الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

خواطر حول الهيدروجين

  • 2-9-2021 | 12:33
طباعة

تسببت أيادي البشر في تدمير المناخ، وإحداث تغييرات شديدة في الناموس الطبيعي لهندسة الغلاف الجوي لكوكبنا، وذلك جراء التجارب النووية التي وصل عددها 2056 تجربة نووية، وجراء حرق المصادر الأحفورية من فحم وبترول وغاز طبيعي، وبطريقة غير منضبطة.

وأصبحت البشرية الآن تعانى من ويلات الأعاصير المدمرة ومن ويلات الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة، ومن الأمطار الحمضية التى حرقت الزراعات وزاد التصحر، وانتشرت الأوبئة والأمراض.

الفحم هو أحد المصادر الأحفورية الملوثة للبيئة، والذى ساهم بمقدار كبير فى التلوث الذى دمر المناخ،  فعند حرق طن من الفحم، ينبعث منه فى الغلاف الجوى 3.75 كيلوجرام من ثانى أكسيد الكبريت، و1892.6 كيلوجرام من ثانى أوكسيد الكربون، و2.1 كيلوجرام من ثانى أوكسيد النيتروجين، و152.4 كيلوجرام من رماد الفحم. ولك أن تتخيل كمية الملوثات الناتجة من حرق أكثر من 8 مليارات طن من الفحم سنويا على مستوى العالم.

الآن أدركت البشرية مدى الجرم الذى ارتكبته، وبدأت الأنظار تتجه إلى مصادر الطاقة النظيفة، وأصبح الهدف هو التحول إلى نظام طاقة خالٍ من ثانى أكسيد الكربون، أنظمة طاقة صديقة للبيئة وأكثر استدامة وذات موثوقية عالية وبأسعار معقولة، ووضع فى الحسبان أنه مع مرور الوقت، يمكننا الاستغناء عن استخدام الوقود الأحفورى.. لذلك اتجهت الأنظار إلى الهيدروجين كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة.

الهيدروجين له دور حيوى فى الكون، ويلعب دورا كبيرا فى استدامة الحياة.. الكون يتكون من مزيج من مجموعة واسعة من العناصر، والعناصر الأكثر وفرة فى الكون تشمل الهيدروجين والنيتروجين والأكسجين، لكننا نجد أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة فى الكون حيث يشكل نسبة 75٪.. بصرف النظر عن أهميته فى مساعدة الكائنات الحية المختلفة على البقاء على قيد الحياة، إلا أنه يمكن استخدامه فى توليد الطاقة.

على الرغم من وفرة عنصر الهيدروجين فى كوكبنا، إلا أنه لا يوجد منفردا فى صورة غاز، فهو يوجد دائما فى شكل مركب مع عناصر أخرى، مثل الماء والميثان، كما يشكل الهيدروجين مع الكربون مركبات مختلفة - أو هيدروكربونات – مثل الغاز الطبيعى والفحم والبترول، ولاستخدام غاز الهيدروجين يجب فصله من المركبات التى يشارك فيها.. وكيفية استخلاص غاز الهيدروجين من مركباته تعتبر من العناصر الحاكمة فى جدوى استخدامه اقتصاديا.

للهيدروجين استخدامات كثيرة، على سبيل المثال، يستخدم فى تخزين الطاقة الكهربائية، ويستخدم فى إنتاج الكهرباء، وفى تسيير وسائل النقل والانتقال البرية والبحرية. وعموما نستطيع أن نقول، أن الهيدروجين له دور أساسي فى أي مجتمع صناعى، حيث يدخل فى العديد من العمليات الصناعية الكيميائية الأساسية.

انتشرت فى الآونة الآخيرة مسميات للهيدروجين، منها الهيدروجين الرمادى والهيدروجين الأزرق والهيدروجين الأخضر، ونود أن نوضح أن غاز الهيدروجين ليس له لون، فهو عديم اللون، وكذلك هو عديم الرائحة والطعم وسريع الاشتعال وغير سام.

 أما سبب المسميات فهو راجع إلى الطرق المستخدمة لإنتاج الهيدروجين، فإذا كانت طريقة الإنتاج ينتج عنها ثانى أكسيد الكربون، فالهيدروجين الناتج يسمى هيدروجين رمادى، وإذا كانت طريقة إنتاجه ينتج عنها ثانى أكسيد الكربون بنسب قليلة، فالهيدروجين الناتج يسمى هيدروجين أزرق، وإذا كانت طريقة إنتاجه لا ينتج عنها ثانى أكسيد الكربون، فالهيدروجين الناتج يسمى هيدروجين أخضر.

