الجمعة 26 ابريل 2024

الدكتور الجامعي وتجديد الخطاب الديني و«فيسبوك»

مقالات1-9-2021 | 13:24

فجر الزميل الصحفي بـ«البوابة نيوز» محمود عبد الله التهامي واحدة من القضايا المهمة التي يجب التصدي لها بشكل ملحٍ وضروري من قبل نخبنا الثقافية، سواء داخل أسوار الجامعة أو خارجها، وهي الكتابة في الملف الشائك "تجديد الخطاب الديني"، والذي يطالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم وحتى الآن، دون أن تَلقى دعوته هذه أي رد فعل من المؤسسات الدينية سوى مواجهة هذه الدعوى بالعنت والرفض.

قدم الزميل محمود عبد الله مقالين أحدهما نشر على موقع "البوابة نيوز" والثاني على موقع "أصوات أون لاين" مُفندًا كتاب "تجديد الخطاب الديني" للدكتور أحمد القاضي والمنشور ضمن إصدارات مكتبة الأسرة  2008، وأعادت نشره الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتابعة لوزارة الثقافة المصرية، وقد سبق النشر أن قام كاتب هذه السطور بإصدار فيديو على قناة "تنوير 22" على موقع اليوتيوب يناقش فيها عددا من الإشكاليات التي وقع فيها الكاتب، ورغم كتابة الزميل محمود سابقة على الفيديو، وأنها نشرت بعد الفيديو، ولم يطلع أحدنا على مجهود الآخر في إعادة قراءة الكتاب إلا أنه هناك توافق ما بين ما طُرِحَ في الفيديو وما نشره الزميل محمود عبد الله، بوجود إشكاليات عديدة في الكتاب سوف نعرضها في حينها.

 بعد نشر الفيديو، طالب الدكتور هاني نسيرة عقد مناظرة بيننا وبين الدكتور القاضي ورحب القاضي، ونحن بصدد الإعداد لها حتى يكون هناك متسعًا لتبادل الأفكار ومناقشة الفكر بالفكر وليس الرصاص، ومشكورا رحب رئيس هيئة الكتاب بهذه المناظرة وأبدى استعدادا لنشرها في كتاب تصدره الهيئة.

إلى هنا ليس هناك أي مشكلة في التعامل الراقي بين جميع الأطراف، إلا أن الدكتور القاضي سارع بنشر بيان على صفحته الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يُصدِّره بهذه العبارة التي لا تليق لا بالموقف ولا بكونه أستاذا جامعيا: "بمناسبة الأعدقاء الذين يسوؤهم نشر كتبي في هيئة الكتاب". وهنا لزم التوضيح، بداية أننا لسنا أعداء ولسنا أصدقاء على المستوى الشخصي ولم نلتق الدكتور القاضي، ولكن التقينا كتابه المنشور، ومن حق الجميع إبداء وجهة نظره في الكتاب، فالقراءة ليست سوى مناقشة المقروء والتفاعل معه وتفنيده، ولكون الدكتور القاضي يعمل في مجال التعليم فهو لا يروقه هذا؛ لأنه يتعامل على اعتبار أنه أستاذ ورئيس قسم فمن المفترض حينما يكتب استوجب علينا أن نقول: آمين، جاء الحق وزهق الباطل. ونسير خلفه كالعميان أو القطيع.

 وهنا، أهمس له بكل هدوء: أن هذا النوع من التعليم ينتج أمة متخلفة لا تستطيع السير على قدمين نحو المستقبل. ولسنا مجموعة من القطيع نقول: سمعًا وطاعة، وما قدمته جهدا يشريا به الصواب وبه الخطأ، وأتفق مع بعضه وأختلف مع الآخر، وهذه سُنة الأشياء، فلا أنت ولا أحد يملك الحق المطلق، أو يتحدث باسم الله، وكل الأمور نسبية، فالعلم قاعدته الأولى قابليته للصواب والخطأ، فمن حقنا نقد الكتاب -أي كتاب- أيا كان صاحبه هذا أولا.

وثانيا: كون هيئة الكتاب هي ناشر الكتاب هذا ليس قدحًا في الهيئة ولا في الكتاب، فلا تعتصم بالهيئة، لأن دورها لا يتعدى دور ناشر، فهي تتعامل معه بمقاييس السوق في المقام الأول، ولا أطالبها بدور أكثر من هذا الدور، فمن حق الجميع النشر في الهيئة ومن حقنا مناقشة ما ينشر.

أما ما جاء في بيان الدكتور حول كاتب هذه السطور، وإشارته بكونه فاحص الكتاب الذي أعادت نشره الهيئة، نعم أقر لك بذلك، وأذكر موافقتي على نشر الكتاب، فأنا لست الفاحص الوحيد، وتقريري من الممكن الأخذ به أو عدم الأخذ به، فعلى ما أعتقد أن الكتاب يفحصه ثلاثة فاحصين، أنا واحد منهم، ونشر الكتاب يعني أن الفاحصين أجازوه، وهنا لابد من توضيح اللبس.

حينما تكون فاحصًا لكتاب يُعد للنشر هناك معايير علمية تستند لها وليست معايير أيديولوجية أو عرقية أو سياسية أو دينية أو غيرها من المعايير، فالكتاب طبقا للمعايير العلمية والعملية للنشر هو كتاب جيد متماسك في مادته العلمية موثق بالمراجع والهوامش منضبط الأسلوب، وسليم اللغة والمبنى. هذه المعايير التي ينشر الكتاب على أساسها وهي موجودة بالفعل في كتاب "تجديد الخطاب الديني" وفي معظم الكتب التي تنشرها الهيئة، هذا لا يمنع وجود إشكاليات منهجية في هذا الكتاب وغيره ولا يمنع أيضا عدم توافق الكتاب أو غيره مع هذا أو ذاك وعلى سبيل المثال لا الحصر حينما تنشر الهيئة أو تعيد نشر كتب فرج فودة هل يرحب بها الجميع؟ بالقطع لا، فهناك المتفق والمختلف، ولا تقوم الهيئة ولا تستطيع أن تقوم بعمل استقصاء رأي عام حول كتاب ما لتجيز نشره من عدمه، فنشر الكتاب في الهيئة لا يعطبه حصانة ولا يمنعنا من تقديم نقد له، وليس معنى أني مختلف مع معظم فتاوى ابن تيمية على سبيل المثال أن أطالب بحرق كتبه او إعدامها أو عدم نشرها، هذا منطق متطرف وعصبي وعاطفي، فأنا من مدرسة الحوار والمناقشة وتفنيد الآراء وإعادة القراءة ولست مع المنع بأي صيغة كانت.

كلمة أخيرة: ليس معنى أن يقدم لي الدكتور فلان أو المفكر العلاني كتابا أو يجيز لي كتاب للنشر أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا أرى في بيان الدكتور الجامعي على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إلا تصرف صبياني على سبيل "الشو الإعلامي" لا أكثر ولا أقل، تصرف لا يليق بأستاذ جامعي، من المقترض أن يعلم أبنائنا احترام الآخر، واحترام الكلمة وتقديرها، وأن يغرس فيهم روح النقد والتفكير العقلاني لا مفاهيم القطيع ولا التعالي على الآخر، من باب فلان قدم لي أو علان حكم لي، وأن يعلم أبنائنا أن الكلمة الأخيرة لم تكتب بعد وأن أي عمل إنساني مهما كان صانعه هو قابل للنقد والمراجعة وأخيرًا: "كل يؤخذ منه ويرد".ِ

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة