستحيل أن تظهر شركة للنقل مصادفة! فمن المستحيل أن يظهر جهاز الدوران في جسم الإنسان مصادفة، ومثلما كان هناك من قام بقطع الفولاذ قطعة قطعة لتكوين المواد اللازمة لإنشاء برج "إيفل" مثلاً، كان هناك من خلق عظام الإنسان بهذه الأطوال المختلفة ورتبها في جسم الإنسان بهذا التركيب المتناسق مع شكله في صورة الهيكل العظمي إنها القوة العظيمة، وإن الله تعالى هو صاحب هذه القوة وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما.