الثلاثاء 21 مايو 2024

فورين بوليسي تستبعد انسحابا أمريكيا من كوريا الجنوبية على غرار أفغانستان

الجيش الأمريكي

عرب وعالم24-8-2021 | 13:09

دار الهلال

ردّد انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، أصداء خروجه من فيتنام قبل نحو 48 عاما. فبعيدا عن التشابه بين مشاهد الطائرات الأمريكية بينما كانت تنفذ عمليات الإجلاء الأخيرة في كل من كابول الأفغانية وسايجون الفيتنامية، كانت تبعات الانسحاب في الحالتين هي وجه التشابه الأبرز؛ سقطت كابول بيد طالبان، وسقطت سايجون بيد القوات الشمالية.

يثير الانسحاب الأمريكي الأخير كذلك تساؤلات حول مستقبل القوات الأمريكية المنتشرة في عديد من البلدان حول العالم بوجه عام، وهو الانطباع ذاته الذي تركه الرئيس السابق، دونالد ترامب، حين بدأ بسحب بعض القوات من أفغانستان وفي الوقت نفسه خفض قواته في ألمانيا، حيث حذّر كثيرٌ من المعنيين بالسياسية الخارجية في الإدارة والكونجرس الأمريكيين من كون ذلك بداية لتخلّ مطّرد عن الالتزامات التي ارتبطت بها الولايات المتحدة طويلا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفق ما يشير الكاتب والباحث السياسي كلينت وورك، في تحليل نشرته دورية "فورين بوليسي" الأمريكية.

يقول وورك، وهو زميل برنامج "نورث 38" المعني بشئون شبه الجزيرة الكورية بمركز "ستيمسون" للأبحاث في واشنطن: "كانت كوريا الجنوبية، أيضا، تُرى كمرشح محتمل للانسحاب الأمريكي أخذا بعين الاعتبار ارتياب ترامب العلني بشأن الإبقاء على القوات هناك، إلى جانب مطالبه الابتزازية" بزيادة الحصة التي تتحملها سول من تكلفة وجود القوات الأمريكية.

رغم خروج ترامب من السلطة، يؤكد وورك أن سياساته التي حملت شعار "أمريكا أولا" تظل قوة كبيرة في السياسة الأمريكية، مشيرا إلى أن عودته أو من يحمل نفس توجهاته إلى البيت الأبيض في 2024 ليست أمرا مستبعدا، وسينطوي ذلك بالطبع على عودة الإدارة الأمريكية لتحدي حلفائها التقليديين وتقاليدها الراسخة في سياستها الخارجية؛ كالحاجة للاحتفاظ بنظام تموضع عسكري يمتد في مختلف أنحاء العالم بما يكفل حماية مصالح أصدقاء واشنطن وحلفائها، حيث قد يواصل ترامب أو من على شاكلته الدفع بأنه لم يكن من المقدّر بقاء القوات الأمريكية في كوريا إلى الأبد.

ويشير الكاتب إلى أن إدارة بايدن تعكف حاليا على تقدير أماكن تموضع القوات الأمريكية في الخارج وتحديد ما إذا كانت مناطق وجودهم الحالية هي الأفضل لواشنطن. ورغم أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان تقدير تموضع القوات الأمريكية حول العالم سيؤثر على وضع القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، لكن على المدى القريب، قد تؤدي بعض العقبات السياسية في البلد الآسيوي - التي تؤثر حاليا على قدرة القوات الأمريكية على الوصول لبعض منشآت التدريب وتقيّد قدرتهم على إجراء المناورات ـ إلى نقل بعض القوات لبلدان أخرى كاليابان من أجل تنفيذ المناورات اللازمة للإبقاء على جاهزيتها العسكرية.

وعلى المدى الأبعد، يعيد الاستراتيجيون الأمريكيون تقييم مدى ملائمة القوات الأمريكية في كوريا لاستراتيجية واشنطن الأكبر لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تتركز حاليا على التنافس المحتدم والنزاع المحتمل مع الصين، ما يستدعي الحاجة لزيادة المرونة الاستراتيجية للقوات في شبه الجزيرة الكورية للتعامل مع أحداث طارئة في المحيط الإقليمي الأوسع .

لكن نقل القوات الأمريكية من كوريا سيكون عملا أصعب وأكثر خطورة من الانسحاب "المؤلم" من أفغانستان، بما سيترتب عليه من سباق تسلح محتدم قد يرقى إلى نزاع عسكري بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، وعودة اليابان للتسلح، وإمكانية تطوير سول لبرنامج للأسلحة النووي، وسباق وحيازة أسلحة واسعة النطاق في مختلف دول الإقليم، فضلا عن خسارة الولايات المتحدة مصداقيتها بين حلفائها، وإرسال إشارات على تحول جوهري بحق في السياسة الخارجية الأمريكية، أقوى من ذلك الذي أرسله الانسحاب من أفغانستان، وفق تقدير وورك .

ترتيبا على كل ذلك، يستبعد المحلل - المنصب على تاريخ وتطور وجود القوات الأمريكية في كوريا- إمكانية انسحاب الولايات المتحدة بشكل كامل من كوريا الجنوبية، رغم مرورها بمراحل من التقليص وإعادة الاصطفاف، ورغم مساعي الإدارات الأمريكية المتلاحقة - ديمقراطية كانت أو جمهورية - لخفض عدد القوات وزيادة مرونتها للتعامل مع تهديدات أخرى وتحميل سول قدرا أكبر من كلفتها المادية، وهي المساعي التي واجه جميعها عقبات في طريقها، انتهت إلى أن يُبقي البنتاجون على نحو 28 ألفا و500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، هم ما بقي من القوات الأمريكية بعد 7 عقود على ذهابها لشبه الجزيرة الكورية.

وفي تحليله المعنون "سول ليست كابول"، ينتهي وورك إلى كون سحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية أو التلويح بإمكانية حدوث ذلك فكرة غير جيدة، مؤكدا أنها تقوض الاستقرار والعملية التفاوضية المحتملة مع كوريا الشمالية، لكنه يضع شرطا يراه كفيلا بتمهيد الطريق لإنهاء الحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي في سول: "فكر جديد في واشنطن"، مستوحيا ما اقترحه الجنرالان المتقاعدان: الأمريكي فينسنت بروكس، والكوري الجنوبي هو يونج ليم، في مقال بدورية "فورين أفيرز" الأمريكية، واللذان خلصا إلى ضرورة تبنّي قادة البلدين سياسة "التأني الاستراتيجي".

تنطوي السياسة المقترحة على إعلان نهاية لحالة الحرب مع كوريا الشمالية، ليس في صورة معاهدة، وإنما في شكل إعلان من شأنه أن يرسل إشارة قوية "تمثل تغييرا أساسيا للسياسة في شبه الجزيرة الكورية"، وربما توفير المساحة اللازمة للزعيم الكوري الشمالي، كيم يونج أون، للتراجع.

في ختام مقاله، يرى وورك أنه "إذا تألفت تلك العملية من جهد أصيل لتأسيس علاقة جديدة وإذا نُفّذت بنية ثابتة وتحالف متماسك، قد تقود في النهاية إلى مكان لا يبدو فيه سحب القوات الأمريكية من كوريا أمرا لا يمكن تخيله.. قد تقود بشكل جيد للغاية إلى مكان تقهر فيه التطورات التاريخية الجمود التاريخي".