الجمعة 24 مايو 2024

فزورة التاريخ المشروع القومى للعمل بعيدا عن الثرثرة الفارغة

24-5-2017 | 14:18

بقلم: د. محمد فتحى

 

فى نهاية ١٩٨٨ استدعانى الأستاذ مكرم محمد أحمد (وكنت أكتب فى المصور ولى مقال منتظم فى الهلال منذ ١٩٨٥) وطلب منى تقديم أوراقى لأنه قرر تعيينى مع بداية ١٩٨٩. وكانت لى علاقة وثيقة بالكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وكان بهاء فى لحظات القنوط المعنوى يلومنى على هجرى الهندسة كمهنة لها ثقل مادى خلاق، من أجل العمل فى «هلاميات» الصحافة والسياسة والثقافة، مهما أكدت له من أهمية وإلحاح تخصصى فى «العمران الإنساني»..

لكنها لم تكن سوى لحظات قنوط.. ففى يناير ١٩٨٩ نشر بهاء فى مجلة «الهلال» عجالة بعنوان «فزورة التاريخ»، وهاتفنى طالبا تقديم حل لها.. كانت فزورة بهاء: «منذ صارت القراءة أحد همومى، وأنا أسأل هذا السؤال: ما الذى يجعل شعبا ما ينهض ويتقدم؟ وما الذى يجعل شعبا ما يكون متقدما وناهضا يضمحل ويتقهقر؟». وكان بين ما جاء فى عجالة بهاء: «من حق الكاتب أن يطرق باله سؤال ما، ويحار معه ولا يجد له ردا وتفسيرا.. فيطرح هذا السؤال على القارئ حتى إذا كان لا يفعل إلا أنه مشاركه فى حيرته، فهذا أمر مفيد، يشحذ الأفكار، وقد يخف لنجدته كاتب أو مفكر آخر، و...».

وهكذا لم يكن طرح بهاء الفزورة مجرد سؤال، قدر ما كان حثا بالغ الذكاء على التفكير والحوار والسعى الجماعى حول السؤال الأهم فى وجودنا.

حل فزورة بهاء

كان الأستاذ بهاء يعرف أنى قضيت سنوات طوالا- فى إطار الاهتمام بالعمران الإنساني- أبحث عن إجابة للسؤال، ومن هنا طلبه الذى تحمست لتلبيته فنشرت عددا من الدراسات المعنية بدءا من عدد «الهلال» التالى (سر النهوض والتقدم- فبراير ١٩٨٩) وفى مجلات غيرها.. وكان بين حصيلة الإجابة مع الدرس المعمق- وحماسة وتشجيع بهاء- ما نشرته بعد ذلك فى ثلاثة كتب: «سر النهوض والتقدم- كيف تتاح الفرصة للمصريين حتى يبدعوا» (مكتبة الأسرة ١٩٩٩).. «مصر ومجتمع المعرفة من الانهيار السوفييتى إلى التحدى الإسرائيلي» (مركز الدراسات الاستراتيجية فى الأهرام ٢٠٠٢). و«الطريق إلى النبوغ والنهضة» (٢٠١٤).

وكان «سر النهوض والتقدم» إذا بلورته فى فقرة واحدة:

«النظام الذى يتيح، لدوائر متعاظمة من الناس، العمل الجماعى الجاد المنتج القائم على المعرفة واحترام نواميس الحياة (المملكة المتحدة، ألمانيا الاتحادية، اليابان، الصين الشيوعية، الولايات المتحدة الأمريكية... أيا كانت اللافتات المذهبية التى ترفعها كل منها). ومن شروط نظام العمل هذا توفيره قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، لأن ما يهدم تنامى العمل وإبداعيته، واتساع دوائره بانتظام، هو إحساس المرء بأنه يزرع ليحصد غيره، وربما حتى لينفق هذا أو ذاك فى سفه، مما لا يدفع إلى كد حقيقى أو إبداع، ويحول العمل إلى مجرد سد خانة».

لكن لأن المسألة هى مصير مصر، ومصيرنا ومصير أولادنا معها، يحتاج الأمر بعض التفصيل.. فمصر تواجه مؤامرات عاتية، وتغالب التدهور منذ أزمان مديدة (من أيام محمد على على سبيل المثال)، ويروق لبعض الباحثين، ثأرا من عبدالناصر والجيش، تحديد تواريخ مغرضة للتردى الاجتماعى.. وحتى ندرك مدى التردى الذى كنا قد وصلنا إليه، لا بأس من «مشهد» من أيام الملك فاروق الذى أطاحه عبدالناصر والجيش..

الريحانى وحسنين وبولى والإخوان

دخل نجيب الريحانى كواليس مسرحه وسحب ميمى شكيب من يدها متجها بها إلى غرفته.. كانت ميمى قبل احتراف التمثيل نجمة سهرات الأمراء والباشوات والمليونيرات وأولاد الذوات.. وكان يشاع أن البكوات يشربون الويسكى فى حذائها! وأن أمين باشا عثمان كان يستقبلها فى مكتبه بوزارة المالية ويشعل سيجارتها بورقة فئة خمسين جنيها (ذهب)!.

فوجئت ميمى بنجيب يقدمها فى مكتبه إلى أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى ورائد الملك فاروق! بعد ذلك تم الاتفاق على عرض إحدى مسرحيات «كشكش بيه» على مسرح قصر عابدين. هذه المسرحيات الهزلية ظهرت حين كانت التركية الشقراء ما زالت رضيعة فى اللفة (ولدت ١٩١٥)، وهكذا أضاف نجيب للمسرحية الملكية مشاهد جديدة تلعب ميمى فيها دور شقراء رومية.. أمام الملك قطعت المسرح جيئة وذهابا وهى تجر كلبا وراءها!

بعد انتهاء العرض دعا صاحب الجلالة الفرقة لتناول العشاء على مائدته، وقدم أحمد حسنين نجيب الريحانى للملك: هذا رجل يأكل عنده صنوف من الناس، ولكنه يقدم للفقراء بصلا، وللأغنياء ديوكا رومية.. فى تورية عن شقراوات الفرق الاستعراضية اللاتى يقدم بهن عروضه للارستقراط والأغنياء! وبالطبع قدم الريحانى ميمى لصاحب الجلالة.

طوال العشاء أخذ أنطون بوللى سكرتير الملك الخاص يحوم حولها مزجيا عبارات الإطراء قبل أن يسألها: «هل أعجبك طعامنا؟».

ردت «الخبز الأبيض هايل».

وعدها أن يرسل لها منه!

ابتسم لها الملك وسألها ماذا تشرب، فرد نجيب «إنها تشرب المحيط» كناية عن ولعها وحبها للعب من كل أنواع المشروبات الروحية، عبا نهما.

وصل الخبز الأبيض ومعه فواكه الموسم وديكة رومية و... إلى بيت ميمي، ولما عرفت أمها أن القصر هو المصدر انطلق لسانها بالدعاء «ربنا يحبب خلقه فيكي.. يهنيك ويفتح الأبواب المغلقة فى وشك يا بنتي».. فزيجتى ميمى السابقتين لم تعمرا إلا أياما.

اتصل بوللى للاطمئنان على وصول الهدايا وقال لميمى مولانا سيراك فى مسرحية «حكم قراقوش» على مسرح الأوبرا.. حين ذهبت إلى البروفات وجدت نجيب يبادرها منشرحا: «الملك يريد أن يرى مسرحية جديدة لنا، وهذا دليل على أن عينه وقعت على ما استحسن».

- تقصدني؟

- هل تتصورين أنه يستلطفنى أنا؟

صمت برهة قبل أن يستطرد: «ما نفعله كل ليلة لا يليق أن يحدث أمام الملك»!

كانت ميمى تمثل فقط فى المسرحية، أما الرقصة الشرقية المفروض أن تؤديها أمام قراقوش فقد كان نجيب يستعين براقصة لها نفس قوامها، تغطى وجهها بالشيفون الأسود، ولم يكن أحد من الجمهور يدرك ذلك.. فقد كانت «المسرحية باهرة» حتى أن عمد قبلى وبحرى كانوا يبيعون الأرز والقطن ويتسابقون للجلوس فى الصفوف الأولى تحت أقدام «الرومية»، كما كانت تشيع- بين من لا يقدر على سعر هذه الصفوف فى سوق التذاكر السوداء- تجارة نظارات سباق الخيل المكبرة.

