الأحد 19 مايو 2024

مشروع السيسى.. أمس واليوم وغداً إن أجمل الأيام هى التى لم نعشها بعد

24-5-2017 | 14:22

بقلم: يوسف القعيد

التعريف بصاحب العنوان أولاً، إنه الشاعر التركى ناظم حكمت، ومن باب التعريف بصاحب العنوان – وهذا أبسط حقوقه علينا – أنه مولود فى ١٥ يناير ١٩٠٢ فى سالونيك بتركيا، ومتوفى فى موسكو فى الثالث من يونيه سنة ١٩٦٣، وله من الأعمال الشعرية والمسرحية والروائية ما يجعله أحد المؤسسين الكبار للثقافة التركية المعاصرة، مع أن تركيا اليوم أبعد ما تكون عن تركيا الأمس.

لكنه زخم التاريخ الذى لا يصح لا إنكاره ولا تجاهله، من أقوال ناظم حكمت: إنه لشىء عظيم أن تكون على قيد الحياة، يا أخى، ومن مآثره أيضا: لتحمل لك الفرحة كل طيبات الأرض، لتحمل لك الفرحة الظل والضوء، لتحمل لك الفرحة الفصول الأربعة، ولكن فليحمل لك الإنسان أول فرحة، وكان هذا من قصيدة «لعلها آخر رسالة إلى ولدى محمد» من ديوان «أغنيات المنفى» ترجمة محمد البخارى.

 

أصل إلى موضوعى بعد هذا المفتتح الملىء بالتفاؤل من خلال شعر مناضل أبدى رأى أن النضال أكبر قيمة حقيقية فى حياة الإنسان، هكذا نطق فى يومه الأول واستمر حتى آخر قصيدة أهداها إلى ولده محمد.

وموضوعى لن يكون حصراً لما قدمه الرئيس السيسى لنا، ولكنه تذكير بما ننتظره منه فى السنة المتبقية من ولايته الأولى، وما يمكن أن يفعله لمصر فى الولاية الثانية بإذن الله، أكتب أولاً عما قدمه، وهو أكثر من كثير، ولكن كان رأيى ولا يزال وسيظل أن الرئيس عبد الفتاح السيسى قدم لنا قبل أن يكون رئيساً لمصر ما يدخله التاريخ من أوسع أبوابه.

كل من اقترب من الفكر الإخوانى ومن فخاخ الجماعة المحظورة، ومن مشروعهم المخيف للاستيلاء على مصر أو تدميرها تماماً، وكل من عرف أنهم كانوا قد خططوا لأن يحكموا مصر ألف سنة، لا تقل يوماً واحدا ولا ليلة واحدة، وأنه لولا البطولة الحقيقية التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى – قبل أن يصبح رئيساً لمصر – لكنا ما زلنا فى ليل الإخوان الذى بلا نهاية، لا قدر الله ولا كان علينا.

هذا الإنجاز يكفيه لولاية أولى، وهذا الإنجاز يكفيه لولاية ثانية، وكل من عاصر تلك الجماعة الملعونة، واقترب منها ورأى كيف يفكر العقل الإخوانى عند التعامل مع مصر، وعند الاستيلاء على مصر – وليس حكمها فقط – لا بد أن يدرك أن ما فعله معهم الرئيس عبد الفتاح السيسى لا يقل أبداً عما فعله مينا موحد القطرين، وصلاح الدين الأيوبى، ومصطفى كامل، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، صحيح أنهم قدموا للبلاد بطولات توقف أمامها التاريخ طويلاً، ولكن لا بد أن يضاف اسم الرئيس السيسى لهم.، يبقى ما أريد كتابته هذا الأسبوع.

ما نريده فى سنة باقية من ولايته الأولى؟

وما نحلم به فى ولاية ثانية أقول إنها حتمية ولا بد منها من أجل مصر وليس من أجل السيسى، من أجل المصريين وليس من أجل السيسى، من أجل الأجيال الجديدة وليس من أجل السيسى.

أحلم باستكمال ما تم فى السنوات الثلاث السابقة، وهذا الاستكمال لا يقل أهمية عما تم، وأنا لا أقلل مما تم، فالمنجز يمكن أن تراه بالعين المجردة، ويمكن أن تشعر به عندما تتجول فى أى شبر من ربوع مصر، لكن لضخامة ما تم ولعظم ما قام به لا بد أن نكلفه وأن نطلب منه وأن نلح عليه أن يقدم الجديد وأن يستكمل ما بدأه.

سأكتب عن أربعة مشروعات أعتقد أن الاهتمام بها يكمل ويستكمل ويضيف إلى ما فعله الرئيس فى السنوات الثلاث الماضية.د

الأول: العدالة الاجتماعية، صحيح أن السيسى يتحدث كثيراً عن الفقراء، وأنه يتابع بدقة ودأب شديدين كل ما يجرى فى أرض الواقع، وربما يتألم بسبب تردى أحوال معيشة الفقراء، ويحلم أن يعيشوا أفضل من الأغنياء، مع أن هذا من رابع المستحيلات.

العدل الاجتماعى فريضة حاضرة غائبة فى سنوات ثلاث مضت، حاضرة بمعنى أنها موجودة فى عقل الرئيس وفى خلفية قرارات الدولة وفى الكثير من ممارسات الحكومة، لكن المحصلة على أرض الواقع تقول إن خريطة مصر الطبقية توشك أن تعطينى الانطباع أن الأغنياء يزدادون غنى وأن الفقراء يزدادون فقراً.

أعرف أن العبارة السابقة ليست من عندياتى، وأنها توشك أن تكون أكليشيه من أدبيات الكتابة عن المجتمعات عندما تختل موازينها، وتصل لمراحل غير متكافئة، عند توزيع الثروات على أبناء الوطن الواحد، لكنها حقيقة يجب أن ننبه إليها لنقاومها، ولنقول لها لا وألف لا.

قد يقول لى قائل إنها لم تكن مسؤولية السيسى بمفرده، وأن السيسى معه دولة، والدولة تمثلها حكومة فى تصريف شؤون حياة الناس، وأيضا هناك مجتمع مصرى راهن كان متماسكاً وكان قوياً، وعليه دور فى ملء المساحة الفارغة فى قضية العدل الاجتماعى الذى إما أنه مفقود أو أنه يراوح مكانه.

هنا أصل إلى المشروع الثانى، لأنه شديد الارتباط بالأول، بل ربما كان نتيجة له، ألا وهو عدم التماسك المجتمعى الذى نعيشه، كانت مصر منذ فجر التاريخ وحتى الآن بها مجتمع له ملامح متماسكة محددة، لا أقول إنه يخلو من المشاكل، ويخاصم الهموم، لكنه يضم مجموعة من الناس اتفقت على الحد الأدنى مما يمكن أن تتفق عليه، وحاولت الاستمرار فى حياتها، وربما كانت معجزة مصر الأولى والأخيرة هى الاستمرار.

لا بد أن نضع أيدينا على بيت الداء، وعلى المشكلة وأن يسأل كل منا نفسه ما الذى أوصلنا إلى هذا المربع الأخير بالنسبة لعلاقاتنا بعضنا ببعض، أنظر إلى سنوات صباى، وأيام تكوينى الأولى، وأتذكر كل ما كان يميز المجتمع المصري، من صفات نبيلة ومواقف جليلة، وبعد إنسانى تراه حتى العين المجردة، ومن يفكر أن يعد إلى الأمثال الشعبية التى جمعها العلامة أحمد تيمور باشا فى مجلده المهم، سيتحسر كثيراً على أحوال مصر.

لدينا علة اجتماعية، لدينا داء يحكم علاقاتنا ببعضنا البعض، لدينا مشكلة فى أن نتجاور على هذه الأرض وأن نقرر العيش معاً، وأن نتحمل بعضنا البعض، وأن يضحى كل واحد منا بذاته وفرديته ويحاول أن يذوب فى الآخرين، أشعر أن من ينزل من بيته يقول لنفسه: أنا ومن بعدى الطوفان، وأن من يدخل عمله يذكر نفسه: أنا ومن بعدى الطوفان، وإن حدثته عن أى مشكلة فى بلادنا يقول لك العبارة التى تركها لنا المماليك والأتراك: وأنا مالى.

