الخميس 16 مايو 2024

الأحوال الشخصية المسيحية ما بين مطرقة القانون وسندان الكنائس

1-2-2017 | 23:40

 

تحولت قضيتهم إلى رقم فى ملف مسلسل داخل المجلس الإكليركى تنتظر الحل الفورى، هم بالطبع ضحايا الأحوال الشخصية، الذين ذاقوا الأمرين فى خطوات صعبة ومعقدة، أملا فى الحصول على تصريح طلاق، بينهم عشرات الأسر المتضررة حصلت على الطلاق المدنى من محاكم الأسرة، وفى انتظار الإذن الكنسى.

قيادات كنسية عايشت المأساة بكل تفاصيلها، عشرات الأسر المتضررة استبشرت خيرا بالتعديلات، التى أجرتها الكنيسة الإنجيلية، منذ أيام، على مشروع القانون الذى أعاده مجلس النواب إلى الكنائس، ليتفقوا على صيغة توافقية موحدة لكل الطوائف المسيحية، وهو الأمر الذى أيده مطالبو الطلاق المسيحى، مهددين بالإلحاد أو إشهار إسلامهم.

مينا أسعد، مدرس اللاهوت الدفاعى بالكنيسة الأرثوذكسية، يقول: إن من يسعى لتغيير دينه ليس عن اقتناع، لكن بسبب مصالح شخصية كالطلاق وغيره هو تلاعب بالدين، ومثل هذا لا يلى إلا ذراع نفسه فهو وطالما كان ضميره يسمح بالتنازل فلا قانون يصدر للأحوال الشخصية قادرا على إصلاح ضمير فاسد، لذا فالتلويح بورقة تغيير الدين ليس ذا فاعلية أمام سطوة الضمير والإيمان، ولن تغير الكنيسة الأرثوذكسية إيمانها لإرضاء أهواء البعض.

وأضاف، فى تصريحات خاصة، أن اقتراحات الطائفة الإنجيلية أغلبها مرفوض جملة وتفصيلا، فلا يطبق على الكنيسة الأرثوذكسية، لأن مشروع القانون الصادر تمت الموافقة عليه بالإجماع من المجمع المقدس، وأى تعديل يتم لابد أن يعود للمجمع المقدس، بالإضافة إلى التعديلات التى شملها الفصل الخاص بالخطبة الذى حذفت الكنيسة الإنجيلية منه عبارة: "لا تنعقد الخطبة إلا لمتحدى الملة والطائفة"، لتفتح بذلك الزواج بين المسيحيين بغض النظر عن طوائفهم المسيحية المختلف، وهو أمر مرفوض أرثوذكسيا، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بأية زيجة تمت خارج كنيستها، ولا تُزوج إلا الحاصلين على المعمودية الأرثوذكس.

وتابع: ما تدعو إليه الطائفة الإنجيلية هو فتح باب الزواج المختلط، وهو الأمر المرفوض أرثوذكسيا تماما بالإضافة إلى رفض زواج الطرف الزانى، لأنه يخالف صحيح النص فى الإنجيل الذى يمثل الزواج بأنه عهد أمام الله، ولا يجدد العهد مع من خان، وأدخل عضوا فاسدا "الزنا" فى الحياة الزوجية، أما إعطاء الحق فى تصريح زواج ثانٍ بعد الطلاق لأجل الفرقة، فهو قمة العبث بالنصوص الإنجيلية، وللطائفة الإنجيلية الحق فى تطبيق ما تراه على رعاياها، لكن الكنيسة الأرثوذكسية لن تتنازل عن عقائدها الواضحة الثابتة إرضاء لمن يرفضون سر الزيجة.

وأوضح أن آباء القرن الرابع تحدثوا عن الزيجة الثانية بشكلها المطلق دون الإشارة لكونها قاصرة على الترمل فقط أى أنها تحتوى أيضا على وجود زيجة البار ما يعنى أنها تقليد مسَلم به، وبحساب بسيط نجد أن الله يكره الطلاق، كما يكره ما سبق، ومن ثم الطلاق يتساوى فى فكر الله مع فعل الأرجاس، وارتداء رجل متاع امرأة لرجل، وارتداء امرأة متاع رجل "الشذوذ"، والإنسان شارب الإثم كالماء، والمتكلم بالكذب، ورجل الدماء، ورجل الغش، وعمل الرجس للآلهة الوثنية، وحرق البنين والبنات بالنار كتقدمة لآلهة وثنية، فهنيئا إذن لطالب الطلاق فقد تساوى مع كل هؤلاء فى نظر الله.