استطرد نجيب وهو يهز وسطه برشاقة راقصة شرقية «سوف أوصى إيزاك ديكسون (كان أشهر مصمم رقصات فى مصر، صاحب رقصة كاريوكا التى سميت بها تحية، ويشاع أنه هو الذى قدم لاحقا كاميليا نجمة سهرات الملك فاروق لجيمس زارب عميل الموساد فى مصر).. سوف أوصى ديكسون بوضع رقصة جديدة..

استمرت الرقصة المثيرة التى قدمتها ميمى شكيب على مسرح الأوبرا (عام ١٩٤١) أمام الملك (كان عمره ٢١ سنة) ١٥ دقيقة (رقصة قراقوش الأصلية ٣ دقائق فقط)، وبسبب انبهار الملك أعادتها ميمى وفق طلبه مرة ثانية..

بعد العرض قدم نجيب ميمى للملك «راقصتنا بطلة الفرقة» فامتدحها الملك «أنت راقصة عظيمة».

تلقت الفرقة دعوة لتقديم مسرحية «الستات ما يعرفوش يكدبوا» بطولة ميمى على مسرح قصر عابدين.. «انشكح» نجيب فأموال القصر كانت بلا حدود، وكان يحصل على ألف جنيه (ذهب) على الأقل مقابل العرض. بعد الحفل دعا الملك الفرقة وفى مقدمتها بطلة المسرحية للعشاء.. وفى اليوم التالى رن الهاتف فى منزل ميمي، وقال لها بوللى «كنت بالأمس نوارة.. لماذا لا تشرفيننا وتتناولين العشاء معنا فى القصر اليوم؟»..

- أحفظ دورا جديدا لافتتاح موسم الصيف فى الإسكندرية..

- أين تقيمين فى الإسكندرية؟

- عادة نستأجر شقة فى سبورتنج..

- سأزورك إذن قبل السفر فى المسرح..

قدم لها بوللى عند زيارته مظروفا به إيجار شقة الإسكندرية، هدية من الملك! وهو يهمس: «من توجيهات مولانا أن يكون بالشقة تليفون.. وسوف نعرف بالطبع مكانها».. أعطت ميمى أمها ٥٠٠ جنيه لتسبقها إلى الإسكندرية وتستأجر شقة بها تليفون.

يوما دق جرس التليفون فى الشقة وقال الملك لميمى «سوف نراك قريبا».

كانت فرقة الريحانى تعمل على مسرح «الهمبرا»، وفى إحدى الاستراحات همس فلاديمير مدير المسرح «الملك هنا».. لم يصدق نجيب الريحانى فأرسل شقيقه يوسف يستطلع الأمر ليعود مؤكدا الخبر، وليهمس فلاديمير إنها المرة الثالثة التى يشاهد فيها الملك العرض!

ويوما دق تليفون الشقة.. كان المتحدث نجيب باشا الجواهرجى (وليس نجيب الريحاني) دعا ميمي، على عادتهما القديمة، إلى زيارته فى قصره بعد العرض.. انتهى دورها فهرولت إلى حيث ينتظرها بندللى السائق الخاص لنجيب.. واستقبلها هذا بقصره فى سيدى بشر دون أن يفتح ذراعيه: «كثر المعجبون إلى جوار قائمة العشاق القدامى وضعت أنا فى الزحام»! كانت جائعة فأشاحت عن همسه وسألت «ماذا عندك للعشاء؟».

دخل ضيف على عينيه نظار سوداء فقال لها نجيب باشا «قومى سلمي»..

«لماذا أقوم.. الرجل هو الذى يأتى ويسلم ويقبل يدي، ويجلس تحت قدمى أيضا؟».

رفع الضيف نظارته فعرفته وهمت مفزوعة بالقيام.. لكن الملك اندفع يمنعها.. «سمعا وطاعة» ثم توجه بالحديث لنجيب باشا «سأجلس على الأرض كما اختارت لى ميمي».

