أبدى البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، امتنانه وسعادته العميقة لزيارة العاصمة الروسية موسكو للمرة الثانية منذ تنصيبه: "أقدم الشكر للمسيح أن نزور بلدكم المبارك للمرة الثانية، ويسعدني أن أكون محملا بمحبة وصلاة الجميع لكم في مصر وكنيسة مصر".
وأضاف، خلال زيارته التي بدأت أمس الثلاثاء، إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، "إننا نُكن لكنيستكم كل المحبة ونتذكر بفرح زيارتكم لمصر عام 2009 ومشاركة كنيستكم الكريمة طقس تجليسنا بطريركًا عام 2012، والله من نعمه الكثيرة أعطانا أن نأتي إلى بلادكم الجميلة إلى البلد التي قرأنا عنها وأحببناها قبل أن نراها، الآن روسيا لها نكهة خاصة في وسط بلدان العالم وفى تاريخ المسيحية الأرثوذكسية".
وتابع، أشكركم على هذه الجائزة التي تمنحها المؤسسة الدولية لوحدة الأمم المسيحية الأرثوذكسية وأشكر الكنيسة الروسية، وأشكر كل الشعب الروسي ويشرفني أن أنضم لهذا البستان من الشخصيات التي نالت هذه الجائزة، وأتذكر وأنا أقف هنا الآن ما عشناه من حفاوة المقابلة والمحبة التي قدمت لنا في زيارتنا السابقة والوفد المرافق عام 2015، وما اتفقنا عليه من لجان تعاون رهبانية وتعليمية واجتماعية ولاهوتية، وهكذا فإن العلاقات مستمرة وفى نمو دائم، وسعادتنا زادت بمقابلة قداسة البطريرك كيريل الذي أحببت اسمه ومعناه قبل أن أراه ومن ثم عرفته بشخصيته الممتلئة من الصفات المسيحية الأصيلة".
واستطرد البابا تواضروس "أود أن أشكركم جميعًا على المحبة التي شعرت بها ولمستها من لحظة أن وطأت أقدامي هذا البلد، والبشاشة التي أراها فى كل وجه أنظر إليه هنا، جئنا إليكم من أرض مصر، مصر التاريخ والحضارة التي يقولون عنها أنها فلتة الطبيعة، أبوها التاريخ وأمها الجغرافيا، جئت إليكم من الكنيسة المصرية التي تأسست في القديم بنبوة في سفر إشعياء النبي ثم تقدست بزيارة العائلة المقدسة وباركتها من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب، وتأسس فيها كرسي مارمرقس الرسول في الإسكندرية ليكون واحدًا من أقدم الكراسي الرسولية في العالم، مصر الأرض التي انتشرت منها الرهبنة المسيحية وتأسست بقديسيها أنطونيوس، ومكاريوس وباخوميوس، وكانت ولا زالت مواضع مقدسة للصلاة أمام الله، ونعلم أنها محفوظة ليس فقط في يد الله بل وفي قلبه، اسمحوا لي أن اطرح سؤالا عن مدى وجود ثقافة الحياة بالمحبة والسلام في العالم الآن؟، فما أحوج العالم الآن إلى المحبة الحقيقية والسلام الحقيقي، العالم فى سرعته الحياتية ينسى المبادئ الرئيسية للحياة، وفى غمار اللهث وراء مطالبه يتناسى العيش بثقافة المحبة والسلام لذا علينا باستمرار إرساء هذه الثقافة لحياة الإنسان، فلكل إنسان رسالة، والله عندما خلق الإنسان خلقه على صورته وأصبح تاج الخليقة كلها، فالبشر مخلوقون بتفرد عجيب وفن دقيق، والله عندما يخلق كل إنسان إنما يخلقه ليكون له رسالة على الأرض، والإنسان المسيحي في أي مجتمع هو نور وملح وحب، إننا فى زمنٍ صعب، فالعالم صار غارقًا في المادية تضخم عقله من المعرفة والمعلومات وانكمش قلبه من الحب والوفاء، وصار العالم جائعًا إلى الحب وإن تفحصنا سطح الأرض اليوم فلن نجد صعوبة في العثور على أماكن جرداء على هذا الكوكب من المحبة، فتنتشر العنف والجريمة والإرهاب".
وأكد قداسته، "نحن مسئولون أمام الله في الكنيسة أن نعد القلوب المجردة من المحبة لنسقط فيها بذار محبة الله والآخرين وأن نشبع النفوس من القيم الإنسانية والقيم المسيحية وعلى رأسها المحبة، وفي الأمثال الروسية أن اعمل الخير لأصدقائك يزيدوك محبة واعمل الخير لأعدائك ليصبحوا أصدقاءك، هذه هي المحبة المسيحية التي تتخطى كل حدود العقل وتعبر بالإنسان فوق الكراهية والضيق والذات ليصل بسلام إلى بر المحبة المشعة التي تقبل، الآخر المختلف أيًّا كانت ديانته أو لونه أو ثقافته، تقبله ليس ظاهريًا ولكن من قلب طاهر، وإذا لم نكن كذلك فلا نستحق اسم إله المحبة الذي نحمله وبهذا نصعد تدريجيًّا إلى اختيار السلام للحياة.
وشرح تواضروس، "سلام الله هو نهر فيض سلام، إنه السلام الفائق كل فهم وشعور الذى يجعل الإنسان دائم الاطمئنان، ويتشبه بالسيد المسيح ويصير ابنه، إن الصناعات أنواع منها صناعات خفيفة أو صناعات ثقيلة ولكن صناعة السلام هي الصناعة الأصعب التي تحتاج تضافر كل الجهود لكي ما نقدم ونصنع ونتشارك فيها لذلك علينا أن نعيش ونصنع ونعلم أبنائنا صناعه السلام فما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات، وما هي الخيرات أكثر من المحبة والسلام وما هي المحبة والسلام إلا ثمار لأنها روح الله الساكن فينا فى ظل هذا التباين والتخبط الموجود من حولنا نصلي أن نكون يدًا واحدة، ونشعر بمسئوليتنا لكي يجتاز العالم هذه المرحلة ونلتزم بدورنا أن نكون نواة هذا السلام على الأرض فى تعاليمنا وكلماتنا وحياتنا وأن نغرس فى كل أسرة مسيحية هذا التعليم، ليتنا نملح الأطفال منذ الصغر بملحها في الأسرة".