يتناول حسام الحداد الباحث في حركات الإسلام السياسي في العدد الثالث أغسطس 2021، من كراسات تنوير 22 مسيرة سيد قطب وأثره في الحركات الإرهابية المعاصرة من القاعدة إلى داعش، فقد كان لسيد قطب نسيج فكري مُرَكب تشكّل على مهل من الطفولة إلى المشنقة، وما بين البداية والنهاية كان سيد قطب الشاعر الشفيف الملهم الناقد صاحب النفسية الاستشرافية، ثم سيد قطب المفكر الباحث الذي يرتشف رحيق المعارف من مختلف المصادر ليخرج لنا أنوار المعرفة، إلى أن أصبح سيد قطب صاحب المشروع الفكري الأهم والأخطر في القرن العشرين.
وعن التحول الفكري لدى سيد قطب يقول الحداد: "كانت كتابات المودودي هي المفاتيح السرية التي فتح بها "قطب" بابا جديدا للحركة الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي حيث تأثر سيد قطب بتقسيمات المودودي لمجتمع الهند الى أهل جاهلية وأهل الايمان، ولكن في مصر الطبيعة مختلفة ورغم ذلك أخذ قطب هذه الأفكار المودودية ومصرها أي طبقها على مصر حيث رأى من خلال هذه الأفكار أنه لا يمكن إقامة دولة إسلامية كاملة تستعيد ملامح دولة "الخلافة" الإسلامية الراشدة الا من خلال تنظيم قوي محكم يعمل في السر وليس في العلن ولا تكون الدعوة المفتوحة من أولوياته، لكنها قد تكون من وسائله ولكن الأهم هو التنظيم والآلية العسكرية، حيث استفاد سيد قطب من أفكار النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين حيث وجد في هذا النظام هو المؤهل لصنع هذا التنظيم ولم يعول على جماعة الإخوان المدنية وجعل قطب من رسالة التعاليم لحسن البنا التي خصصها للنظام الخاص وهي السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة، جعل قطب من هذه الأفكار الدستور الرسمي لجماعته الخاصة".
وحسب ما جاء في كتاب الحداد يعتبر سيد قطب الاب الروحي لجميع قادة التنظيمات الارهابية والجهادية في العالم، فقد قال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في صحيفة الشرق الأوسط، في ديمسبر 2001: إن سيد قطب هو الذي وضع دستور "الجهاديين !!" في كتابه الديناميت!! : (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي!!، وإن كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات الأصولية!، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم). وقال عبدالله عزام احد قادة الجهاديين ضد السوفيت، في كتابه "عشرون عاما على استشهاد سيد قطب ":والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه المبارك في تفكيرهم.
ولقد كان لاستشهاد سيد قطب أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته، ففي السنة التي استشهد فيها طبع الظلال سبع طبعات بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته، ولقد صدق عندما قال: إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء. ولقد مضى سيد قطب إلى ربه رافع الرأس ناصع الجبين عالي الهامة ،وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال، بعد أن وضح معان غابت عن الأذهان طويلا، وضح معاني ومصطلحات الطاغوت، الجاهلية، الحاكمية، العبودية، الألوهية، ووضح بوقفته المشرفة معاني البراء والولاء، والتوحيد والتوكل على الله والخشية منه والالتجاء إليه.
وكان وقع هزيمة الإخوان أمام ضباط يوليو شديدًا على قطب فتملكه كبرياء الشاعر وتبنى فكرة مواجهة النظام بالقوة.. ومن السجن كتب لما يمكن ان يسمى استراتيجية بناء حزب انقلابي اسلامي وهو ما يطلق عليها الكاتب (ايدلوجية الصفوة الالهية) من خلال ظهور مفهوم الحاكمية الذى يضع الاساس النظري الفقي للإسلام القطبي بالتوحيد التام بين الإسلام والسلطة على نحو مذهل في شموله وصرامته، بحيث تصبح الحياة كلها فروعا من شجرة الدين لا بأي معنى يتعلق بالروحانية لكن بمعني ان تصبح الحياة مجالا لتطبيق الاحكام الالهية وحدها وتكتمل الصورة بوصم كل من ينازع حق الله في الحاكمية بالكفر ولا تتطلب هذه المنازعة اكثر من تنحية شريعة الله عن الحاكمية وأن تكون جهة أخرى غير الله هي مصدر السلطان ولو كان هو مجموع الأمة أو مجموع البشرية.
وإذا كانت الحاكمية خارج العالم وفوقه فالعالم ايضا خارج الحاكمية اي في جاهلية ومن الناحية السياسية العملية تقضي هذه الفكرة الي تكفير النظام والمجتمع القائمين في مصر – الناصرية وما بعدها – بالجاهلية حيث إنها في غربة كاملة عن الإسلام.
وبعد وضع الحدود المطلقة بين الجاهلية والإسلام وحفر خنادق الحرب بينهما أصبحت الإجابة عن سؤال ما العمل؟ هو إقامة حزب انقلابي إسلامي يسميه الطليعة المؤمنة أو العصبة المؤمنة تتسلح بعقيدة الحاكمية – الجاهلية وتتبع خطى نشر الدعوة الإسلامية وعلى العصبة أن تدعم بعضها كفرد واحد فالولاء والطاعة والتبعية يكونون للقيادة وحدها وفي الفصل الخامس يقول المؤلف الفكرة القطبية كانت تقوم على تكوين "العصبة المؤمنة" المفترضة، التي كانت تستدعي عدم إضاعة الوقت في فرض التشريع الإسلامي بالقوة، قبل تكوين هذه العصبة على أساس مفاهيمه لتفاصل المجتمع فيما بعد مفاصلة جذرية، ومن هنا كان المطلوب هو هدم النظام من القواعد عن طريق العصبة المؤمنة، لا المزاحمة على النفوذ فيه!
إلا أن التنظيم أُجهض وهو في طور النمو ومرحلة البداية الحرجة في أغسطس 1965م.
ولكن الأثر الباقي والأخطر، كان السجالات الفكرية التي تمت خلف الأسوار وتحت سطوة الجلاد، عن تبلور فكر التكفير إلى مناقشات فقهية على ساحة السياسة، تدور حول نتائج تكفير المجتمع والدولة، والحكم على الآباء والزوجات، وتكفير الأفراد.
وتمخض هذا السجال عن مدارس تكفيرية مختلفة، وفي الواقع عن استراتيجيات اجتماعية مختلفة، انطلقت من فكر قطب، وأضافت إليه، ومن بينها التكفير الشامل، ونموذجها "جماعة المسلمين"، التي أسسها شكري مصطفى، والتكفير السياسي، الذي تبنته جماعات الجهاد الإسلامي، التي بدأت بتنظيم الفنية العسكرية الذي أسسه صالح سرية.