جلس صاحب الجلالة فتحرجت ميمى وأنزلت ساقها وضمتها إلى جوار زميلتها إذ كانت ترتدي، كما يوصونها فى المسرح عادة «فستان الكومبليه»، الذى يكشف ما يشد الزبائن.. لكنها فوجئت بصاحب الجلالة يناشدها «كما كنت».. وصمت برهة قبل أن يفضحها «أنت تعرفين أن وضعك ساقا على ساق يجعل المسرح كامل العدد كل ليلة».

رفع الملك رأسه يسأل نجيب باشا متبسطا: «ماذا ترى يا جواهرجي؟»..

فقال هذا وهو ينصرف: يا صاحب الجلالة أنا «حيالله» مجرد صائغ لقطع من الحلى فى دكان، ولا أدعى أننى خبير بمنجم للأحجار الكريمة مثل ذاك... .

انشغل الملك بأحجاره الكريمة الكثيرة.. لكنه لم يكن ينسى مسئولياته عن الإنفاق على مناجمه، فيذهب ليقامر بعد ذلك حتى الفجر فى نادى السيارات، ولا بأس من أن يتوجه من هناك مباشرة لصلاة العيد، قبل أن يرسل سيارة ملكية خاصة لإحضار المرشد العام، الذى كان يخرج من كل مقابلة مع الملك ليقول: «زيارة كريمة لملك كريم».

وقد وصل الأمر إلى أن تم تخصيص مؤتمر الجماعة الرابع للاحتفال باعتلاء الملك فاروق عرش مصر، واعتاد الإخوان الوقوف فى ساحة قصر عابدين فى المناسبات هاتفين: «نهبك بيعتنا وولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله». وفى عام ١٩٣٧ بعد أن اختلف النحاس باشا مع القصر خرجت المظاهرات تهتف: «الشعب مع النحاس» فسيّرت الجماعة رجالها هاتفين: «الله مع الملك»!

المؤامرات العاتية

لن أتحدث عن الكوليرا ومشروعات الحفاء و...على الجانب الآخر. وسأعود للقضية الأساسية «فزورة التاريخ والمؤامرات العاتية التى تغالب مصر- فى مواجهتها- التدهور».

لقد وعى عبدالناصر عبر مخاض دام «فزورة التاريخ»:

«النظام الذى يتيح، لدوائر متعاظمة من الناس، العمل الجماعى الجاد المنتج القائم على المعرفة، واحترام نواميس الحياة.. ومن شروط هذا النظام توفيره قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، لأن ما يهدم تنامى العمل وإبداعيته واتساع دوائره بانتظام هو إحساس المرء بأنه يزرع ليحصد غيره، وربما حتى لينفق هذا أو ذاك فى سفه، (وزير مالية يتباهى بإشعال سيجارة الرومية بورقة ٥٠ جنيه ذهبا) مما لا يدفع إلى كد حقيقى أو إبداع.

ومن هنا كانت معارك ناصر المستميتة الدامية من أجل «مياه وكهرباء» السد العالي، ليتيحا فرص عمل حقيقى للناس.. ومع يونيه ١٩٦٧ كان السد العالى وتضحياته قد أنجزا، وكنا قد بدأنا فى مد خطوط الضغط العالى من أسوان حتى تشيع كهرباؤه العمل والنماء والحياة فى أرجاء بلادنا وكنا نبنى المصانع، وكنا نغنى آملين: «مصانع كبرى مزارع خضراء تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية»، ولم يكن لضربتهم أن تتأخر، حتى لا يواجهوا شعبا فى يده مقومات النهضة الحقيقية.. يشد العمل عوده ووعيه و... .