أهم ما يميز الهيدروجين كوقود، هو احتواؤه على أعلى محتوى للطاقة من أي وقود شائع من حيث الوزن - حوالى ثلاث مرات أكثر من البنزين - فهو أكثر كفاءة من المصادر الأحفورية الملوثة للبيئة، فالطاقة التى ينتجها حرق كيلوجرام من وقود الهيدروجين تكافئ الطاقة الناتجة من حرق 3 كيلوجرام من البنزين.. وهذا هو السبب في استخدامه كوقود لإطلاق الصواريخ، وخلايا الوقود لإنتاج الكهرباء فى بعض المركبات الفضائية.. ولكن من حيث الحجم فهو يحتوي على أقل محتوى للطاقة، حوالى أربع مرات أقل من البنزين.

يستخدم الهيدروجين فى تطبيقات مهمة جدا، منها خلايا وقود الهيدروجين، والتى استخدمتها وكالة "ناسا" لأول مرة فى عام 1965، لإمداد الأجهزة الإلكترونية بالكهرباء خلال رحلة سفينة الفضاء جيمنى 5.. خلية وقود الهيدروجين لا تحرق الهيدروجين، لكنها تعمل مثل البطارية، وتنتج الكهرباء من خلال تفاعل كهروكيميائى، الذى يولد الكهرباء دون أى احتراق، والعادم عبارة عن ماء.. وعلى عكس البطاريات، فخلايا الوقود لا تتآكل ولا تحتاج لإعادة شحن.

خلية وقود الهيدروجين تنتج كهرباء - حوالى فولت - وحرارة وماء بشكل مستمر، طالما يتم توفير وقود الهيدروجين.. ولزيادة كمية الكهرباء المولدة، يتم توصيل مجموعات من خلايا الوقود الفردية لإنشاء حزمة تعطى الطاقة المطلوبة. خلايا وقود الهيدروجين لا توفر الطاقة فحسب، بل توفر أيضاً الماء لرواد الفضاء. ومع تحسن تكنولوجيا خلايا الوقود، استخدمتها "ناسا" فى جميع المهام الفضائية المأهولة، التالية بما فى ذلك برامج أبولو ومكوك الفضاء.

استخدام الهيدروجين كوقود دفع للصواريخ ومركبات الفضاء، يعتبر من أهم التطبيقات التى يستخدم فيها الهيدروجين، وكانت وكالة "ناسا" أول من بدأ فى استخدام الهيدروجين السائل، فى الخمسينيات كوقود دفع للصواريخ. الهيدروجين - وقود صاروخى خفيف وقوى للغاية - له وزن جزيئى أقل من أي مادة معروفة ويحترق بدرجة شديدة، حوالى 3038 درجة مئوية. يجب تخزين الهيدروجين السائل عند 218 درجة مئوية تحت الصفر والتعامل معه بحذر شديد.

لمنع الهيدروجين السائل من التبخر أو الغليان، يجب عزل الصواريخ بعناية عن جميع مصادر الحرارة، مثل عادم محرك الصاروخ واحتكاك الهواء أثناء الطيران عبر الغلاف الجوى. عندما يمتص الهيدروجين السائل الحرارة ، فإنه يتمدد بسرعة؛ وبالتالى، فإن التنفيس ضرورى لمنع انفجار الخزان.

 الآن أصبح استخدام الهيدروجين فى تطبيقات الطاقة آخذ فى الازدياد، فخلايا الوقود الكبيرة تستخدم فى توفير الكهرباء للمبانى فى المناطق النائية غير المتصلة بشبكات الطاقة الكهربائية. كما أنها تستخدم فى قطاع النقل البرى والبحرى، فخلايا الوقود الصغيرة تستخدم فى تسيير السيارات الكهربائية الملاكى، وغالبية السيارات الجديدة تستخدم تكنولوجيا خلايا الوقود، ويوجد فى السوق سيارات كهربائية (4 راكب) تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، هذه السيارة قادرة على السير لمسافة 480 كيلومتر على خزان ممتلئ بالهيدروجين، وملء الخزان يستغرق زمنا أقل من 4 دقائق.

