عالم بلا أسوار، هو سلسلة مقالات عبارة عن نقد بسيط وصريح لكل ما يدور حولنا من المعاملات، نحاول فيها توضيح المشاعر الزائفة، والعلاقات الوهمية، والتي يخشى الكثير التحدث فيها جهارا، والتي تشمل كل النواحي الحياتية، الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية، وغيرها، والتي قد تكون نفوسنا من أوهمتنا بأنها حقيقية، وصورت لنا أننا على الطريق الصحيح، إذا أردت أن تعرف في أي طريق أنت فلتدخل معنا عالمنا الذي بلا أسوار، ولكن قبلها لابد أن نتعرف معا على النفس وما هيتها، ثم نبدأ كتابنا عالم بلا أسوار.
وبعد أن تعرفنا على النفس في المقال السابق نتكلم الآن عن بعض أقنعتها، وأولها قناع الدين وتعريف الديانة اصطلاحا: هو جملة من المبادىء التى تدين به أمة ما اعتقادا وعملا. ومنها ما هو وحى من السماء، ومنها ما هو من وضع البشر، وليس له أصل فى الأثر، فنطلق عليه مجازا ديانة.. فنستعرض إليكم الجزء الثاني من تكملة المقال السابق "قناع الدين"
ثانيا: الدين مهربا
فهذا الذى تكالبت عليه الدنيا، فوجد نفسه ضعيفا لا يقوى على أخذ حقه، ولا يستطيع البوح بما فى نفسه، مقهور على الدوام، مغلوب على أمره، مسلوب الإرادة، دوما تابع لغيره، ضل سعيه، وقل رزقه، فأراد الهروب للنجاة من معترك الحياة، فاتجه إلى الدين تهربا لا تقربا، فصار الدين له مهربا.
وهذه الفتاة التى تظن أن الحياة لم تعطها ما أرادت من جمال أو حسب، فاتها قطار الزواج، وظنت بأن العمر فات، لم تجد من يشبع رغباتها، ويقاسمها حياتها، وظلت وحيدة رغم وجودها بين أهلها، وكلما مر يوم زاد همها، وخاب فى الحياة ظنها، تكظم غيظها، حين تنظر لمن كانت مثلها، ثم أصابها نصيبها، فلم تجد سوى إسدال حجابها، واللجوء إلى دينها، وإظهار الحمد أمام الناس على حالها، والرضا بما أحل بها، ولكن هل هذا هو اعتقادها، أم أنها توارت خلف الدين هربا من حالها؟!.
وهذه الأخرى التى صالت فى صباها وجالت، وخالفت قواعد الأدب، باللسان وبالجسد، غرها صباها، وفرطت فى عفتها وطهرها، واتبعت هواها، ظنا منها بأن هذا هو التمتع بالحياة، ولم تدر بأنها صارت بضاعة مزجاة، فإذا ما تغير حالها، وصارت تتمتع بحلالها، أسدلت عليها نقابها، لتهرب من عيون طالبيها، حتى لا تفسد حاضرها بماضيها، فلم تلجأ إلى الدين حبا ، وإنما لجأت إليه هربا.
وإن كان توجههم ليس تدينا، ولكن فى رأيى أنه الاتجاه الأفضل، فإن لم نهرب إليه فلمن نهرب، قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) (الذاريات 50)، أما أعجب ما فى الأمر، أنه بمجرد تغير الحال إلى ما أرادوا، إلى حالهم القديم عادوا.
ثالثا: الدين ستارا
وقد يأخذ البعض هذا الدين ستارا، ليخفى خلفه مساوئ نفسه، فتراه وكأنه آية من آيات الله، مطأطىء الرأس طويل اللحية، مسدل الإزار، وكأنه فى زمن الصحابة، أو الرهبان، حتى يخدع ناظريه، ويشعروا بالثقة فيه، فيُدلون إليه بدلوهم، ويبادرونه بأعمالهم، فإذا ما تم المراد، وحصل على ما أراد، تغيرت لهجته، وأظهر حقيقة معاملته، وصار وكأنه شخص آخر، فأذاع أسرارهم، وهتك أستارهم، وقس على ذلك كل من يأخذ الدين ظاهرا، ليفعل ما يريد باطنا، كمن ترتدى النقاب لتسأل الناس فلا يعرفونها، ومن يطلق لحيته ليبيع السبحة والسواك، ومن يترهبن ليظنوا أنه من النُساك،وكل من يرتدى لباس التدين ويخفى خلفه ما تضمر نفسه، فإنما اتخذ الدين كالستار؛ ليخفى ما خلفه من أقذار.
يذكر أن حسن خليل سعد الله، كاتب ومؤلف مصري، يعمل رئيسًا لقسم الصارف الآلي في بنك التعمير والإسكان، وبرغم طبيعة عمله البعيدة عن موهبته، فإنه استطاع أن يوجه اهتمامه إليها بشكل كبير ومثمر، حتى حصل على ليسانس الدراسات العربية والإسلامية، ومن ثم الدراسات العليا والماجستير، في علوم الحديث الشريف من المعهد العالي للدراسات الصوفية.