إن العمل قيمة مركزية فى التنمية الاقتصادية والديمقراطية والثقافية والفنية والشخصية، لأنه قوام تماسك شخصية الفرد والأسرة والحركات السياسية و... . بحيث يمكن تقسيم المجتمعات بين مجتمعات ينسج العمل كيانها ووعيها، ويشيع خميرته فى وحدتها (المملكة المتحدة وألمانيا الاتحادية والولايات المتحدة...) وترقيتها دوما، وبين مجتمعات تقتلها الثرثرة الفارغة مهما تسمت بالحرية والديمقراطية و... . إن العمل العمل هو ما يجعل الناس، والشباب على وجه الخصوص، أكثر فعالية وإنتاجية وصحة واستقلالاً ووعيا وطموحا وتطلعا... أى أكثر إنسانية فى نهاية المطاف.

لقد اختاروا توقيت الضربة القاصمة فى يونيه ١٩٦٧، كى يحرم شعبنا الذى ضحى طويلا من نتاج معركته وجهده، من فرص العمل الحقيقى الجاد المنتج ومن ثماره وتوابعه... .

إن مصر تتعرض لمؤامرات منذ...، وقد وصلت مع عقد السنين الأخير إلى مرحلة جهنمية عاتية، فى إطار بلقنة العالم العربي- بالمناسبة فى مواجهة توجه ناصر الوحدوى من المحيط إلى الخليج- الأمر الذى نجح فيه أعداء العرب بامتياز، بعد فلسطين، فى العراق وليبيا وسوريا والسودان... . وما زالت محاولاتهم فى هذا المجال دائرة على قدم وساق، وقد كانت مصر فى هذا الإطار قاب قوسين أو أدنى من البلقنة.

ولعل الإنجاز الأساسى لنظام السيسى خلال الفترة الماضية أنه استطاع وقف عجلة البلقنة.

ويبقى مطلوبا منه حل «فزورة التاريخ»: إقامة النظام الذى يتيح، لدوائر متعاظمة من الناس، العمل الجماعى الجاد المنتج القائم على المعرفة، واحترام نواميس الحياة.. ومن شروط هذا النظام توفيره قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، لأن ما يهدم تنامى العمل وإبداعيته واتساع دوائره بانتظام هو إحساس المرء بأنه يزرع ليحصد غيره، وربما حتى لينفق هذا أو ذا فى سفه، مما لا يدفع إلى كد حقيقى أو إبداع.

المطلوب هو حل «فزورة التاريخ» حتى نتخلص من مجتمع الثرثرة بكل مقوماته المتهافتة المتدنية... .

ولعله من الضرورى الإشارة إلى الترابط الجدلى بين تأثيرات العمل الجاد المنتج وثماره، وبين الوقف النهائى لحركة عجلة التدهور والبلقنة، وعكس اتجاه دورانها.

ولعله من الضرورى الإشارة إلى أن الطفولة السياسية قد تصور للبعض أننا فى «سوبر ماركت» يمكن أن نختار من على رفوفه ديمقراطية وليبرالية واشتراكية ويمينا ويسارا و... . بينما السياسة الحقيقية تقول إننا محكومون بواقع محدد ينطوى على قوى اجتماعية محددة، وينبغى علينا الانطلاق من هذا الواقع لتطوير قدراتنا، بعيدا عن أوهام الكومبارس التى تصنعها ثرثرة عشناها طويلا- وما زلنا نعيشها- بلا طائل...

مرة ثالثة والثالثة تابتة «فزورة التاريخ» تؤكد «ضرورة العمل الجماعى الجاد المنتج القائم على المعرفة، فالعمل هو ما يحول الناس من عبء إلى طاقة دافعة، ومن عيال معتمدين إلى ناضجين يعتمدون على أنفسهم ويتكاتفون الواحد مع الآخر فى رحلة الحياة، ويحولهم إلى قوة دفع لحل كل المشاكل. وذلك مع ضرورة احترام نواميس الحياة.. ومن شروط هذا النظام قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، وأول نواميس الحياة التى كررتها دون تفصيل: أن مواسم الحصاد لا تأتى إلا بعد غرس وكد فى الرى والرعاية.

هذه فى «كلمة ونص» إجابة السؤالين المطروحين، حتى ألتزم حدود المساحة، أما من يريد تفصيلا أكثر فرابط نص كتابى «الطريق إلى النبوغ والنهضة» (٢٠١٤) على الإنترنت.