كذلك أصبحت خلايا وقود الهيدروجين تستخدم فى تسيير شاحنات بضائع لحمولات أكثر من 30 طن، هذه الشاحنات قادرة على السفر لمسافة 400 كيلومتر على خزان ممتلئ بالهيدروجين، وملء الخزان يستغرق زمنا يتراوح بين 8 إلى 20 دقيقة. حتى السكك الحديدية والطيران أصبحت تستخدم خلايا وقود الهيدروجين فى تسييرها.

محرك الاحتراق الداخلى مثل محركات السيارات التى تعمل بالبنزين، يمكن تشغيله بحرق غاز الهيدروجين مباشرة. هذا المحرك عبارة عن نسخة معدلة من محرك الاحتراق الداخلى التقليدى. لكن يتطلب تعديل غرفة الاحتراق، ومعايرة توقيت بدء شرارة الإشعال، من أجل تجنب أضرار الطَرق (الخبط) المدمر.

الهيدروجين الرمادى هو المسيطر على سوق إنتاج الهيدروجين على مستوى العالم. يتم إنتاجه بطريقة إعادة تشكيل الغاز الطبيعى ببخار الماء، عند درجات حرارة عالية تتراوح ما بين 800 إلى 1700 درجة مئوية. تفاعل الغاز الطبيعى مع بخار ماء عالى الحرارة يتم إنتاج غاز تخليقى، وهو خليط من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون وكمية صغيرة من ثانى أكسيد الكربون، وكذلك يتفاعل أول أكسيد الكربون مع الماء لإنتاج هيدروجين إضافى. هذه الطريقة هى الأرخص والأكثر فعالية والأكثر شيوعا. هذه الطريقة ينطلق منها الكثير من ثانى أكسيد الكربون. الإنتاج العالمى السنوى من الهيدروجين الرمادى يصل إلى حوالى 60 مليون طن، والإنتاج العالمى السنوى من جميع أنواع الهيدروجين حوالى 70 مليون طن.

الهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه بواسطة مصادر طاقة لا ينتج عنها كربون – مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح – وكذلك طريقة تحضيره لا ينتج عنها كربون، باستخدام التحليل الكهربى للماء، لفصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين. وبذلك يصبح الهيدروجين أخضرا فى إنتاجه، وأخضرا فى استخدامه، فالمنتج الثانوى الناتج عن احتراق الهيدروجين هو الماء، ولا يصدر عن استخدامه ثانى أكسيد الكربون.. الإنتاج العالمي السنوي من الهيدروجين الأخضر وصل إلى 0.36 مليون طن فى عام 2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.45 مليون طن فى عام 2023.

بينما تهيمن طاقة الرياح والطاقة الشمسية على النصيب الأكبر من الطاقة المتجددة، يظهر الهيدروجين بهدوء كعنصر رئيسي فى مزيج الطاقة المتجددة فى العالم، حيث يستخدم الهيدروجين كشكل من أشكال تخزين الطاقة، فالكهرباء المتقطعة الناتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تستخدم فى إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتخزينه، ويمكن تحويله إلى كهرباء عند الحاجة. وعلى المدى الطويل يكون تخزينها ونقلها على هيئة هيدروجين أرخص بكثير من تخزينها فى بطاريات ليثيوم أيون

إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائى للماء يكلف حوالى 4-8 دولار/ كجم، وهو ما يقرب من أربعة أضعاف تكلفة الهيدروجين الرمادى، بطريقة إعادة تشكيل الغاز الطبيعى بالبخار، والتى تساوى 1.3 دولار/ كجم.

 الخطط الموضوعة حاليا تهدف إلى خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى أقل من 2 دولار/ كجم بحلول عام 2025، والتى ستجعل الهيدروجين الأخضر وأنواع الوقود المشتقة منه قادرة على المنافسة فى قطاعات متعددة، بما فى ذلك صناعة الصلب والأسمدة وتوليد الطاقة والشحن بعيد المدى وإنتاج المواد الكيميائية.

 كما سيتم استخدام الأمونيا الخضراء Green ammonia، المصنوعة من الهيدروجين الأخضر، كبديل محتمل للوقود الأحفورى فى توليد الطاقة الحرارية، مما سيقلل بشكل كبير من كثافة الانبعاثات من مشاريع الطاقة الحالية.

الاكثر قراءة