لا أحب التعميم فى الكتابة عن المجتمعات، فالفروق الفردية مسألة شديدة الأهمية فى حياة أى مجموعة من الناس، والمجتمع مجموعة من الأفراد، وكل فرد لديه ما يميزه عن الآخرين، ولا يمكن أن يتخلى عما يميزه، لكنى أعتقد أن النمط السالب هو السائد بالنسبة للشخصية المصرية الراهنة: هنا والآن.

دور مصر يشغلنى كثيراً جداً، إنه قضيتى الثالثة، ولكى لا أكتب كلاماً نخبوياً قد لا يصل للناس، فأنا أقول للناس ببساطة أو أحاول أن أكتب ببساطة أن مصر دولة محورية كبرى، بل وعظمى، وأنها دولة دور، وأنها إن تخلت عن هذا الدور تكون قد تخلت عن نفسها وعن اسمها وعن دورها، وأصبحت هى والعدم سواء.

لا أتكلم عن إمبراطورية مصرية، ولا أدعو لضم شعوب إلينا، ولا بسط نفوذنا على الآخرين، فذلك زمان مضى وانقضى ولن يعود مرة أخرى، لكنى أتكلم عن إعادة الاعتبار للدور المصرى عربياً وإسلامياً وشرق أوسطى وإفريقياً وآسيوياً، وعلى مستوى العالم الثالث وعلى مستوى العالم كله.

لدىَّ الكثير من الوقائع التى تحدث وما زالت مستمرة حتى الأمس القريب عن تراجع الدور المصري، لن أقول غروبه، مع أن كلمة غروب مصر ترن فى خاطرى عندما أتابع الكثير مما يجرى فى بلادى ويحدث حولى، لكنى لن أذكر هذه المظاهر لكى لا أتحول لمصنع يصدر اليأس للمصريين، واليأس يحاصرنا من كل مكان، واليأس مفروض علينا من الجهات الأربع، ومقاومته فرض عين، لكن تعالوا نحاول لملمة هذا الدور المصرى أو بقاياه أو أطلاله أو فلوله، قبل الغروب النهائى لعل وعسى.

المشروع الرابع يكتسب اسمه من البعد الثقافى، وأنا لا أقصد بالثقافة ما يمكن أن تقوم به وزارة الثقافة ولا أجهزتها المتعددة، لكنى أقصد أن تكون الثقافة منهج حياة، وشكلا من أشكال التعامل مع الواقع ومع الدنيا، لا أدعى أننى أحلم بمجتمع كل أبنائه من المثقفين، ولكنى أحلم بمجتمع يدير حياته على أساس من العقل والمنطق والتفكير وربط المسببات بالنتائج.

لدينا وزارة ثقافة، ولكن هل يعلم السيد الرئيس أن ٩٠٪ من ميزانيتها أجور ومرتبات للعاملين وبدلات وحوافز، وأن أقل من ١٠٪ تذهب إلى الأنشطة الثقافية التى من المفترض أن تقوم بها، إنه الهرم المقلوب فى حياة الثقافة المصرية، من المفترض أن يتم العكس، والعكس فقط، أن تكون الأنشطة والأدوار الثقافية مائة فى المائة من الميزانية، أما المرتبات والحوافز والبدلات فهى حق أصيل لكل من يعمل، ويمكن أن تأتى ويتم تدبيرها بشكل أو بآخر من خارج هذه الميزانية.

لاحظت على نفسى خلال الكتب أننى لم أقترب من قضية القضايا وهم الهموم ومشكلة المشاكل، ألا وهى قضية الإرهاب والتطرف، ولها بعداها الأول العمل العسكرى الذى تقوم به القوات المسلحة العظيمة وشرطتنا الباسلة بشكل جيد، لكن تبقى المواجهة الفكرية على أرض الواقع، وهى المواجهة الغائبة، هل أقول إن البيت المصرى منتج للتطرف، وأن المدرسة منتجة للتطرف، وأن الجامعة منتجة للتطرف، وأن التليفزيون منتج للتطرف، وأن المسجد والكنيسة ينتجان التطرف، وأن مجمل حياتنا يجعلنا نتنفس هواء يمكن أن نطلق عليه كلمة واحدة: التطرف.

يكفى من الهموم أربعة.