أوضح رفعت فكرى، راعى الكنيسة الإنجيلية، أن رسل المسيح وتلاميذه لم يزوجوا أى أحد، كما أن المسيح أسس فقط فريضتى العشاء الربانى والمعمودية، ولم يرسم فريضة للزواج، ولم يضع طقوسًا له، كما أنه لم يقم بإجراء مراسيم دينية لأى زوجين، هذا فضلًا عن أن المسيح لم يضع تشريعًا معينًا للحياة، لكنه وضع مجموعة من القيم والمبادئ، التى تصلح لكل زمان ومكان، لذلك اختلف المفسرون فى تفسير النصوص المتعلقة بالطلاق فى الكتاب المقدس، فهناك من قال: إنه لا يوجد طلاق على الإطلاق، وهناك مَن قال إن الزنا الفعلى هو السبب الوحيد للطلاق، وهناك من قال إن زنا النظرة هو المقصود لا سيما أنه من الصعوبة بمكان إثبات الزنا الفعلى، مثل وجود أربعة شهود وغيرها، وأيضا هناك من قال: إن حديث السيد المسيح جاء بصدد أحقية الرجل فى أن يطلق امرأته بالإرادة المنفردة‏، والحالة الوحيدة التى يحق للرجل اليهودى فيها أن يفعل هذا هى حالة الزنا فقط، وبالتالى فالسيد المسيح لم يتحدث مطلقًا عن التطليق الذى يحدث اليوم، حيث إنه لا توجد فى المسيحية فكرة الطلاق بالإرادة المنفردة من الرجل، فما تقوم به الكنيسة أو المحكمة المدنية هو التطليق وليس الطلاق، أى وجود طرف ثالث، وهذا ما لم يتحدث عنه المسيح.

وتابع فكرى، خلال بيان أصدره، لعدة قرون بعد المسيح، كان المسيحيون يتزوجون مثلما كانت تتزوج الشعوب، التى ينتمون إليها، فكان الزواج يُعد عملًا بشريًا ينظمه المجتمع، ولم تكن الكنيسة تتدخل فيه، وفى القرن الثامن بسبب الزواج بين أقرباء العصب، وزنا ذوى القربى، قرر مجمع فرنوى، إن تبادل الرضا بين الزوجين لابد أن يتم علنًا، وأثناء القرنين الحادى عشر والثانى عشر، أضحى من الواجب أن يُحتفل بالزواج أمام باب الكنيسة، وفى القرن السادس عشر صدر كتاب "رتبة الزواج" فى عام 1614م، لكى تُقر الكنيسة بأنه لا يجوز أن يُعقد الزواج عند باب الكنيسة، بل فى داخلها فى مكان لائق بالقرب من المذبح وأمام خورى، وهنا تدخلت الكنيسة فى موضوع الزواج منذ القرن السادس عشر، وأمام المشكلات الزوجية المتفاقمة، اجتهدت الكنيسة فى تأويل نصوص الطلاق، ووضعت أسبابًا للتطليق لم ترد فى الكتاب المقدس، فهناك كنائس وضعت ضمن لوائحها عددًا من الأسباب الصعبة، التى قد تؤدى للزنا، ومن ثم عالجت المشكلة قبل حدوثها فسمحت بالتطليق، وهناك كنائس أجازت الموت الحكمى والزنا الحكمى، كسببين للتطليق، مع أنهما لم يردا فى أحاديث المسيح، وهناك كنائس اعتبرت أن تغيير الدين هو نوع من أنواع الزنا الروحى، ومن ثم لابد من التطليق فى هذه الحالة، هذا فضلا عن أن لائحة 88، التى كانت تجيز التطليق لعدد من الأسباب، التى قد تؤدى للزنا، وهى كانت حلًا لكثير من المشكلات، بحسب قوله.